في الوقت الذي تزدحم فيه قنوات إعلام الانقلاب بالأغاني والبرامج احتفالًا ب"عيد الأم" تزدحم على الجانب الآخر البيوت المصرية بالأمهات المكلومات، اللاتي وجه إليهن الانقلاب العسكري سهامه المسمومة فقسَّمهن ما بين أم لشهيد أخرى لمعتقل وثالثة لمصاب يؤكد جميعهن أنهن يملكن سلاحا أقوى مما يملكه الانقلابيون وهو الصبر والاحتساب والدعاء وغرس قيم الإصرار والعزيمة في باقي الأبناء. "الحرية والعدالة" تحدثت لعدد من الأمهات اللاتي اعتقل الانقلاب الدموي أحد أبنائهن فكانت السطور التالية:- اختبار من الله في البداية تحدثنا إلى والدة الطالب الأزهري المعتقل عاصم ياسين والمحكوم عليه بالسجن 17 عاما والتي لم تستطع إخفاء مشاعر الحزن الشديد على فراق ولدها المعتقل ولكنها في الوقت نفسه تؤكد ثبتها ويقينها في عدالة الله -عز وجل- الذي وعد بنصرة المظلوم ولو بعد حين. وتؤكد أم عاصم أنها تدرك أن بلائها في اعتقال ولدها هو اختبار من الله وأن الله يختار عباده الذين يحبهم فيبتليهم، مشيرة أنه على الرغم من ضخامة الابتلاء إلا أن الله يمنحها الصبر والعزيمة واليقين بخروجه من سجون الانقلابيين. أم عاصم: ندفع فاتورة تربية أبنائنا على رفض الظلم ونصرة الحق وقالت أم عاصم إن الانقلابيين لا يكتفون بما يرتكبونه من جرائم بشعة تتمثل في اختطاف الأبناء من آبائهم وإصابة أمهاتهم بحسرة وألم نفسي شديد وإنما نجدهم يتفنون بعد اعتقالهم في وسائل إذلال ومعاناة آبائهم من حيث الممارسات غير الإنسانية والتي تتمثل في طول الانتظار أثناء الزيارة والتي تزيد عن ست ساعات دون رأفة بكبر سنهم أو عدم قدرتهم على تحمل الوقوف أو الجلوس وقت طويل في سوء الأحوال الجوية. وأضافت الأم الصابرة أنها ربت ابنها على رفض الظلم والإصرار على مواجهته، وأنها حرصت منذ نعومة أظافره على أن يحفظ كتاب الله ويتقنه ويتعلم العلوم الدينية في جامعة الأزهر لتكون حصنًا له، ومن ثم هي تشعر بالارتياح لأن ولدها في السجون بسبب نصرته للحق ورفضه للظلم وليس لكونه ارتكب جرمًا أغضب به الله وهو ما ترى أنه يجب أن يكون من دواعي فخر واعتزاز كل أم أن يضحي ولدها من أجل نصرة الحق. ووجهت أم عاصم رسالة لكل أمهات المعتقلين بأن يصبروا ويحتسبوا ولا يملوا الدعاء وألا يفقدوا يقينهم بالله عز وجل مهما طال الظلم عليهم أن يدركوا أن الله اختارهم بهذا الابتلاء لأنهم من أهل العزم حيث قالت على قدر أهل العزم تؤتى الشدائد. جيل مختلف "حسبنا الله ونعم الوكيل" بهذا الدعاء بدأت السيدة فاطمة والدة المعتقل عبد الحليم محمد عبد الحليم "20 عامًا" حيث قالت إنه منذ اعتقال الانقلابيين لولدها في أول أيام محاكمة الرئيس مرسى لم تجف دموعها ولم تهنأ بطعم الراحة، مؤكدة أن ولدها المعتقل كان الأكثر برًا بها ولا يوجد من أبنائها من يحل محله؛ حيث إن أخاه الآخر معاق ولا يملك من أمره شيئًا. واستكملت الأم حديثها بصوت امتزج بالبكاء أن ولدها المعتقل لم يسبق له أن أغضبها وإنما كان حريصًا دائمًا على رضاها طمعًا في رضا الله –عز وجل- عليه؛ حيث كان حافظًا لكتاب الله كثير التلاوة له وكان دائمًا ما يطلب منها أن تراجع له ما حفظه وإذا ما أخطأ في كلمة واحدة كان يحزن كثيرًا، مؤكدة حرصه على اختيار مشايخه بعناية شديدة حتى يتعلم كتاب الله من أهل الثقة. وعلى المستوي الإنساني تؤكد أم عبد الحليم أنه كان بارًا وبأهلها وأهل والده، وكان دائمًا أول المبادرين بالصلح إذا حدث أي خلاف بسيط بين العائلتين، مؤكدة أنه كان شخصية محبوبة من الجميع ومن مدرسيه وأساتذته حيث كان لا يختلف عليه اثنان في خلقه العالي.
أم عبد الحليم: التضرع إلى الله أقوى سلاح أملكه ضد الانقلابيين واستكملت أنها بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو كان كثيرة الخوف عليه وكانت دائمًا تسعى لمنعه من الخروج في المسيرات خشية أن يصيبه مكروه، ولكنه كان دائمًا يتحدث معها بكل لين، بأن ما يفعله هو واجب وطني ضد المغتصبين الذين لا يريدون بمصر خيرًا وإنما يريدون لها ولأهلها أن يستمروا عبيدًا للظالمين من العسكر، وكان من كلماته التي يرددها دائمًا "إننا جيل مختلف لم نرض بالظلم والهوان مهما كلفنا ذلك".
لافتة إلى أنها لا تزال تلمس فيه هذه الحالة من الإصرار والثبات داخل السجن كلما ترددت عليه في الزيارات المختلفة؛ حيث تقول إنها بالرغم من سوء أحوال السجن من حيث ضيق المكان وحبسه مع الجنائيين إلا أنه في كل مرة تقابله فيها يؤكد لها صبره ويكون أبلغ همه هو أن يطمئنها عليه وعلى أحواله حتى لا يتسبب في أي ألم نفسي. وتضيف الأم أنها لا تملك أي سلاح تواجه به من حرموها من ولدها الوحيد وسعوا في ضياع مستقبله سوى الدعاء والتضرع لله بأن ينتقم منهم ويشفي صدور كل الآباء والأمهات الذين حرمهم الانقلاب من أبنائهم، مؤكدة أنها على يقين بأن الله -جلّ شأنه- سيستجيب لها ويرفع الظلم عنها وغيرها من آلاف الأمهات عما قريب إن شاء الله. زوال الغمة وبصوت يملؤه الألم قالت أم محمد -وهو معتقل منذ سبعة شهور- إنه على الرغم مما أعانيه من ألم وشعور بالحسرة على فراق والدي، إلا أنه عندما أقارن حالي بحال أمهات الشهداء والمصابين أشعر بأنني أفضل حالًا وأن الله اختارني بابتلاء أخف وطأة منهن، واستكملت حديثها بعد ترديدها لدعاء "حسبنا الله ونعم الوكيل" أن محمد كان أكثر أبنائها الخمسة طاعة لها وبرًا بها، حيث تقول لم يسبق له وأن رفض لي طلبا، فضلًا عن خلقه وتدينه حيث لم يفته يومًا صلاة الفجر التي كانت يوميًا يتبعها بقراءة خمسة أجزاء من القرآن الذي يحفظه منذ صغره. وأشارت أن أكثر ما يخفف عنها ألم فراقه هو يوم زيارته وهو كل سبت من كل أسبوع حيث تجده ثابتا ومحتسبا، فضلا عن أنني أتقابل مع العديد من أمهات المعتقلين اللاتي أجدهن أكثر مني ثباتًا ويقينًا في زوال هذه الغمة، وهو ما يشد أزري ويخفف من حزني بقية الأسبوع حتى حلول الموعد الثاني للزيارة. أم محمد: ثبات ابني يزدني يقينًا باقتراب موعد النصر وقالت إن من أكثر ما يحزنني هو ما أجده في وجوه بعض من مؤيدي الانقلاب في العمل من استخفاف بمشاعر وآلام أهالي المعتقلين والشهداء،حيث أسهم الإعلام في تضليلهم وصور لهم أنهم إرهابيون إلى الحد الذي كذبوا فيه أبصارهم وقلوبهم وصدقوا الانقلابيين وافتراءاتهم، ولكنني على يقين أنها محنة وستنتهي عما قريب وستحتفل كل أم لمعتقل بحرية أبنائها.