ودعم لمقاومي الانقلاب وثورات الشعوب بمواقف تركية أكثر قوة أكدت شيماء بهاء الدين -الباحثة المتخصصة في العلوم السياسية- أن دلالات نتائج انتخابات البلدية التركية، التي فاز فيها حزب العدالة والتنمية بنسبة 45% بعد فرز 97% من الأصوات، تتعدد بالنسبة للثائرين عامة، والإسلاميين خاصة؛ فقد أكدت تلك النتائج أن إرادات وأصوات الشعوب يصعب أن يعلوها صوت آخر، وأن الشعب التركي عانى كثيرًا ويلات حكم العسكر من قمع وفساد وكذلك اضطهاد الأفكار العلمانية المحضة معتقداته وهويته، وعليه فقد برهن عبر تصويته للعدالة والتنمية عن تمسكه بالخيار المتوافق مع هويته، وإن كان حزب العدالة والتنمية لا يعلن هوية إسلامية واضحة نظرا للقوانين العلمانية، تلك الهوية التي لا تقف عند شعارات وإنما وجد الشعب بصماتها ومقاصدها في حياته اليومية من تحسن في وسائل المواصلات ومستوى المعيشة. ذلك النموذج التركي الذي قدم عبر 14 عامًا ما جعل العديد من الأطراف تخشى تكرار النموذج في دول الثورات العربية، فعلى سبيل المثال قطع الطريق على النموذج المصري عبر الانقلاب على المؤسسات المنتخبة.
وأضافت في تصريح خاص ل"الحرية والعدالة" موضحة أنه من المعروف الموقف التركي الثابت بشأن رفض الاعتراف بالانقلاب، حتى أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قد صرح بأنه لن يعترف بأي نتيجة لانتخابات تجرى في ظل الانقلاب العسكري، وبالتالي لم تدخر وسائل إعلام الانقلاب في مصر إلى جانب وسائل إعلام خليجية جهدا في تشويه حكومة أردوغان رغبة في إسقاط الشخص والنموذج في الآن ذاته. ومن ثم، فإن تلك النتائج الإيجابية التي حققها حزب العدالة والتنمية لا تشتهيها سفن الانقلاب وداعميها، ما جعل وسائل إعلامهم بادية التخبط في تغطية النتائج، وكأنها لا تريد الاعتراف بما تأكد بالأرقام، تلك الأرقام التي كذبتها أيضًا فيما فاز فيه الإسلاميون من استحقاقات في مصر.
وترى "بهاء الدين" أنه على جانب آخر، فإن أردوغان قد رفع علامة رابعة عقب الانتخابات معلنًا انتصار الشعوب في مصر وفلسطين والبلقان، وكأنه يريد أن يقول إن هذه النتائج ستكون بداية جديدة تؤكد دعم الشعوب الساعية للحرية ربما تشهد مواقف تركية أكثر قوة. وبالتالي، فإن تلك النتائج تصب في صالح الثورة السورية والمعروف مساندة الحكومة التركية لها، وربما تتجه الحكومة التركية إلى مزيد من الضغط على الأطراف الغربية للتحرك بشكل أكثر جدية لمواجهة نظام الأسد الدموي، والذي هدأت الانتقادات له مؤخرًا.
أيضًا يمثل فوز العدالة والتنمية دعمًا للقضية الفلسطينية التي تخلى عنها كثيرون خاصة مع الانقلاب العسكري في مصر، وإسماعيل هنية رئيس الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة كان أول من هنأ أردوغان بنتائج الانتخابات، إدراكًا منه لمحورية الدور التركي في القضية الفلسطينية ومقاومة حصار غزة. والأمر نفسه بالنسبة للعديد من الأقليات المسلمة التي تهتم تركيا بشأنها في الدول الأسيوية لأسباب يتداخل فيها الثقافي بالاستراتيجي فيما تغيب عن أولوياتنا نحن!
وأكدت "بهاء الدين" في المحصلة أن نتائج تلك الانتخابات تدعم معنويًا مقاومي الانقلاب في لحظة فارقة يعلن فيها قائد الانقلاب ترشحه لبطولة تمثيلية انتخابية غير شرعية، وكذلك لكل راغبي العيش بكرامة، ولتعطي هذه النتائج في تركيا والمظاهرات الصامدة في مصر درسًا لمن يعتقد أنه يمكنه كسر إرادة الشعوب، وإن ضلل البعض بعض الوقت. ونبهت "بهاء الدين" إلى أن الحالة التركية لا بد أن تكون نموذجًا يعيه مقاومو الانقلاب من عدة أوجه، فقد تمكن الساسة من ذوي المرجعية الإسلامية من مواجهة التحديات وإعادة بناء الذات أكثر من مرة مع تكرار الانقلابات، فأدركوا أهمية عنصري الاقتصاد والإعلام. وقبل ذلك فقد أصر الشعب على خياراته وأعاد اختيار من رآهم أقرب إلى هويته. لكن الفرق الذي يجب الالتفات إليه أنه إذا كان ممكنًا في الحالة التركية مقاومة الانقلاب عبر المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية الجديدة والتي لا يمكن تزويرها نظرًا للعين الغربية شديدة المراقبة لها، فإن الأمر يختلف في الحالة المصرية التي اعتادت فيها قوى الانقلاب تزوير الاستحقاقات منذ ما قبل ثورة 25 يناير 2011، وبالتالي فإن سبيلنا للمقاومة يختلف. وأشارت "بهاء الدين" إلى أنه مما يجب الالتفات إليه أيضًا أن نتائج الانتخابات البلدية في تركيا أكدت محورية دور المرأة المنتمية لمرجعيتها الإسلامية، إذ فازت امرأة محجبة برئاسة إحدى البلديات، حيث فازت فاطمة تورو بإحدى بلديات قونية المشهورة بتدينها، ومن المعروف ما عانته المرأة المحجبة في تركيا حتى وقت قريب جراء تصلب الأفكار العلمانية. ذلك بالتوازي مع ما تحققه المرأة المصرية المقاومة للانقلاب في مصر يوما بعد يوم رغم ما تواجه من صعوبات جمّة، وكأنها على ثقة بأنها ستحقق ما تريد يوما.