تركيا.. الجيش يلعق جراحه مازن حماد لأول مرة يقف الجيش عاجزاً أمام نتائج الديمقراطية في تركيا، ولأول مرة يعود حزب حاكم إلى الحكم بالحصة الانتخابية الأكبر. ولعل المفارقة الأهم أن حزب العدالة والتنمية ذا الجذور الإسلامية ما كان ليدعو إلى الانتخابات المبكرة لولا ضغوط العسكر الذين هددوا رئيس الوزراء وزعيم الحزب رجب طيب أردوغان بالانقلاب عليه إذا لم يَدْعُ إلى إجرائها قبل أربعة شهور من موعدها المقرر. لقد بلغ انتصار أردوغان حجماً أكد شرعية حكمه محلياً ودولياً مما وضعه في موقع قوي وترك الجيش يلعق جراحه ويفقد أوراق التصدي لنتيجة انتخابية سعى بنفسه إليها. وبلغ انتصاره حجماً يمكن حزبه من الحكم منفرداً بعد أن حصل على «341» مقعداً في البرلمان المشكل من «550» مقعداً. ورغم تعهد أردوغان في خطاب الفوز بالحفاظ على تقاليد البلاد العلمانية وعلى الديمقراطية والوحدة الوطنية، فإن جهوده خلال السنوات الخمس الأخيرة لتحريم الدعارة وتعيينه بعض الشخصيات الإسلامية في مراكز مهمة، ودعوته إلى إزالة القيود المفروضة على ارتداء الحجاب أثارت قلق «حراس العلمانية» الذين تعهدوا بالتصدي لما وصفوه أجندة حزب أردوغان الإسلامية. في مايو الماضي تخلى عبدالله غول وزير الخارجية وحليف أردوغان عن فوزه برئاسة الدولة في اقتراع برلماني، بعد أن أصر العسكر بأن ترؤسه الدولة سيزيل آخر عقبة أمام استيلاء الإسلاميين على الحكومة، وهدد الجيش كلاً من غول وأردوغان المتزوجين من سيدتين محجبتين بالتدخل لحماية العلمانية التي أرساها مصطفى أتاتورك بعد انهيار الامبراطورية العثمانية. على ضوء ذلك تقررت الانتخابات المبكرة لكسر التأزم بشأن حزمة من التعديلات الدستورية، من بينها اقتراح بانتخاب رئيس الدولة بالاقتراع المباشر وليس عن طريق البرلمان. ضغط الجيش على حزب العدالة والتنمية بكل الطرق الممكنة، ونظم مظاهرات علمانية ضخمة في استعراض للقوة جعل الكثيرين يعتقدون أنه إذا جرت الانتخابات قبل موعدها، سيخسر الحزب، وستفوز الأحزاب العلمانية، وعلى الأخص حزب الشعب الجمهوري الذي لم يحصل إلا على «112» مقعداً، فيما حصل حزب العمل القومي على «70» مقعداً، لكن انتصار الحزب ذي التوجهات الإسلامية المعتدلة جاء كاسحاً وبمشاركة انتخابية بلغت «80%» وبمراقبة أوروبية كاملة. عاشت الديمقراطية التركية يوم الأحد أهم امتحاناتها في الخمسين سنة الأخيرة، وتمكنت الهوية الإسلامية من فرض نفسها على الدولة التركية عن طريق صناديق الاقتراع. وإذا كان هناك من يؤمن بأن نجاح العدالة والتنمية برهان على إمكانية التعايش بين الإسلام والديمقراطية، فإن هناك من يعتقد بأن أردوغان وحلفاءه يتآمرون لشطب التقاليد العلمانية رغم انفتاحهم «الصوري» على الغرب. لعب أردوغان أوراقه بحنكة، وفي عهده قطعت تركيا شوطاً كبيراً من التقدم بعد عقود من الفوضى الاقتصادية والسياسية، وانخفض التضخم وزاد الاستثمار الأجنبي وارتفعت نسبة النمو الاقتصادي إلى سبعة بالمائة. ورغم الانتصار الكبير الذي خطفه حزب أردوغان تحت أنظار الجيش، يخشى البعض من أن تؤدي نتيجة الانتخابات إلى تعميق الانقسامات التركية، ليس فقط بسبب ورقة التهديد العسكري بالانقلاب على «الإسلاميين»، ولكن جراء مجموعة أزمات، بينها أزمة انتخاب رئيس الجمهورية، والضغوط العسكرية لغزو شمال العراق، واجتثاث «الخطر الكردي»، ناهيك عن علاقات أنقرة السيئة مع واشنطن بسبب الحالة العراقية والشلل الذي أصاب جهود تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. عن صحيفة الوطن القطرية 24/7/2007