في إطار الحملة الهستيرية المسعورة التي تقودها داخلية الانقلاب ضد كل مؤيدي الشرعية والتي تجاوزت كل الخطوط الحمراء، أصبح الأطفال الصغار وطلاب المدارس هدفًا لهؤلاء الانقلابيين دون رحمة بصغر سنهم أو ضآلة أجسادهم طالما كانوا معارضين للانقلاب العسكري. كان اعتقال مليشيات الانقلاب ل60 طالبا من داخل مدرسة "الثورة" الإعدادية بقرية دلجا بمحافظة المنيا في أول أيام الدراسة في النصف الثاني من العام الدراسي -والذين تم إخلاء سبيلهم مؤخرًا- وكذلك اعتقالهم لثلاثة طلاب من قرية فيشا التابعة لمركز منوف في الثالث من مارس الحالي أثناء عودتهم من مسيرة سلمية بشبين الكوم هي أحدث جرائم الانقلابيين ضد الأطفال التي سبقتها سلسلة طويلة من الانتهاكات ضد الأطفال منذ بداية الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو وحتى الآن.
ففي الشهور الثلاثة الأولى للانقلاب العسكري تم اعتقال مئات الأطفال منهم 147 طفلا خلال فض اعتصامي رابعة والنهضة وأحداث الأزبكية ومترو الأنفاق، كما تم اعتقال 15 طالبا في محافظتي سوهاجوقنا، ومع بداية العام الدراسي في 14 سبتمبر الماضي وحتى 23 سبتمبر فقط، تم القبض على 37 طالبا، منهم 9 طلاب في محافظة قنا، و5 في سوهاج، و4 في دمياط، و8 في الإسماعيلية، و9 في المنيا، وواحد في الإسكندرية وواحد في كفر الشيخ، وكانت قائمة التهم الموجهة لهم هي التحريض على العصيان المدني، وقطع الطريق، وتوجيه عبارات مسيئة للقوات المسلحة، وحمل لافتات مكتوب عليها عبارات مناهضة للجيش وحيازة أسلحة ومفرقعات والاعتداء على ضباط الجيش والشرطة.. مع أن الكثير منهم اعتقل داخل مدارسهم!
من جانبه أصدر مركز الشهاب لحقوق الإنسان بيانًا في فبراير الماضي أكد فيه أن عدد الأطفال المعتقلين في سجون الانقلاب يبلغ 500 طفل منهم 150 طفلا في الإسكندرية فقط، وأشار البيان إلى أن ظاهرة القبض على الأطفال الأقل من السن القانونية ظاهرة مستمرة بصورة يومية، وتابع التقرير أن في مصر أصبحنا نتحدث يوميا عن القبض على أطفال ما دون الثامنة عشر من عمرهم وبشكل عشوائي من الشوارع حتى أصبحت الأعداد في زيادة غريبة.
وأضاف البيان أن هؤلاء الأطفال يتم اعتقالهم في ظروف صعبة وتوجه لهم تهم غير واقعية وغير معقولة لأطفال في مثل هذا السن، حيث توجه لهم تهم بحرق أقسام شرطة وسط حراسة الضباط والأمن، وكذلك اتهامهم بالانضمام لجماعة إرهابية وحيازة أسلحة ومفرقعات والعمل على قلب نظام الحكم وترويع الآمنين، بالإضافة إلى اتهام بعضهم بسرقة مدرعة شرطة وقتل ضباط وعساكر وقطع طريق وهم جميعا لم يتعدوا 18عاما من عمرهم، وأشار البيان إلى أن الأطفال المعتقلين يتعرضون للتعذيب في المعتقلات ويحتجزون في ظروف صعبة وأماكن غير آدمية مما يعرض حياتهم للخطر بالمخالفة لقانون الطفل والاتفاقيات الدولية، فيما رصد البيان العديد من الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال من بداية القبض عليهم وتوجيه التهم لهم واحتجازهم مع البالغين والمتهمين بتهم خطيرة، ما يعرض حياتهم للخطر، كما يتم حبسهم في أماكن غير صحية وعدم وجود رعاية صحية رغم وجود أطفال مصابين بأمراض مزمنة ويحتاجون لرعاية صحية من نوع خاص.
جيل ثائر
د: هدى عبد المنعم: استهداف الصغار يؤكد مدى عجز وضعف الانقلابيين أمام هذا الجيل الثائر في البداية أكدت هدى عبد المنعم -عضو التحالف الوطني لدعم الشرعية وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان الشرعي- أن جرائم الانقلابيين ضد الأطفال الذين لم تتجاوز أعمارهم ال18 عاما والتي كان آخرها اعتقال 60 طالبا من إحدى مدارس قرية دلجا بمحافظة المنيا والذين تم إخلاء سبيلهم مؤخرا، قد تجاوزت كل الخطوط الحمراء مشيرة إلى أن وحشية مليشيات الانقلاب لم ترحم صغر سن هؤلاء الصغار حيث تمارس ضدهم أبشع ألوان الانتهاكات والتي تتنوع ما بين إيذاء بدني مبرح وآخر نفسي أكثر قسوة في ظل صمت مخزٍ من المنظمات الحقوقية وعلى رأسها المجلس القومي لحقوق الطفل وغيره من المجالس الحقوقية التي طالما تشدقت بحقوق الطفل والتي ثبت فعليًا أنها لا تجيد سوى المتاجرة بقضاياهم فقط.
معتبرة أن ما يمارسه الانقلابيون ضد هذا الجيل الصغير هو نوع من الهستيريا الجنونية التي تؤكد مدى ضعف هذا الانقلاب الذي يخشى أطفالا صغار لا يملكون سوى التعبير السلمي عن آرائهم الرافضة للانقلاب الدموي.
وقالت "عبد المنعم": إنه على الرغم من حداثة سن هؤلاء الصغار الذي يستهدفهم الانقلابيون إلا أنهم أثبتوا قدرتهم على زلزلة هذا الانقلاب وهؤلاء الانقلابيين، من خلال صمود وثبات غير مسبوق على مواقفهم الرافضة للانقلاب على الرغم من المحاولات المستمرة لإرهابهم وتخويفهم، مؤكدةً أن استمرار استهداف هؤلاء الصغار بجانب أنه تاكيد ضعف هذا الانقلاب فإنه على الجانب الآخر يزيد من حالة الإصرار لدى هذا الجيل الذي تربى على كراهية حكم العسكر، بعدما تفتحت عينه على ثورة بيضاء حالمًا بمستقبل أفضل بعيدًا عن كل ألوان الظلم والاستبداد التي عاشتها الأجيال السابقة في ظل أنظمة عسكرية مستبدة، ومن ثم ترى عبد المنعم أن كل محاولات وممارسات مليشيات الانقلاب ضد هذا الجيل الصغير لن تجدي نفعًا ولن تثنيهم عن تحقيق حلمهم بمستقبل أفضل بعيدًا عن حكم العسكر.
وأضافت أن أطفال وطلاب المدارس بقرية دلجا الباسلة هم نموذج لهذا الجيل الصغير الثائر الذي ترتعد منه فرائص الانقلابيين، مشيرة إلى أنه إن كان تم اعتقال العشرات منهم فهناك المئات والآلاف غيرهم لن تُنسيهم قسوة ما شاهده من هدم لبيوتهم وانتهاك لحرماتهم جرائم العسكر فستظل هذه المشاهد محفورة في أذهانهم وذاكرتهم، وستكون الباعث الدائم في إشعال ثورة هؤلاء الفتيان شباب المستقبل وقادة الأئمة. صراع غير متكافئ
د: رشاد لاشين: العناد الذي يتسم به الأطفال في هذا السن أهم حائط صد أمام كل محاولات ترهيبهم وفي تحليله لخوف الانقلابيين من هذا الجيل الصغير أكد الدكتور رشاد لاشين أستاذ علم النفس التربوي بجامعة الأزهر أن السلطة الانقلابية الراهنة على يقين تام بأن هؤلاء الفتية الصغار هم أول معول هدم لها وذلك لأن قضيتهم التي يواجهون من أجلها هذا الانقلاب الدموي لا تتعلق بالأطماع السياسية أو اقتسام الغنائم؛ ولكن قضيتهم الأولى هي استرداد هذا الوطن من مغتصبيه واسترداد ثورتهم ممن حاولوا الانقلاب عليها وهي أمور يعجز عن شغلهم عنها الانقلابيون، لذلك لجئوا إلى سلاح القمع لإرهابهم، مؤكدًا أن لجوءهم إلى القمع في مواجهة هذا الجيل الصغير إنما ينم عن غباء هذا الانقلاب والذي يعد جنديا من جنود الله عز وجل، مشيرًا إلى أن أبرز ما يتسم به هذا الجيل في السن هو العناد والإصرار وهو ما يمثل حائط صد أمام كل محاولات إرهابهم وتخوفيهم.
وأضاف لاشين أن الصراع بين السلطة الانقلابية بكل ما يمتلكه جهازها الأمني من وسائل قمع ضد هؤلاء الفتية الصغار يبدو للبعض أنه صراع غير متكافئ من حيث القوة ولكنه في حقيقية الأمر أن الطرف الأقوى في هذا الصراع هم هؤلاء الصغار الذين تمكن بإصرارهم وثباتهم في إلقاء قذائف الرعب داخل هؤلاء الانقلابيين.
دولة اللاقانون
أسامة صدقي: انتهاكات الانقلابيين ضد الأطفال المعتقلين تجاوزت كل الخطوط الحمراء فيما أكد أسامة صدقي -الناشط الحقوقي ورئيس رابطة محامين بلا حدود ومحامٍ لعدد من الأطفال المعتقلين- "أن الانقلاب يمارس أبشع صور الانتهاكات الجسدية والنفسية ضد هؤلاء الأطفال الصغار، مشيرًا إلى أن ما يحدث من تحقيقات لهؤلاء لأطفال المعتقلين لا يمكن الحديث عنه في إطار القانون؛ وذلك لأن ما يحدث ضد المعتقلين في مصر بصفة عامة والأطفال بصفة خاصة خارج عن كل أبجديات القانون وأدنى مبادئ الإنسانية.
مؤكدًا أنه من خلال تجربته في مجال الدفاع عن الأطفال المعتقلين وعددهم 30 طفلا يمكنه رصد حجم ما يتعرض له هؤلاء الأطفال من انتهاكات وحشية تشمل الجانبين البدنية من خلال الضرب المبرح والاعتداء عليهم والانتهاكات النفسية وتتمثل في الشتم بأقبح ألوان الشتائم وخاصة الفتيات القاصرات، فضلًا عن محاولات الترهيب والتخويف التي لا تتوقف، مشيرًا إلى أنه بالرغم من وحشية ما يُمارس ضدهم إلا أن ردود أفعال هؤلاء الأبطال الصغار كما يسميهم صدقي تكون هي الأكثر تعبيرًا عن قوتهم وضعف الانقلابيين أمامهم من خلال الصمود في التحقيقات وعدم الاستجابة لكل محاولات الترهيب، مشيرًا إلى أن من الأطفال من يتعمد إثارة حفيظة الانقلابيين من المحققين برفع شارة رابعة غير عابئ برد الفعل الوحشي الذي يتعرض له.
مؤكدًا بأنه بالنظر لهذه المشاهد التي يراها من الأطفال ومدى قوتهم وحماسهم أمام ضعف وخزي الانقلابيين يكون على يقين بأن دحر هذا الانقلاب لن يتحقق إلا على أيدي هؤلاء الصغار شبابًا وفتيان.