سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الأجهزة الرقابية.. الاستقلال المفقود قانونيون: عدم إدراج الرقابة المالية ضمن الهيئات المستقلة يخالف الأعراف العالمية.. والباب يعكس غياب فلسفة صنع الدساتير
انتقد خبراء سياسيون وفقهاء دستوريون تخويل رئيس الجمهورية صلاحية تعيين رؤساء الأجهزة الرقابية، كما نص مشروع الدستور الجديد فى المادة 202 الموجودة بالباب الرابع باسم الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية. وقال دستوريون إن الباب الرابع مستحدث ولم يذكر فى أى من الدساتير المصرية السابقة، مشيرين إلى أنه فى الماضى كان يتم إنشاء الأخيرة بموجب قوانين وقرارات دون النص عليها فى الدستور. وأضافوا: الباب اتسم بالتفصيل والتوسع، فضلاً عن أن زيادة عدد أعضاء بعض هذه الأجهزة الرقابية ستؤدى لعشوائية قراراتها. وضمت الهيئات التى نص عليها الباب كلاً من «الجهاز المركزى للمحاسبات»، و«البنك المركزى»، و«المفوضية الوطنية - الجهاز المركزى لمكافحة الفساد»، و«المجلس الاقتصادى والاجتماعى»، و«المفوضية الوطنية للانتخابات»، و«الهيئة العليا لشئون الوقف»، و«الهيئة العليا لحفظ التراث»، و«الهيئات المستقلة للإعلام والصحافة». وقال الدكتور عمرو هاشم ربيع، أستاذ العلوم السياسية: إن باب الأجهزة الرقابية المستحدث يضم أربع هيئات قائمة هى «الجهاز المركزى والبنك المركزى والرقابة الإدارية ووحدة غسل الأموال» إضافة إلى هيئات مستحدثة هى «جهاز مكافحة الفساد»، و«المجلس الاقتصادى الاجتماعى، والمفوضية الوطنية للانتخابات، والهيئة العامة لشئون الوقف، والهيئة العليا لحفظ التراث، والهيئات المستقلة للإعلام والصحافة». وأضاف: «إن تلك الهيئات لا تضم جميع الهيئات المستقلة؛ فالمؤكد أن هناك هيئات أخرى كان من المفترض أن تدخل ضمن هذا الباب كالجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء». وأشار ربيع إلى أن جميع الأجهزة السابقة تم النص على أن تنظم بقانون (وهى التى تسمى فى عرف أساتذة القانون الدستورى القوانين المكملة للدستور)، لافتاً إلى أن عدد القوانين المكملة للدستور فى مشروع الدستور الجديد يتجاوز السبعين قانوناً، مقابل 33 قانونا مكملا فى دستور 1971، وحذر من أن كثرة الحديث عن الهيئات التى تنظم بقانون فى مواد الدستور، ربما تفضى، فى ظل الميراث السلبى لوضع القوانين، إلى الإتيان بعكس ما هدف إليه المشرع الدستورى. وفيما يتعلق بتعيين قيادة هذه الهيئات، قال الخبير بمركز الأهرام للدراسات: إن مشروع الدستور نص على قيام رئيس الجمهورية بتعيين رؤساء تلك الأجهزة بعد موافقة مجلس الشورى، مما يجعل قيادة تلك الأجهزة خاضعة للقوى السياسية والحزبية والتكتلات البرلمانية القائمة داخل مجلس الشيوخ. وأشاد ربيع ب«التأسيسية» فى جعل أعضاء المفوضية الوطنية للانتخابات 9 أشخاص، لكن من الغريب أن يتحدث عن 200 على الأقل كأعضاء فى المجلس الاقتصادى الاجتماعى، قائلاً: إنه كلما زاد عدد الهيئة اتسمت قراراتها بالعشوائية. وقال الدكتور عبدالسند يمامة، أستاذ القانون: إن مواد الهيئات والأجهزة الرقابية بالباب الرابع بمشروع الدستور الجديد بها قدر من التوسع، مشيراً إلى أنها نصت على أن يعين رئيس الجمهورية رؤساء هذه الهيئات ويعفيهم من مناصبهم بقرار منه، واعتبر أن «استقلال هذه المؤسسات محل شك». وأضاف «يمامة» أن نصوص مواد الأجهزة الرقابية الحالية التى تمتد من المادة 200 إلى 216، بها كثير من التفصيل، وإضافة هيئات أخرى مستحدثة إليها، قائلا: «الدساتير السابقة لم تشمل بابا خاصا للهيئات الرقابية». وأكد أستاذ القانون أن مشروع الدستور الحالى أشار إلى الأجهزة الرقابية عكس كل الدساتير السابقة التى كانت تتركه للقانون، مضيفاً: «هم حاولوا الإشارة إلى أجهزة مثل البنك المركزى والجهاز المركزى للمحاسبات ومفوضية مكافحة الفساد، حتى يهيِّئ الرأى العام ويشعره بوجود مواد مستحدثة داخل الدستور، دون أن يكون له فائدة مجدية حقيقية، وكان من الممكن النص على هذه الهيئات والأجهزة من خلال قوانين». وتابع: «الدستور الحالى أشار إلى المجلسين الاقتصادى والاجتماعى، ومفوضية الانتخابات، وهيئات عليا لشئون الوقف، وللصحافة والإعلام، بعد أن كان للصحافة سلطة فى دستور 71»، منتقداً إغفال مشروع الدستور للمجالس القومية المتخصصة. وقال «يمامة»: إن جميع الدساتير السابقة تركت وضع الأجهزة الرقابية للقوانين، متابعاً: «عدم الإشارة إلى الأجهزة الرقابية هو الأفضل، وإن كل الدساتير السابقة جيدة من الناحية الفنية، أما مشروع الدستور الحالى فيحتاج إلى الضبط لوجود كثير من الملاحظات وغياب فلسفة صناعة الدساتير عن معظم أعضاء الجمعية التأسيسية لأنهم غير متخصصين». وقال الدكتور عوض الترساوى، الخبير القانونى فى أسوق المال: إن الباب الخاص بالأجهزة الرقابية والهيئات المستقلة من الأبواب المستحدثة، ولم ترد موضوعاتها وأحكامها فى الدساتير المصرية المتعاقبة، رغم أنها جاءت فى العديد من الدساتير العالمية والمقارنة، وفى العديد من مشروعات الدساتير التى تعبر عن اجتهادات فردية أو جماعية. وانتقد «الترساوى» عدم النص على هيئة الرقابة المالية ضمن الهيئات والأجهزة التى تضمنها مشروع الدستور، قائلاً: إن عدم إدراج هيئة الرقابة المالية ضمن الهيئات المستقلة بالدستور يخالف الأعراف العالمية التى خصصت باباً مستقلاً للأجهزة والهيئات الرقابية كما حدث فى مشروع الدستور المطروح للاستفتاء. وقال الدكتور عمرو الشوبكى، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن أعتى النظم التى تعطى سلطات مطلقة للرئيس، وهو النظام الرئاسى، يجب ألا يعطى فيه الرئيس سلطة الحق فى اختيار وتعيين رؤساء الأجهزة الرقابية، قائلاً: «الرئيس يجب أن تكون قراراته تنفيذية فقط، ولا يتدخل فى تعيينات القضاة أو الأجهزة الرقابية حتى لا يفقدا استقلاليتهما. وأكد الشوبكى أن تعيين الرئيس لرؤساء الهيئات الرقابية يخلق نوعاً من الولاء له، قائلاً: «النظام المختلط الذى تم وضعه واختياره بمشروع الدستور الحالى اختار أسوأ السلطات لرئيس الجمهورية». ودعا الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إلى أن يكون اختيار رؤساء الأجهزة الرقابية عن طريق البرلمان وليس الرئيس. من جانبه، قال الدكتور جمال سلامة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة السويس، إن البعض ينظر للأجهزة الرقابية على أنها أجهزة مستقلة، لكنها فى النهاية ترجع لشخص بعينه، وهو رئيس السلطة التنفيذية التى تتبع له وتعتبر جزءاً من سلطاته، واعتبر أنه من الطبيعى أن يقوم رئيس الجمهورية باختيار رؤساء الأجهزة الرقابية، قائلاً: «إنه فى جميع النظم الديمقراطية فى العالم يقوم الرئيس بتعيين رؤساء الهيئات والأجهزة الرقابية، لكن شريطة أن تصدق عليها السلطة التشريعية ممثلة فى المجالس النيابية، لإحداث نوع من التوازن». وأضاف سلامة: «هناك مقترح أن يتم ترشيح رؤساء الأجهزة الرقابية من خلال العاملين فى الجهاز مثل اختيار رؤساء الصحف، لكن هذا المقترح لا يتم تطبيقه»، وقال إن «الأجهزة الرقابية لن تراقب الرئيس؛ لأن مصر بها هرم بيروقراطى كبير يدير الدولة، وهذا يخلق نوعاً من الولاء للرئيس، مهما كان انتماؤه». ودعا إلى قيام مجلس الشعب باستجواب رؤساء الأجهزة الرقابية دورياً، لتشديد الرقابة، ولمنع الولاء للرئيس كما كان يحدث سابقاً. وشدد «سلامة» على أن وضع الأجهزة الرقابية لم يختلف عن وضعها بدستور 71، مشيراً إلى أن أى نصوص دستورية ترتبط أكثر بتطبيقها، والإرادة السياسية الموجودة، بصرف النظر عن الاختلاف النظرى حولها. وقال الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن استمرار تعيين الرئيس لرؤساء الأجهزة والهيئات الرقابية يفقدها كثيراً من استقلاليتها، وانتقد استمرار نفس وضعية الأجهزة الرقابية فى الدستور الجديد، كما كانت فى دستور 71، باستثناء زيادة عددها. وأضاف: «إن رائحة الفساد فى مصر كانت قد بدأت تفوح منذ فترة ليست بالقصيرة، وإن شرفاء كثيرين فى هذا الوطن لم يترددوا أمام استفحال ظاهرة الفساد، فى كشف ما توافر لديهم من معلومات عنها وفضح المتورطين فيها حتى فى ذروة عنفوان النظام السابق وجبروته. غير أن حجم ما تكشف من هذا الفساد، عقب سقوط مبارك ونظامه، فاق أكثر الخيالات جنوحاً. ولأن الأجهزة الرقابية لم تكن، فى الغالب الأعم، مصدر هذه المعلومات، فمن الطبيعى أن نتساءل: أين كانت تلك الأجهزة، وماذا نريد منها خلال المرحلة المقبلة؟». وقال نافعة: «إن شيوع هذا الكم من الفساد فى العهد السابق ليس له من تفسير سوى أحد احتمالين: إما أن هذه الأجهزة الرقابية لم تقم بواجبها، أو أنها أصبحت جزءاً من منظومة الفساد بعد أن قبلت التستر عليه بدلاً من تعريته وتعقب المسئولين عنه». قائلاً إنه كانت توجد ما وصفه ب«حالة غراء» بين الرئيس والحكومة وهذه الأجهزة الرقابية التى لم تقم بدورها المنوط بها، التى كان من الواجب إنهاؤها بعد الثورة، والتنبه لها فى الدستور الجديد بفصل هذه الأجهزة تماماً عن سلطة الرئيس، وتحقيق استقلالها الكامل.