مع منتصف ليل الثلاثاء الماضى انقضى مزاد المليونيات، وخرجنا من دائرة «التنابز بالأعداد» ما بين القوى الشعبية والقوى الإسلامية. فقد تم حسم معركة الأعداد، أو لعبة «زوِّد وأنا أزوِّد» لصالح القوى الثائرة، وخسر الإسلاميون هذا الرهان. فمؤشرات عديدة تدلل على أن الأعداد التى تقاطرت إلى شوارع مصر وميادينها ومحافظاتها يوم الثلاثاء الماضى، تفوقت على الأعداد التى تمكّن الإسلاميون من حشدها يوم السبت السابق له. والأهم من ذلك أن الحشود الثورية نزلت بتلقائية وعفوية وإيمان لا يهتز بقضيتها، فى حين أن الحشود الإسلامية تم جمعها بالأمر والتكليف، وغلب على أدائها التظاهرى الطابع الوظيفى. وفارق كبير بين الثائر المؤمن بقضية والموظف المدجّن فى جماعة!. لم يبقَ بعد انتهاء معركة الحشد والتكاثر بالأعداد، سوى الحسم!. مطلب الثوار واضح يتمثل فى إلغاء الإعلان الدستورى ووقف الاستفتاء على الدستور، وموقف الرئيس وإخوانه من هذا المطلب واضح، يتمثل فى العناد والإصرار على تمرير الأمرين. والمشهد على هذا النحو ينبئ عن مواجهة دموية وشيكة بين الطرفين، وسوف يكون المبادر لها هم الإخوان على وجه التحديد، لأنهم الطرف المعاند. ويقف وراء هذه الفرضية عدة أسباب: أولها الغضب الشعبى المتصاعد ضد «رئيس جمهوريتهم» الذى لم يترك لهم فرصاً للمزايدة العددية بعد أن انقطع نفسهم فى هذا المضمار، وثانيها حالة «المرمطة» التى تعرض لها رموزهم فى هتافات الشارع الداعية إلى سقوطهم، وثالثها أنه لم يعُد لديهم من وسيلة سوى استعمال القوة لفرض ما يريدون على الشعب الثائر عليهم وعلى مرشدهم وعلى رئيسهم. والعامل المهم الذى يمكن أن يدفع الإخوان فى هذا الاتجاه، أو يرجعهم عنه، يرتبط بموقف القوات المسلحة، فإذا أذنت لهم القيادة العسكرية بذلك فسوف يفعلون، وإذا لم تفعل فسوف يعودون إلى أسرهم وخلاياهم باحثين عن حل آخر. والأرجح أن الجيش لن ينحاز للرئيس، فى حالة وقوع مواجهة من هذا النوع بين الإخوان والثوار، بل وقد يتدخل -وهذا ما يخشاه الإخوان- لينهى رحلتهم القصيرة فى الحكم. فناهيك عما تتمتع به القيادات العسكرية من وطنية ووعى بمبدأ أن الجيش المصرى للمصريين جميعاً، فإنهم يعلمون أن مركب الإخوان غارق، وأن من سيحاول تعويمه قد يغرق معه، ولن يبين له أثر تحت أمواج الثورة!. لا سبيل أمام الدكتور «مرسى» سوى التراجع و«سمعان» كلام الشعب، ولا مناص أمام أعضاء وقيادات جماعة الإخوان سوى الانصياع لمطالب الثوار، وأتصور أن الأمر لن يشكل مشكلة بالنسبة لهم، فى ظل ما تعودوا عليه من سمع وطاعة!. على الرئيس وإخوانه أن يسمعوا للمرشد العام الجديد: «الشعب».. واللى ما يسمع ياكل لما يشبع!.