منذ أن انطلقت من رحم الحرية إلى أسر الحياة وأنا أبحث عن ملكوت حرّ خارج هذا المسرح العبثىّ المشحون بالاستبداد والاستعباد والفوضى.. حتى امتطيت الحلم يأخذنى حيث طيف الأمل الراقد فى أجفان السكينة.. يدعونى فألبّى مخترقة جدران الواقع بلا قيود.. أمارس حقى فى حرية فطرية محفورة على شريان الحياة.. فهى ليست هبة ولاتفَضّلاً أو منّة من أحد بل حق إلهىّ تكفله آدميتى وإنسانيتى لما للحرية من تأثير على الذات والمجتمع والحياة إذا ماعرفنا ماهيتها ومعناها الحقيقى وتماهينا معها.. فقد اهتم الكثير من الفلاسفة على مدى التاريخ بتعريف مفهوم الحرية.. فمما قاله الفيلسوف البريطانى جون ستيوارت: «الحرية عبارة عن قدرة الإنسان على السعى وراء مصلحته التى يراها بحسب منظوره شريطة ألا تكون مفضية إلى إضرار الآخرين».. والمفكر الألمانى إيمانويل كانط عرفها: «إنها عبارة عن استقلال الإنسان عن أى شىء إلا عن القانون الأخلاقى».. أمّا العلامة رفاعة الطهطاوى فعَرفها بأنها من أصل الفطرة فى قلب الإنسان لا يستطيع أحد أن يسلبه إيّاها فى التضييق عليه أو الحجر أو كتمان الرأى أو النفى من البلاد إلا إذا أخلّ بقانون.. إذن فالحرية تعنى القدرة على النمو والتطور لتحقيق الأفضل وتجاوز كل الحدود التى تقف حائلاً أمام هذا التطور.. كلّ ذلك يجعلنى أتساءل؟ هل نتمتع فعلاً كشعوب وأفراد بما أتاحته لنا الأديان والإنسانية من حرية فى القول والفعل؟ الجواب واضح نستقرأه من خلال مانعانيه من ضيق تنفس بسبب تلوث الهواء الديمقراطى وانتشار ذرات الاستبداد فى هوائنا المحمل بأبخرة الخوف إلا فى ممارسة حريتنا للإضرار ببعضنا البعض.. دون ضوابط ولا أصول.. فمن السهل على البعض إثارة انفعالك و(قرفك) بما تسمعه من (نكت) وقصص خاصة تصل إلى المخادع أحياناً بلا خجل وخاصة فى الطائرات والأتوبيسات والقطارات من خلال (المحمول) وضرب الذوق العام فى عرض الحائط.. أما لو كنت من راكبى (التاكسيات) فحدث ولاحرج.. أغان هابطة إلى القاع وتلوث سمعى.. وأدخنة سجائر وتلوث تنفسى يغير مسارك مباشرة إلى (معهد القلب). أما أهم القصص التى تدور فى مضمار الحرية الشخصية فيذكرنى بها ذلك الحفل الذى دعينا إليه عند فنان صديق بمناسبة عيد ميلاده والذى انتهى فى قسم الشرطة بسبب بلاغ إزعاج للسكان جعلنى أضع إعلان اعتذار عن الإزعاج على مدخل العمارة فى إحدى المرات التى لا تنسى حين طلب منى ابنى السماح له بإقامة حفل تخرجه من الثانوية فى البيت.. ولكى لا أتسبب فى إزعاج أحد ولا أتعرض لبلاغ وشرطة (والعيار اللى مايصيبش يدوش) كما يقال اضطررت إلى أن أضيف إلى الإعلان دعوة لمن يشاء من السكان مشاركتنا أفراحنا.. وكانت ليلة شرها مستطيرا.. فلم أجد لى مقعدًا بين سكان العمارة الذين شاركونا أفراحنا.. وأقسمت ألا أحتفل إلا فى ناد أو قاعة فندق.. وهنا كانت الحيرة.. من ياترى المخطئ؟! صاحب الدعوة أم الجيران؟ أليس من حق الإنسان أن يحتفل فى بيته كما يشاء؟ وأليس من حق الجار أن يتمتع بالراحة والهدوء أيضاً؟ معادلة محيّرة تأخذنى إلى مسرحية (القضية) للطفى الخولى (رحمه الله) والعبارة الشهيرة (أفتح الشباك واللا أقفله؟) مالعمل والكل يريد أن يمارس حريته الشخصية دون الاهتمام بالآخر؟ هل لنا أن نعيد تقييمنا لأنفسنا وممارساتنا فى محاكمة ذواتنا ووضع حريتنا فى ميزان الأخلاق والأصول بما يحافظ على حرية الآخرين وعدم الإضرار بهم أو إزعاجهم..؟ ليتنا نفعل ذلك.. إليك.. عندما تُفقأ عين الشمس وتُطفأ قناديل القمر.. وتفرّ النجوم ويتفجر السحاب غضبا على إيقاع الريح.. أستغيثك.. وأناديك أن أجبنى فمالى سواك مجيب.. عندما تغلق الأبواب فى وجه اللهفة ويجفّ الحب فى فم الظمأ.. ويهجرنى الأحباب ويتنكر الأصحاب وتحتل أشباح الوحدة زوايا الليل.. أستغيثك وأناديك أن أجبنى فمالى سواك حبيب عندما يبتلع الزمن محطات العمر وندرك المحطة الخاتمة ويأتى الشيّالون يحملون حقائب الأعمال لندلف إلى فندق النهاية المفروش بتراب التكوين.. تستبد بى الرهبة وأتقلب بين يدىّ الذعر.. أستغيثك وأناديك أن أجبنى فمالى سواك قريب.. أجبنى يا خير من سئِل وأعظم من أعطى.. يارحمن الدنيا والآخرة.. ياالله.