كم أشعر بالخجل حين تواجهنى ابنتى بأسئلتها المشوبة بالحذر كلما أثار غضبى انعقاد مؤتمر دولى أو زيارة مسؤول كبير أو صغير أو قراءة مقال لمفكر متشدد أو ليبرالى.. أو حينما يستفزنى سرّ. الهرولة وراء المبادرات المشوبة بسوء النية.. حتّى أكاد أرى ألف (لماذا؟) ترتسم على وجهها الملائكىّ تصرخ بصمت.. لماذا أوطاننا هى المترَبص بها على الدوام؟ تُجتز.. وتُجتث وتقبع بين فكىّ كماشة القوى المتناحرة من أجل تحقيق استراتيجيات على حسابنا.. ووضع خطط ونظريات وسيناريوهات مرسومة وأسلحة دمار شامل وبنى تحتية لمفاعلات نووية هدفها التنكيل بنا والنيل من ثرواتنا، يساعدها فى ذلك هشاشة شعب ووطن متأرجح بين استبداد داخلىّ واستباحة خارجية.. وتنظيمات وأحزاب ضائعة بين شهرة ومصالح شخصية.. وبين دماء وعنف لا ينال إلا الأبرياء.. يضاف إليه تشرذمٌ وخدمة أغراض قوى خارجية.. وواقع ملوّث وانزلاق اجتماعى إلى أدنى مظاهر التخلف.. ووطن ممدد على مائدة تشريح يقطّع أوصالا ليباع علنا فى أسواق المال والسياسة.. وضجيج جدليات تدور بين صيحات (هذا عدوّى).. وذاك صديقى لأنه عدو عدوى.. والمضحك أنّ هذا وذاك وأولئك يحمل كلّ منهم (شوكته وسكّينه) لالتهام أوصال ذلك الجسد المحمول على صوانى المؤامرة وجرّد من عباءة حضارة وولاء.. لتنشب ابنتى هنا مخلب سؤالها فى صدر الشجاعة متسائلة.. لماذا لا نصلح أن نكون إلا ردود فعل لأفعال ترتد خرَسا كلما اصطدمت بحاجز خوف؟.. ولماذا لا نكون (كأمريكا وأوروبا ) والشعوب المتحضرة فى التخطيط للمستقبل بما يرتقى بالأمة الى مصاف الأمم المتقدمة ونعطيها ونعطى ما نستحق من حرية وثقة؟ ولماذا تتفوق جمعيات الرفق بالحيوان هناك على جمعيات حقوق الإنسان هنا؟ وماذا نسمى اغتصاب حرياتنا على أيدى بعضنا البعض لتمتد أبصار الفضول مخترقة جدراننا الزجاجية الهشّة لتنفذ الى مخادع خصوصيتنا تنقض على بسمة حب أو كلمة حقّ فتجثم على الأنفاس تكتمها.. تحيلها إلى أمراض ربو وحساسية خوف؟؟.. وكيف نطالب بحقوق اغتُصبت بأيدينا؟ وأخيرا وليس بآخر من أوصلنا يا ترى إلى هاوية درك اجتماعىّ وسياسىّ واقتصادىّ، سالبا منّا حق القرار وتقرير المصير؟! تتركنى ابنتى للصمت دون انتظار جواب.. لأتساءل؟ هل كان الأفضل لو أنجبتها هناك فى إحدى الدول التى وضعتها مع واقعنا على كفىّ مقارنة؟؟ لو كان ذلك فهل كانت ستوجه لى مثل هذه التساؤلات؟؟ إليك.. جمعتك قطرة.. قطرة.. من رحيق العمر أنثره على جسد العشق.. ضممتك طيفا فى ليالى السهد.. بسمة.. صخبا.. همسا يداعب لهفتى لخجلى إليك.. دفاً.. وجعاً.. بلسما.. وحلما بين أجفان الممكن واللاممكن.. اخترتك مدينة فاضلة ودستور عدل.. ملكاً.. آتيك حرّة أجثو عند قدمىّ كبريائك.. طفلة تستند على ركبتىّ حنانك.. آتيك بالأوطان المغتصبة أضعها بين يديك.. تعيد بكارتها.. تعمّد عذريتها بنور الحق.. آتيك لتعلو بى عن فوضى شهوات سوقية.. وضجيج شبق رخيص.. تحملنى بين ذراعيك الحانيتين إلى ما بعد الموت والحياة.. تحطّ بى على تراب الطهر.. والروح والريحان.. تغسلنى بلآلئ عرقك العنبرىّ.. تكفنّى بعباءتك لا بأكفان نفاق.. مسجية على أول الطريق اللامنتهى.. عند بوابة الحقيقة.. تسمعنى همسك المتهادى على وتر الرحيل.. تتوضأ بموجات شوقىّ الحائرة بين بدء وانتهاء.. تصلّى علىّ صلاة الغائب الحاضر الحىّ.. وحيداً تردد تكبيراتك أسراب يمام.. لتدعنى مغيبة فى حلم خلود أتوسد عشقى الأبدى إليك.