شاهدت مؤخرا احدى مبارايات فريق ليفربول على ملعبه انفيلد , والتى سبقتها دقيقة حداد لوفاة احد العاملين بالنادى قبل ايام قليلة .. وقبل هذه الدقيقة , كانت المدرجات اشبه بساحة حربية تموج بالهتاف والتشجيع. ومع انطلاق صافرة الحكم توقف الزمن تقريبا فى الملعب .. مشهد مهيب بحق .. ما يزيد على 43 الف انسان وقفوا صامتين , و22 لاعبا تصلبوا فى امكانهم كما التماثيل , وحتى معلق المباراة اختار الصمت .. اما الحركة الوحيدة فكانت بواسطة الكاميرا التى طافت الوجوه لمدة 60 ثانية كاملة ما ان انتهت حتى انطلق الجميع يعود للصراخ والتشجيع باسم ليفربول. وخلال هذه اللحظات تذكرت آخر (دقيقة) حداد حضرتها فى ملعب القاهرة الدولي وكيف لم تتجاوز 20 ثانية .. وحتى فى اثناء هذه الثوانى المعدودة لا الحكم التزم بالدقيقة الكاملة المعروفة فى كوكب الارض بستين ثانية .. وانشغل الجمهور بالحديث وعدم الاكتراث وربما الهتاف ايضا. ولا اقصد اننا شعب لا يحترم الموت , ولكن ما اذهلنى هو ذلك النظام الهائل فى تعامل الجماهير الانجليزية مع الموقف , وهذا لا يتعلق بالحداد فقط , بل يشمل كل ما يتعلق بمباريات الدورى الانجليزى. دقيقة الحداد تكشف الفارق الهائل بين انجلترا ومصر فى التخطيط لكرة القدم .. ربما لم يفز الانجليز ببطولات عديدة , بل كثيرا ما فشلوا قاريا وعالميا , لكنى اؤكد لكم ان الشعب الانجليزى يعشق لعبته المفضلة ويشجع كل انديته فى مختلف الدرجات ويذهب الى الملاعب ليستمتع باللعبة ويتحول يوم مباريات الدورى الى مهرجان بكل مدينة لتشجيع فريقها الحبيب. واعظم ما فى هؤلاء المشجعين هو وقوفهم خلف فرقهم حتى فى حالة الهزيمة الساحقة والتصفيق للفائز والخاسر معا. هذه الدقيقة قالت اننا لا نعرف معنى كلمة (النظام) .. ولخصت كل مشاكلنا الكروية فى ثوان , وهى غياب النظام فى الملعب وخارجه .. بين اللاعبين والمدربين والاداريين , وحتى الجماهير والنقاد. كيف نقف دقيقة حدادا وجميع ملاعبنا وعلى رأسها ملعب القاهرة بمقاعد مكسورة ودون ارقام .. كيف نعجز عن تنظيم عملية الدخول والخروج من المباراة ونتركها لقوات الامن حتى صار حضور المباريات فى الملعب حكرا على البلطجية والعاطلين ومحترفى التشجيع الذين اعتادوا التشاجر والبهدلة). فى انجلترا , نصف لاعبى المنتخب الانجليزى كان يحضر مباريات الدورى فى صغرهم مع عائلاتهم المكونة من أب وأم وأطفال. وفى مصر , ذهابك للملعب هو مخاطرة بحياتك قد تعرضك لأسوأ انواع الاهانات بدءا من شراء التذاكر وحتى دخول الملعب تحت حراسة فرسان يمتطون الخيل للدفاع عن ارض الملعب , وكأنك فى نظرهم مقاتل مغولى عدو فى جيش الاخ (كاتوبغا). هذا تسبب فى غياب المشجع المحترم عن الذهاب الى الملعب , مما ادى لغياب الوعى فى المدرجات وظاهرة سب الحكام واللاعبين وحتى الجماهير لبعضها البعض دون حياء حتى لو كانت فى مباراة للمنتخب الوطنى! دقيقة الحداد الانجليزية كشفت فشل الكرة المصرية عبر 50 عام فى تنظيم جدول منتظم لمباريات الكأس والدورى وتحديد الصاعد للممتاز : طنطا ام اسوان فى محكمة زنانيرى. دقيقة الحداد قالت اننا لا نلعب كرة قدم ولا نمارس رياضة تسمو بالنفس وكل ما نفعله هو صراع من اجل سب بعضنا البعض ومكايدة الآخرين. هذه الخواطر كلها فاجأتنى اثناء الحداد حتى قاطعها صوت المذيع التلفزيونى معلنا نهاية الحداد لينطلق جمهور ليفربول العظيم فى الصياح باسم فريقه ولأواصل انا متعتى الاثيرة بمشاهدة المباراة , ودعوت بالرحمة والمغفرة للمرحومة (الكرة المصرية) , وقررت ان اقف , ولو بمفردي , دقيقة حداد على روحها.. ولكن بصراحة - كالعادة - لم اصبر لأكثر من 23 ثانية , وهذا لأنى ادمنت الخروج عن النظام!