· نحن نستمد الثبات والصمود من شريف وإخوانه المعتقلين الشرفاء عند زيارتهم. · سنواصل النضال السلمى حتى كسر الانقلاب وعودة الشرعية والكرامة للوطن. · ظللنا 15 يومًا لا نعرف مكان شريف حتى علمنا أنه بسجن وادى النطرون. · نقطع أنا ووالدته وزوجته وأبناؤه 300 كم لزيارة تستغرق 10 دقائق فقط! · زرت شريف أول مرتين بمفردى حتى آخذ صدمة اللقاء الأول (لوحدى). · شريف وجميع المعتقلين رفضوا المثول أمام النيابة لعدم اعترافهم بشرعيتها. · خدمت بالجيش من 68 وحتى نصر أكتوبر 73 وحزين لما وصل له الحال الآن. · أدعو الله أن يرفع عنا الغمة وترى بلادنا النور بزوال حكم الظلم والاستبداد. بدأت الحكاية يوم الجمعة الموافق السادس عشر من أغسطس الماضى وبعد يومين فقط من مجزرة الفض الوحشى لاعتصام ميدانى رابعة العدوية والنهضة والتى ارتكبتها ميليشيات الانقلاب العسكرى الغاشم وخلفت آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين، حيث خرجت مظاهرات هادرة فى ذلك اليوم احتجاجا على تلك المذبحة الوحشية فى حق المعتصمين السلميين، وتوجهت إحداها إلى ميدان رمسيس، إلا أن ميليشيات الانقلاب العسكرى الدموى استقبلت المتظاهرين بوابل من طلقات الرصاص الحى والغاز ليسقط مزيد من الشهداء والمصابين، ثم حاصرت ميليشيات الجيش والشرطة المتظاهرين السلميين وأحكمت الخناق عليهم، حتى هرعوا إلى مسجد الفتح ليحتموا داخله من هذا الجحيم، إلا أن العسكر المدججين بالسلاح لم يراعوا حُرمة المسجد الذى طالته أيضًا طلقات الرصاص وقنابل الغاز!! وظلوا محاصرين للمسجد حتى اليوم التالى إلى أن اقتحموه بوحشية واعتقلوا كل من كان بداخله من أطفال ونساء وشيوخ ورجال من مختلف الأعمار والمهن. وكان الإعلامى شريف منصور –مقدم البرامج بقناة "أحرار 25"- من ضمن المعتقلين فى هذا اليوم حيث وجد فى الميدان لتغطية الأحداث بحكم عمله وكان معه عدد من الزملاء والزميلات الإعلاميين الذين لم يتوانوا عن نقل حقيقة ما يحدث من داخل مسجد الفتح وخارجه على الهواء مباشرة ليشهد العالم كله على مزيد من جرائم الانقلابيين الدموييين. "الحرية والعدالة" حرصت على إحراء حوار مع الحاج أحمد منصور مهندس زراعى، والد الإعلامى شريف منصور والذى ما زال معتقلًا من عصر يوم السبت 17 أغسطس الماضى وحتى الآن فى سجون الانقلاب الدموى، وقد أكد والده رفضه المثول هو ورفاقه الشرفاء أمام النيابة لعدم اعترافهم بشرعيتها.. وإلى تفاصيل الحوار: فى البداية.. حدثنا عن شريف ابنك من الناحية الإنسانية والمهنية؟ عندى شريف ومحمد.. شريف هو ابنى الأكبر متزوج ولديه ثلاثة أبناء؛ سما أولى إعدادى، أحمد رابعة ابتدائى، وحنين أولى ابتدائى، وهو خريج إعلام وتنقل بين العديد من الصحف والقنوات الفضائية إلى أن استقر به المقام فى قناة "مصر 25" والتى أغلقها الانقلاب وانطلقت فيما بعد تحت مسمى "أحرار 25" حيث اجتاز اختبارات القبول بكفاءة عالية شهد بها الجميع، كما يشهد له أيضًا كل من يعرفه ويتعامل معه بدماثة الخلق والصدق والأمانة والجدية وحب العمل، وقد اختار شريف مهنة الإعلام لأهميتها وتأثيرها الفعال فى تكوين الآراء وتبنى الاتجاهات وصناعة الكوادر والنماذج. بل نشر الحق ليعرف الناس الباطل الذى نراه الآن من قنوات الكذب والتضليل التى تقلب الحقائق وتجعل من الشرفاء مجرمين، ومن المجرمين شرفاء. وبالفعل يعتبر شريف عمله فى مجال الإعلام رسالة سامية أكثر منها مهنة يتكسب منها فقط. كيف تلقيتم أنباء محاصرة ميليشيات الانقلاب لشريف داخل مسجد الفتح هو ومئات المتظاهرين السلميين؟ كنا نتابع كملايين المصريين أحداث يوم الجمعة 16 أغسطس عبر شاشات التلفاز من خلال القنوات النزيهة التى تعرض الحقيقة، وعلمنا حينئًذ أن شريف محاصر داخل المسجد وظللنا نطمئن عليه وعلى من معه طوال الليل، فلم نذق أنا ووالدته وأخوه وزوجته وأبناؤه طعم النوم فى تلك الليلة وانشغل كل منا بالصلاة والدعاء بأن ينجيهم الله جميعًا من بين براثن هؤلاء المجرمين، وفى عصر اليوم التالى 17 أغسطس علمنا بنبأ اقتحام المسجد واعتقال كل من كانوا بداخله ومنهم ابنى شريف. وماذا حدث بعدما تأكدتم من خبر اعتقال شريف؟ أولًا حمدت الله عز وجل أن ابنى خرج على قدميه من المسجد ولم يصبه سوء، وبعد ذلك انقطعت أخباره تمامًا وبدأنا رحلة البحث عنه لعلنا نعرف مكان محبسه حتى نتمكن من زيارته والإطمئنان عليه، ولكن باءت محاولاتنا بالفشل واستمر الحال هكذا لمدة أسبوعين إلى أن اتصلت بنا إحدى الأخوات ممن كانت معتقلة هى وزوجها مع ابنى شريف وأخبرتنا أنه فى سجن وادى النطرون بعدما نقلوه من ليمان طره. ثم بدأنا رحلة جديدة من العذاب لاستخراج تصاريح النيابة بالزيارة، وقد قررت أن أذهب منفردًا لزيارة شريف أول مرة حتى أتلقى صدمة رؤيته وحدى، وفضلت ألا أعرض أمه وزوجته وصغاره لهذا فى بادئ الأمر، وقد سافرت بالفعل من محافظة الشرقية إلى سجن وادى النطرون ورأيت ابنى الإعلامى المحترم فى حالةٍ يُرثى لها وفى وضع لا يمكن أن يتحمله أى أب، فقد حلقوا له شعره هو وإخوانه المعتقلون وأمروهم جميعًا أن يجلسوا القرفصاء بمجرد دخولنا إمعانًا فى إذلالهم أمام ذويهم. ما شعورك عند رؤية ابنك فى هذا المشهد وماذا دار بينكما من حديث فى اللقاء الأول؟ بالطبع حاولت أن أتجلد وتحاملت على نفسى بقدر المستطاع حتى لا أزيد من ألم اللقاء الأول، وحاولت أن أستغل دقائق الزيارة الخاطفة فى الاطمئنان على ابنى الحبيب ومعرفة طلباته حتى أحضرها له فى الزيارة القادمة، ولأن شريف ابنى مقلٌ فى الكلام دائمًا ولم يرهقنى بطلباته منذ صغره، فقد سألت من حولى عما يمكن أن يحتاجه فى السجن فعلمت أنه يريد (بطانية) كى ينام عليها لأنه كان ينام على الأرض الصلبة منذ حبسه، وبالفعل عندما أحضرتها معى فى الزيارة التالية شكرنى للغاية. متى كانت الزيارة التالية ومتى رأته أمه وزوجته؟ وكيف كان وقع الزيارة عليهما؟ زرته مرة ثانية بعد مرور أسبوعين على الزيارة الأولى وما زادنى إلا قوةً وصمودًا، وفى الزيارة الثالثة اصطحبت معى والدته وأخاه وزوجته وأولاده، وكان وقع رؤيته عليهم محزنا ومؤلما بالطبع، ولكننا جميعا نؤمن بأن شريف له من اسمه نصيب فهو ومن معه من الشرفاء والأطهار من أطباء ومهندسين وأساتذة جامعة على قدر عال من الخلق والاحترام، وهذا ما يحزننا أن نرى الأحرار خلف الأسوار بينما يعيث الظالمون والمجرمون فى الأرض الفساد وليس أى شيء آخر. وخلال الدقائق التى يُسمح لنا فيها بالزيارة وهى لا تتعدى 10 دقائق يأخذ كل منا نصيبه منها فيسكن لهفة أمه وأخيه عليه ويطمئن قلب زوجته، ويشبع عينيه برؤية صغاره ويصبرنا بكلمات عابرة مثل أنا بخير والحمد لله، حتى تنطلق الصافرة لتعلن انتهاء وقت الزيارة فنهم جميعًا بالانصراف، ويودعنا شريف ونحن نحاول عبثًا أن نخلص منه أيدى صغاره (المتشعلقين) فى رقبته. كيف قضى أولاد شريف الصغار الثلاثة أشهر الماضية منذ اعتقال والدهم؟ بالطبع تأثر أحفادى بما حدث لوالدهم، فنحن لم نخبرهم بخبر اعتقاله ولكن اضطررنا إلى أن نعلمهم بعدما ظل سؤالهم عنه لا ينقطع، وخاصًة عندما جاء ابنه الأكبر من المدرسة حزينًا لأن أصحابه أخبروه أن الشرطة قبضت على أبيه وأنهم أخذوه فى (عربية البوليس)، فبدأت أفهم أحفادى أن أباهم من المصريين الشرفاء الذين يخشون الله ويصدحون بالحق ولا يخافون فى سبيل ذلك لومة لائم، وأنه مقبوض عليه لأنه وقف فى وجه الظلم والطغيان وأنه يدافع عن حرية وطنه وإن سُلبت منه حريته فى المقابل. وفى خلال الأشهر الماضية حاولت أنا وجدتهم وأمهم التى تبذل معهم مجهودًا جبارًا فى التربية والتعليم والإعداد والتنشئة الصالحة، حاولنا بقدر المستطاع أن نتماسك أمامهم وأن نُسرى عنهم فصنعت لهم (مُرجيحة وزُحليقة) بل أشاركهم اللعب أيضًا فى أحيان كثيرة حتى أجنبهم الشعور بافتقادهم والدهم والاستغراق فى الحزن على غيابه والتفكير فيه وحتى لا يقل مستواهم الدراسى المتفوق الذى وصلوا إليه، ولأنهم أطفال أبرياء لا جريرة لهم ولا ذنب اقترفوه غير أن والدهم من شرفاء هذا الوطن أن أصبح هذا ذنبًا فى نظر البعض ممن تشوهت لديه الرؤية وانعدمت البصيرة من مؤيدى الانقلاب الدموى. ما رأيكم فى حال البلاد الآن وماذا تنتظر فى الأيام القادمة؟ حال البلاد لا يسر أحدًا وخاصة حال جيشنا العظيم، فقد خدمت فى الجيش من بعد النكسة منذ عام 68 حتى شاركت فى حرب 73، وقد تعلمنا بالفعل خلال تلك السنوات معانى العزة والإباء والكرامة، أما ما نحن فيه الآن فعكس ذلك تمامًا. فلم يكن أحدٌ يتوقع أن تستدير فوهات المدافع والبنادق لتكون صدور شرفاء هذا الوطن هى أهداف لجيشنا العظيم، وأن ينكل بالوطنيين الأحرار القابعين فى الزنازين بهذا الشكل المخزى. بالطبع أشعر بالحزن والأسى لكل ما حدث وأدعو الله عز وجل ألا يضع أحدًا فى هذا الابتلاء الصعب، وأنتظر فى الأيام المقبلة الخير والبشرى من الله عز وجل، وأمر المؤمن كله له خير والحمد لله، وما يزيدنى قوةً وتماسكًا وأملًا فى نصر الله القريب هو زيارة ابنى الحبيب فى محبسه، فرغم كبر سنى وصعوبة الانتقال عبر الكيلو مترات 300 كم تقريباً أقطعها ذهابًا إلى هناك ثم إياباً إلى منزلى فى الشرقية، إلا أننى أعود وقد أنشرح صدرى وهدأت نفسى، أعود لأجد أمه متماسكًة راضيًة محتسبًة أكثر منى، وأشعر بالسعادة والفخر لأننا نقطف ثمار تربيتنا الصالحة لابننا الشريف الذى جعل الله له من اسمه نصيب وله الحمد والمنة، فوالله هو الذى يثبتنا عند رؤيته ولسنا نحن، وكما يؤكد رفاقه الشرفاء أنه يثبتهم جميعًا بتلاوة القرآن وكثرة الذكر والاستغفار والصلوات والدعاء لله تعالى بأن تنجلى تلك الغُمة عن قريب، حتى تتنفس بلادنا الحرة الأبية الصعداء بعد انكسار الانقلاب العسكرى الدموى وزوال حكم العسكر الذى جثم على صدورنا ونال من خيراتنا على مدار خمسة عقود ماضية وأكثر. وسنظل بعون الله صامدين فى وجه الظلم نربى أحفادنا على ما ربينا عليه أبناءنا حتى يحمل الجيل القادم راية حرية الوطن ونصر الأمة.