أثبتت أن سحر العالم يكمن فى ما لا نعرفه، فلو كان المعلوم أهم من المجهول لبقيت الدنيا على حالها، متنقلة بين ظلام الكهف وفروع الشجر، إنها «سميرة موسى»، التى تطلعت إلى السلام والقوة، وجاهدت فى تحقيق تلك المعادلة ولكن حرب العصابات التى يشنها «الموساد» على علماء مصر الذين برعوا فى مجال الذرة اغتالتها، بعد إصرارها على العودة إلى وطنها. تعد «سميرة موسى»، أول عالمة ذرة مصرية، ولقبت باسم «ميس كورى الشرق»، وهى أول معيدة فى كلية العلوم بجامعة فؤاد الأول «القاهرة»، ولدت فى قرية سنبو الكبرى بمركز زفتى بمحافظة الغربية فى 3 مارس عام 1917 وتعلمت القراءة والكتابة منذ الصغر وحفظت أجزاء من القرآن الكريم، وكانت تتمتع بذاكرة فوتوغرافية تؤهلها لحفظ الشيء بمجرد قراءته، وعندما رأى منها والدها ذلك شجعها على التعليم بل إنه انتقل إلى القاهرة، من أجل أن تستكمل دراستها. التحقت «سميرة» بمدرسة قصر الشوق الابتدائية ثم مدرسة الإشراف الثانوية الخاصة والتى أسستها وأدارتها السيدة نبوية موسى، وكانت سميرة الأولى على كل المراحل التعليمية التى مرت بها فقد كانت الأولى على الشهادة التوجيهية عام 1935 وكان لتفوقها أثر كبير على مدرستها، حيث كانت الحكومة تقدم معونة مالية للمدرسة التى يخرج منها الأول، فقد دفع ذلك ناظرة المدرسة نبوية موسى إلى شراء معمل خاص حينما سمعت يومًا أن سميرة تنوى الانتقال إلى مدرسة حكومية يتوفر بها معمل، ويذكر لسميرة موسى، أنها قامت بإعادة صياغة كتاب الجبر الحكومى لزميلاتها فى السنة الأولى الثانوية وطبعته على نفقة أبيها ووزعته بالمجان على زميلاتها عام 1933. وقد اختارت الدراسة بكلية العلوم بجامعة القاهرة، وهناك لفتت نظر أستاذها الدكتور على مشرفة، وكان أول مصرى يتولى عمادة الكلية، وحصلت على بكالوريوس العلوم، وكانت أول دفعتها وعينت كأول معيدة بالكلية بمساندة الدكتور مشرفة الذى دافع بشدة عن تعيينها وتجاهل احتجاجات الأساتذة الأجانب «الانجليز»، بعدها حصلت على شهادة الماجستير ثم سافرت فى بعثة إلى بريطانيا درست فيها الإشعاع النووي، وحصلت على الدكتوراه فى «الأشعة السينية وتأثيرها على المواد المختلفة»، وقد أنجزت الرسالة فى عامين وقضت السنة الثالثة فى أبحاث متصلة توصلت من خلالها إلى معادلة هامة تمكن من تفتيت المعادن الرخيصة، مثل النحاس ومن ثم صناعة القنبلة الذرية من مواد تكون فى متناول الجميع ولكن لم تدون الكتب العلمية العربية الأبحاث التى توصلت إليها سميرة موسى. وكانت سميرة موسى تؤمن بأن زيادة ملكية السلاح النووى تساهم فى تحقيق السلام، فإن أى دولة تتبنى فكرة السلام لابد أن تتحدث من موقف قوة، فقد عاصرت ويلات الحرب ورأت ما فعلته القنبلة الذرية فى اليابان، ولفت انتباهها سعى إسرائيل المبكر للانفراد بالتسلح النووى فى المنطقة، لذلك قامت بتأسيس هيئة الطاقة الذرية بعد ثلاثة أشهر فقط من إعلان دولة إسرائيل عام 1948، وكانت دعواتها المتكررة إلى أهمية التسلح النووى ونظمت مؤتمر الذرة من أجل السلام الذى استضافته كلية العلوم، وشارك فيه عدد كبير من علماء العالم، وكانت سميرة موسى تأمل فى أن تسخر الذرة فى مجال علاج السرطان. استجابت «موسى» إلى دعوة للسفر إلى أمريكا فى عام 1951، وأتيحت لها فرصة إجراء بحوث فى معمل جامعة سان لويس بولاية ميسورى الأمريكية، وهناك تلقت عروضًا لكى تبقى فى أمريكا لكنها رفضت، وقبل عودتها بأيام استجابت لدعوة لزيارة معامل نووية فى ضواحى كاليفورنيا وفى الموعد المحدد حضر لها سائق من المعامل ليوصلها إلى المكان المحدد زيارته وفى طريق كاليفورنيا الوعر المرتفع ظهرت سيارة نقل فجأة واصطدمت بسيارتها بقوة وألقت بها من فوق الجبل إلى واد عميق، لتلقى مصرعها، بعدما قفز السائق من السيارة واختفى إلى الأبد. وأوضحت التحريات أن السائق كان يحمل اسما مستعارا، وذكرت إدارة المفاعل أنها لم ترسل أحدا لاصطحابها، وأشارت أصابع الاتهام إلى الموساد الإسرائيلى، الذى أبى عليها أن تنقل العلم النووى إلى مصر والعالم العربى فى تلك الفترة المبكرة كما كانت تنوى أن تفعل وكما صرحت هى، ويبقى اللغز قائما حتى اليوم.. هكذا غربت شمس هذه العالمة الجليلة فى 15 أغسطس عام 1952. تعتبر سميرة «موسى» أول الضحايا فى مسلسل دموى شرس، راح ضحيته 146 عالم ذرة فى دول العالم الثالث فى الفترة من عام 1959 إلى عام 1985، على رأسهم الهند وباكستان وجنوب إفريقيا ومصر، حسب إحصائيات الوكالة الطاقة الذرية فى فيينا، وحسب نفس المصدر، فإن 98% من الضحايا قتلوا خارج بلادهم ولم يعرف الجناة، و92% تلقوا عروضا للعمل فى دول أكثر تقدمًا فى البحث العلمى من بلادهم ولكنهم رفضوا.