■ كم حزنت حين بلغنى خبر انفصال صديقة العمر عن زوجها بعد رحلة أعوام قضتها فى صراع بين تواضعها وخضوعها وبين غروره ونرجسيته المرضية التى تفاقمت أعراضها، لينفض عنه الأصدقاء والأقارب حين أصابتهم شظايا فوقيته.. حين تربع على عرش ملكوت لا مكان فيه إلا لخانع أو مستمع صامت لا مهمة له سوى الإطراء والتصفيق.. لتكون النتيجة تفتيت كيان أسرة وسقوط رجل يعدّ من خيرة المثقفين بين براثن النرجسية المرضية.. واقعة طلاق ليست الأولى وشخصية ليست الوحيدة.. فمن منّا لا يحمل صفات نرجسية وإن كانت بحدود؟ لا تخرج عن الوسطية، متمثلة فى الثقة والاعتزاز بالنفس والحساسية المرهفة والمثالية وحب المديح والإطراء والتميّز دون مبالغة تؤدى إلى نرجسية خبيثة تتمركز حول المصلحة الذاتية وتضخيم الأنا ومشاعر غيرة وحسد وعداء وشكوك وهوس واضطراب وجدانى وانفعالات هستيرية واهتزاز علاقات بالآخرين.. النرجسية كما يعرّفها (فرويد): «هى مرحلة انتقالية لحب الذات، وشذوذ وانحراف نمط مبالغ فيه»، أو كما وصفها البعض هى «تمحور الذات حول نفسها والاستماتة فى تحقيق هدف شخصىّ وليس تحقيق ذات كما أنها نتيجة لعدم الثقة الداخلية بالنفس والشعور بالدونية ينعكس خارجيا على هيئة شعور بالعظمة والغطرسة والتعالى يختلف عن الأنانية التى هى حب الأشياء لقيمتها وليس لقربها من النفس حسب التقدير الشخصى دون مراعاة الآخرين كما هى عند النرجسيين». ■ يسافر بى مصطلح النرجسية على أجنحة أسطورة إغريقية إلى ذلك النهر ذى المياه البلورية، المنعكسة على صفحته صورة الأمير المفتون بصورته، العاشق لذاته لدرجة الموت غرقا من شدة الشوق للإمساك بصورته.. ليُشتق هذا المصطلح من اسمه (نرسيس . نرجس .أو زكوس).. لأعرج فى عودتى على رواق الذاكرة المحفورة على جدرانها بانوراما أحداث تتوسطها صور تحيطها هالات سحر و(كاريزما) طاغية ونظرات وداعة وحب تخفى وراءها دهاء وخداعا وشعورا بالعظمة يسحق كل ما دونه من قيم إنسانية.. صور استبداد وتحقير لجمهور ما هو فى نظرهم إلا قطيع ماشية.. صور آلهة اعتلت عروش التسلط تحيطها حاشية تمجيد وتعظيم لذوات متضخمة تتورم نرجسية وتتفجر سادية تحمل عصا العظمة وال(سيكوباثية) بكل ما فيها من كذب وخداع، لتكتمل المنظومة المرضية ب(بارانويا) القسوة والسيطرة واستعباد الجمهور لتصلب الديمقراطية والإرادة والفكر على خشبة اللا عدل واللا قانون واللا ضوابط.. صور لطغاة غرقوا فى بحر العظمة الوهمية والغرور الأجوف وأغرقوا بالمعية الأوطان والشعوب وسحبوها إلى قاع هاوية.. ■ هكذا هى النرجسية المدمرة حين تصيب رأس السلسلة وحلقاتها وتنهال على جسد المصير والأمل جلدا حتى الغيبوبة.. ■ انفصلت صديقتى عن زوجها المصاب بداء النرجسية واستنشقت نسيم الحرية الصحىّ.. فهل تستطيع الشعوب الانفصال؟ لك الله يا عراق.. لك الله يا المكبّل بسلاسل الأمس وحلقات اليوم.. ■ إليك.. ■ عيد يتبعه عيد.. والغربة تمتد.. والخطوات تتسع.. العمر يهترئ وعلامات الاستفهام حائرة فوق سطور المؤامرة.. والجسور تتصدع وعبارات التهنئة تتحشرج فى الحناجر.. تنتظر ثمّة غيمة تنهمر مطرا ينعش سماء الأحباب.. ويروى ظمأ الأرض للسلام.. نشوة القرب تسحبنى.. أنهل من كؤوسها رحيق العشق.. أتسلل إلى محرابك نسمة نديّة تداعب قسمات وجهك البهىّ.. قطرات نور أسكبها فى عينيك العسليتين.. لأكون أول من يسمعك (كل عام وأنت بخير) يا الأغلى والأقرب..