قال تقرير “مؤشر الديمقراطية” التابع لمجموعة إيكونوميست البريطانية، إن الديمقراطية العالمية تشهد عامًا سيئًا آخر، والديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خصوصًا تشهد تراجعًا، لكن الاحتجاجات الشعبية الحالية في أكثر من دولة عربية تعد مؤشرا إيجابيًّا؛ لأنها تُظهر إمكانية التغيير من الديكتاتورية إلى الديمقراطية. وأشار المؤشر، في تصنيفه للدول العربية، إلى أنَّ أفضل تغيير إيجابي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، عربيًّا، حدث في تونس التي تبقى دولة الربيع العربي الوحيدة التي تحولت من الديكتاتورية إلى الحرية الديمقراطية، وتقدمت 10 مراكز في التقرير الأخير لتحتل المركز ال53 عالميًّا، بعد أن حققت مكاسب في معيار العملية السياسية والتعددية، وظهرت أحزاب جديدة تسيطر على البرلمان بعد انتخابات 2019. ويستند مؤشر الديمقراطية إلى مقياس يتدرج من صفر إلى 10، ويرتكز على معايير عدة، مثل الحريات المدنية والعملية الانتخابية والتعددية والأداء الحكومي والمشاركة السياسية والثقافة السياسية. ما ترتيب الدول العربية؟ أظهر ترتيب 22 دولة من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفق مؤشر الديمقراطية، تقدمًا لدولة الاحتلال الصهيوني لتظهر كأولى الدول ديمقراطية في الشرق الاوسط، تليها تونس ثم المغرب، فلبنان، ثم تركيا في المركز الخامس، ثم الجزائر والأردن والكويت في المركز الخامس. وأكد تقرير “وحدة ايكونوميست للأبحاث” ل”مؤشر الديمقراطية” في العالم عام 2019، أن حكومة السيسي جاءت في المركز ال13 من بين 22 دولة عربية، والمركز 137 عالميًّا من 167 دولة، والسعودية وسوريا في ذيل القائمة. وسبق أن صنّف مؤشر إيكونوميست للديمقراطية لعام 2018، مصر على أنها “نظام حكم مستبد”، ووضعها في المرتبة ال127 عالميًّا من بين 165 دولة، ما يعني تراجعها 10 درجات لاستمرار القمع. وجاءت موريتانيا في المركز الثامن، تليها فلسطين، ثم العراق، وقطر، وجزر القمر، وجاءت مصر في المركز 13، تليها عمان، ثم جيبوتي، فالإمارات، تليها السودان، فالبحرين، وإيران، وليبيا، واليمن، ثم السعودية، وسوريا في المراكز الأخيرة. وتقول وحدة “إيكونوميست للمعلومات “EIU، وفقًا لأحدث إصدار من مؤشر الديمقراطية: إنَّ هذا الاستطلاع السنوي يقيم حالة الديمقراطية في 167 دولة بناءً على خمسة معايير هي: العملية الانتخابية والتعددية، أداء الحكومة، المشاركة السياسية، الثقافة السياسية الديمقراطية، الحريات المدنية. وأنها “وجدت أن الديمقراطية قد تآكلت في جميع أنحاء العالم في العام الماضي 2019، وأن النتيجة العالمية للديمقراطية التي رصدتها في العالم، بلغت 5.44 من أصل عشر نقاط، وهي أدنى مستوى تم تسجيله منذ أن بدأ المؤشر في عام 2006. وأوضح تقرير “إيكونوميست” أن 22 دولة فقط تضم 430 مليون شخص، تعتبر “ديمقراطيات كاملة”، وفي الوقت نفسه لا يزال أكثر من ثلث سكان العالم يعيشون تحت الحكم الاستبدادي. تراجع الصينوالهند لاضطهاد المسلمين ويؤكد التقرير حدوث انخفاض حاد في الحريات الديمقراطية في الصين بسبب التمييز الديني واضطهاد الأقليات المسلمة في منطقة شينجيانغ الغربية وغيرها من انتهاكات الحريات المدنية، مثل المراقبة الرقمية، ما أسهم في انخفاض درجة البلاد من 3.32 إلى 2.26. كما تراجعت الهند، أكبر ديمقراطية في العالم، عن تصنيفات وحدة EIU بعد أن قامت الحكومة القومية الهندوسية بتجريد منطقة جامو وكشمير ذات الغالبية المسلمة من حكمها في أغسطس. وأيضا قرار ولاية “آسام” الهندية باستبعاد ما يقرب من مليوني شخص، معظمهم من المسلمين، من عدد المواطنين الأصليين، وسحب الجنسية منهم، ما أسهم أيضًا في انخفاض مؤشر الديمقراطية في الهند. وكان البرلمان الهندي قد أقر، في ديسمبر 2019، تعديل قانون المواطنة التمييزي واستبعاد المسلمين في ولاية “آسام” ما اعتبره التقرير تراجعًا للديمقراطية في الهند سيستمر في مؤشر 2020. تراجع عام في الديمقراطية ويقول التقرير، “في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تم تصنيف نصف الحكومات ال44 المدرجة في المؤشر على أنها استبدادية، حيث شهدت 23 دولة انخفاض درجات الديمقراطية فيها، في حين أن 11 دولة فقط قد تحسنت”. يمكن أن يُعزى السبب في تدهور المنطقة جزئيا إلى الانتخابات غير الديمقراطية، مثل الانتخابات الرئاسية السنغالية في فبراير 2019، والتي مُنع فيها منافسو “ماكي سال”، الرئيس الحالي، من الترشح. وأنه حتى الديمقراطيات الكاملة لم تكن محصنة ضد التراجع، فبعد اكتشاف صلات مزعومة بين شخصيات حكومية بارزة في مالطا ومقتل دافني كاروانا جاليزيا، أعلن الناشط والصحفي المناهض للفساد، جوزيف مسقط، رئيس الوزراء، استقالته. وكانت هذه الأزمة السياسية كافية لخفض رتبة مالطا الصغيرة إلى فئة “الديمقراطية المعيبة” في تقرير EIU. عندما اندلعت احتجاجات سلمية في تشيلي، حول مستويات عدم المساواة العالية في البلاد، استجابت الحكومة بوعودها بزيادة الحد الأدنى للأجور ورفع الضرائب على الأثرياء وعقد استفتاء عام 2020 على دستور جديد، لكن الإصلاحات جاءت بتكلفة في الأرواح، حيث أدت المظاهرات إلى أكثر من 20 حالة وفاة وآلاف الجرحى. هل هناك اختلاف بين 2018 و2019؟ كان التقرير عام 2018 لمؤشر الديمقراطية قد قال، إن “دول الربيع العربي شهدت تغيرات عديدة مع عودة الأنظمة السلطوية في معظم البلدان التي شهدت الأحداث عدا تونس”. وجاءت إسرائيل أيضًا في المركز الأول على مستوى الشرق الأوسط ديمقراطيًّا، رغم تصنيف ديمقراطيتها على أنها “معيبة”، تليها تونس في المركز الثاني، والمغرب في المركز الثالث، تليها لبنان ثم فلسطين والأردن والجزائر، وبعدهم مصر في المركز 127 عالميًّا. وتحدث تقرير 2018 عن تحسن في الأوضاع الديمقراطية على الصعيد العالمي، على عكس تقرير 2019 الذي يتحدث عن تراجع عام في العالم، وأكد أن الشرق الأوسط “ظل يرزح تحت الاستبداد أو الديمقراطيات الشكلية”. تخلف ديمقراطي بعد إجهاض الربيع العربي وبحسب التقرير السابق، لم تحظ غالبية الدول العربية بمراتب مشرّفة في قائمة مؤشر الديمقراطية لعام 2018؛ بسبب إجهاض الربيع العربي على أيدي سلطات قمعية، بعد الأمل الذي حمله الربيع العربي وأجهضته الثورة المضادة. ولم يختلف الرقم الذي حصلت عليه منطقة الشرق الأوسط (المنطقة العربية) في مؤشر عام 2018 عن ذاك الذي حققته عام 2017 وهو 3.54، وهو أضعف أرقام المناطق الجغرافية الواردة في التقرير، والذي جاءت على رأسه منطقة أمريكا الشمالية بمعدل 8.56. ويعود هذا التصنيف تحديدًا لغلبة الدول المصنفة على أنها “شمولية وسلطوية” في المنطقة، بواقع 14 من أصل 20 دولة، وهو أعلى رقم بين المناطق الجغرافية قياسا لعدد الدول المشكّلة لها، علما أن المنطقة ضمت إسرائيل، حسب المؤشر، واستثنت بعض الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية كموريتانيا، التي جاءت ضمن منطقة إفريقيا جنوب الصحراء. ويطرح استمرار تراجع غالبية الدول العربية على هذا المؤشر عدة تساؤلات، عن أسباب غياب الديمقراطية في المنطقة، رغم كل التوقعات الإيجابية، التي حملها الربيع العربي في بداياته، خاصة وأن الأمل الذي تحمله التجربة التونسية تراجع كثيرا في التجربة المصرية عقب انقلاب 2013، وهما الدولتان اللتان قادتا الثورات العربية عام 2011. ويشير مؤشر إيكونوميست إلى أنه لم تأت أي دولة عربية في قائمة الديمقراطيات الكاملة التي اشتملت على 30 دولة عبر العالم، بينما لم توجد في قائمة الديمقراطيات المعيبة، ثاني قوائم التصنيف، سوى تونس التي حلت في المركز 63 عالميا والأول عربيا، وهي الوحيدة عربيًّا التي حلّت في المراتب ال99 الأولى. أما في قائمة “الأنظمة الهجينة” فقد جاءت أربع دول عربية، إذ حل المغرب (الثاني عربيا و100 عالميا)، ثم لبنان (الثالث عربيا و106 عالميا)، ثم فلسطين (الرابع عربيا و109 عالميا) ثم العراق (الخامس عربيا و114 عالميًّا). أما بقية الدول العربية الأخرى، وعلى رأسها مصر، فقد حلّت في قائمة الأنظمة الشمولية، وهو القسم الأكثر سوءا في المؤشر. وكالعادة احتلت الدول الاسكندنافية رأس المؤشر العالمي، وهي على التوالي النرويج ثم إيسلندا ثم السويد، بينما تذيلت كوريا الشمالية الترتيب الإجمالي. ما هو مؤشر ديمقراطية الإيكونوميست؟ مؤشر الديمقراطية هو مؤشر أعدته وحدة الاستخبارات الاقتصادية (تتبع قطاع الأعمال الخاصة) لقياس حالة الديمقراطية في 167 بلدا، منها 166 دولة ذات سيادة و165 عضوًا في الأمم المتحدة. وتستند وحدة الاستخبارات الاقتصادية في مؤشر الديمقراطية على 60 مؤشرًا مجمّعة في خمس فئات مختلفة: العملية الانتخابية والتعددية والحريات المدنية وأداء الحكومة، والمشاركة السياسية والثقافة السياسية. وقُدم هذا المؤشر لأول مرة في عام 2006، كما صنعت له قوائم جديدة في الأعوام 2008 و2010 و2011. ويتم تصنيف الدول حسب ذلك المؤشر إلى ديمقراطيات كاملة، وديمقراطيات معيبة، وأنظمة هجينة وأنظمة سلطوية، وسلط مؤشر الديمقراطية لعام 2011 الضوء على تأثير الربيع العربي والآثار الكبرى التي ترتب عليه. http://www.eiu.com/Handlers/WhitepaperHandler.ashx?fi=Democracy-Index-2019.pdf&mode=wp&campaignid=democracyindex2019