المسوَّدة الأولى لدستور ما بعد الثورة تجاهلت إدراج الهيئة العامة للرقابة المالية ضمن باب الأجهزة الرقابية والهيئات المستقلة، وهو الأمر الذى أثار غضب العاملين فى سوق المال، لأهمية الهيئة التى تقوم بالدور الرقابى على كل ما يتعلق بسوق المال، إذ أدرج ذلك الباب هيئات الجهاز المركزى للمحاسبات والبنك المركزى والمفوضية الوطنية (الجهاز المركزى) لمكافحة الفساد والمجلس الاقتصادى والاجتماعى والمفوضية الوطنية للانتخابات والهيئة العليا لشؤون الوقف والهيئة العليا لحفظ التراث والهيئات المستقلة للإعلام والصحافة، مسقطًا الهيئة العامة للرقابة المالية من الاعتبار. الخبير القانونى فى سوق المال الدكتور عوض الترساوى قال إن «هذا الباب من الأبواب المُستحدثة، ولم ترد موضوعاتها وأحكامها قط فى الدساتير المصرية المتعاقبة، غير أنها جاءت فى عديد من الدساتير العالمية والمقارنة، وفى عديد من مشروعات الدساتير التى تعبر عن اجتهادات وطنية فردية أو جماعية»، مؤكدا أن «عدم إدراج هيئة الرقابة المالية ضمن الهيئات المستقلة فى الدستور يخالف الأعراف العالمية، ففى الولاياتالمتحدةالأمريكية أُنشئت سلطات التنظيم فى شكل لجان مستقلة، وانبثقت من تلك السلطات لجنة للإشراف على العمليات المالية والبورصة»، بينما قال نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار محسن عادل «فى مصر ما زال المناخ القانونى المسيطر على الحكومات المتعاقبة هو التشبث بمبدأ مركزية الإدارة، إضافة إلى عدم فهم الدور الذى تقوم به الهيئة العامة للرقابة المالية فى الرقابة على القطاع المالى غير المصرفى»، مشيرًا إلى أن «الاتجاه السائد فى الدول الأوروبية يجعل سلطة تنظيم الأسواق المالية سلطة مستقلة، إذ إن الاستقلال عنصر أساسى فى السلطة، والاستقلال يكون أساسًا فى مواجهة السلطات السياسية، كما أنه يعنى فى مواجهة السلطة التنفيذية بوجه خاص انعدام السلطة الرئاسية الوصائية على سلطة تنظيم الأسواق المالية، بمعنى أنه لا يجوز توجيه أوامر أو مجرد تعليمات إليها من الحكومة، لذلك فإن استقلال سلطة تنظيم الأسواق المالية هو الذى يميزها عن غيرها من السلطات الإدارية التقليدية ويحيطها بعديد من الضمانات».
عادل أضاف أن «تنظيم النشاط المالى والاقتصادى يعد وظيفة تقليدية من وظائف الدولة، غير أن هذا التنظيم تطور مؤخرًا تطورًا ملحوظًا، كان من أبرز ملامحه إنشاء سلطات إدارية مستقلة تتولى تنظيم هذا النشاط، وقد أصبح إنشاء سلطة مستقلة لتنظيم النشاط المالى أمرًا تسوّغه عدة اعتبارات ترجع إلى ضرورة التزام الدولة الحياد وإلى تحقيق المرونة والفاعلية فى تنظيم القطاع المالى»، مؤكدًا «ضرورة ضم الهيئة العامة للرقابة المالية ضمن الهيئات المستقلة بالدستور»، موضحًا «ينبغى أن يقر المجلس الدستورى بأن إنشاء سلطة إدارية مستقلة يعد ضمانة أساسية من أجل ممارسة حرية عامة لهذا القطاع الحيوى»، مؤكدًا أن «هذا المفهوم هو ما يجب أن يتبناه دستور مصر الحرة، بعد ثوره 25 يناير، ليكون مواكبًا لتلك الأفكار الحديثة فى آليات الرقابة على الأسواق المالية، وما قد ينشأ من أفكار أكثر تطورًا، وأول ما يجب مراعاته هو صراحة النص الدستورى على استقلال الهيئة فى مباشرة وظائفها أمام البرلمان».