من حق الأهلي أن يفاوض ما يشاء ، وليس من حق أي ناد أن يعترض ، فهذه هي قواعد اللعبة .. لعبة الاحتراف .. ولعبة الرأسمالية عموما ، والنادي الذي لا يعجبه الحال ، عليه أن يجذب رجال الأعمال القادرين إلى عضويته لكي يستطيع العيش. والأهلي الآن ناد جاذب بمستواه وأمواله وإدارته وجماهيريته ، والأندية الأخرى "طاردة" وفقا للمفهوم الاقتصادي ، وعلى رأسها الزمالك والإسماعيلي ، والمصري أيضا ، والأخير لديه أموال ولكن ليس لديه إدارة ولا استقرار ولا نظام. والفارق بين الأهلي الآن وبين الزمالك والإسماعيلي والاتحاد والمصري - بالنسبة للاعبي الكرة في مصر – هو نفس الفارق بين عقد عمل في دولة خليجية ، وبين عقد عمل في دولة أفريقية مثلا ، ففي عالم الرأسمالية هناك دائما مؤسسات جاذبة للعمالة ، ومؤسسات طاردة ، وهناك دول جاذبة للعقول ، مثل الولاياتالمتحدة وألمانيا وغيرها ، وهناك دول طاردة ، ومن لا تعجبه قواعد اللعبة عليه بالانسحاب ، بدلا من الصراخ والشكوى من الظلم والاضطهاد ومن مؤامرات الأهلي لتدمير الأندية الأخرى. ولنتذكر أن الأهلي لا يستطيع حتى الآن ضم أي لاعب من إنبي أو حرس الحدود مثلا ، لأن مثل هذه الأندية لديها إمكانيات مالية قوية وإدارات مستقرة واعية قادرة على الحفاظ على لاعبيها بالعقود وليس بالشعارات ، ولكن إنبي لم يستطع الإبقاء على عمرو زكي عندما جاءه عرض لوكوموتيف بالشيء الفلاني ، خلاص .. المسألة عرض وطلب. وبدلا من أن تقف أمام معرض سيارات وتشكو من أنك لا تملك ثمن المرسيدس ، عليك أن تفكر أولا في الوسائل التي تجعلك قادرا على "تحويش" ثمن المرسيدس ، بدلا من الشكوى والتذمر ، أو أن تصرف النظر عن الأمر و"تمد لحافك على قد رجليك" وتقنع نفسك أن بإمكانك العيش وتحقيق السعادة بدون مرسيدس!
"ومع ذلك ، ورغم كل ما قيل ، لا يسعني إلى أن أقول "برضه" إن الفلوس مش كل حاجة ، المهم التخطيط ، وأنا شخصيا غير مقتنع مثلا حتى الآن بالصفقات التي عقدها الأهلي ولا حتى بأسماء اللاعبين الذين فاوضهم". وأنا أرى أن نقطة قوة الأهلي الرئيسية ليست في المال وفي رجال الأعمال ، فهناك رجال أعمال في الزمالك ، والنادي طول عمره أغنى ماديا من الأهلي ، وهناك رجال أعمال في بورسعيد بقدر عدد مواطني هذه المحافظة الجميلة ، ولا تقنعوني بأن الإسماعيلية لا يوجد فيها رجال أعمال ، ولكن المشكلة ليست في هؤلاء ، المشكلة في الإدارة والمناخ الجاذب للاستثمار ، الأهلي لديه هذا المناخ ، إدارته تخطيء ، نعم تخطيء ، ولكن المناخ "الاستقراري" هذا محترم ، الاستقرار نعمة يشعر بها اللاعب والمدرب والموظف ، والأهم من هذا أن الإدارة تضع مقابل ذلك شرطا واحدا أمام الجميع وهو العمل بجدية وانضباط ، فعندما أصيب خالد بيبو بالدلع رحل ، وعندما انفلت عيار إبراهيم سعيد رحل ، وعندما هبط مستوى آخرين رحلوا ، هذا هو الاحتراف بمعناه الحقيقي ، بل قل هذا هو مناخ الاستثمار. ومن لا يقدر ولا يملك ، الحل السحري أمامه هو الاعتماد على الناشئين ، واكتشاف المواهب عالية القدر ورخيصة السعر من الأقاليم والنجوع ، وهذه اللعبة جربها الإسماعيلي في مرتين اثنتين فقط : الأولى بجيل بشير عبد الصمد وأيمن رجب وسعفان الصغير وعاطف عبد العزيز ، والثانية بجيل بركات والنحاس والشاطر ، وفي المرتين فاز بالدوري ، ولم يكن أي إسماعيلاوي وقتها يشكو من التحكيم والاضطهاد ، أو ربما لم يكن أحد منهم يفكر وقتها أصلا في هذه الأمور ، لأنها دائما حجج الناس "البليدة" , وخذوها مني حكمة : المدرب الذي يشكو من التحكيم هذا مدرب مفلس ومخادع ، واللاعب الذي يعترض على الحكم لاعب فقير فنيا وبدنيا ، والجمهور الذي يعترض على التحكيم عمال على بطال جمهور مش مركز في الكرة ومتعتها ، لأنه لا يجدها من فريقه! ولعبة الاعتماد على الناشئين والموهوبين التي يجب أن يلجأ إليها غير القادرين من أندية مصر يجيدها تماما نادي غزل المحلة ، فهو ناد تابع لشركة ، والشركة بها عمال ، والعمال البسطاء لا يتحملون أن تشتري إدارة شركتهم لاعبا بمليون جنيه ومدربا براتب شهري 10 آلاف دولار ، لأن العامل ساعتها ها يقول "اشمعنى أنا" ، و"تولع الكورة باللي عايزها"! المنصورة أيضا من أفضل الفرق التي تخرج ناشئين ولاعبين يباعون بأغلى الأسعار إلى أندية القمة ، واسألوا عمرو زكي وعبد الظاهر السقا وتامر عبد الحميد. اللعبة اقتصاد واستثمار ، وألان من لا يملك ثمن الديكودر لا يشاهد المباريات أصلا ، اللعبة جزء من حقيقة الحياة نفسها ، فلا داعي للتذمر والاعتراض ، لأن المعترض على هذه الأمور بيكون شكله وحش قوي بين الناس ، الأفضل أن تعمل وتجتهد ، وتفعل مثلما فعلت كوريا الجنوبية والصين وماليزيا لتعويض الفوارق الرهيبة بينها وبين الاقتصاد الأمريكي بعد الحرب العالمية الثانية ، إلى أن نجحت في قلب الآية ، ووصل النجاح إلى درجة أن الصين حققت فائضا تجاريا في العام الماضي بلغ 102 مليار دولار ، تخيلوا؟!! كما أذكر منذ فترة أنني سمعت حديثا تليفزيونيا للكاتب الأمريكي الشهير توماس فري