سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الإعلام الأمريكى: «لا تلوموا الإخوان على خطايا محمد مرسى» المدافعون عن الإخوان: قرارات «مرسى» الخاطئة لا تعنى أن الإسلاميين لا يصلحون للحكم والرئيس انشغل بصراعه السياسى
عندما فاز الرئيس محمد مرسى برئاسة مصر فى يونيو الماضى، انبرى «طارق مسعود» أستاذ السياسة العامة بجامعة هارفارد الأمريكية، ليعدد مزايا الرئيس الجديد. ظهر «طارق مسعود» فى برنامج «فريد زكريا» على قناة «سى إن إن» الإخبارية، واصفاً محمد مرسى بأنه: «شخصية مقاتلة، وكان واحداً من أفضل النواب البرلمانيين للإخوان عندما كان الأمر يتعلق بالوقوف فى وجه النظام السابق وفساده وفشله». وحتى الكلام عن افتقار الرئيس مرسى للجاذبية والكاريزما لم يكن أزمة من وجهة نظر طارق مسعود الذى قال: «مرسى، كأى شخص مقاتل لا يملك الجاذبية التى يُفترض بالسياسيين أن يتمتعوا بها. هو ليس بالرجل الذى يستطيع أن يكسب قلوب الناس، وربما كان هذا هو السبب الذى دفع الناس إلى القول بأنه لا يملك الكاريزما الكافية». لكن، بعد قرارات الرئيس مرسى الأخيرة التى أشعلت الأوضاع من جديد فى مصر، ظهر طارق مسعود من جديد فى مقال منشور على «سى إن إن»، ليدافع هذه المرة، ليس عن الرئيس مرسى، ولكن عن جماعة الإخوان المسلمين، محاولاً الفصل بشدة بين الجماعة وبين الرئيس الذى جاء منها، قائلاً بوضوح إن أزمة الحكم التى وقع فيها الرئيس مرسى، لا يمكن أبداً أن تكون دليلاً على فشل تجربة الإخوان ككل فى الحكم، بل هى أزمة خاصة بشخص محمد مرسى، أياً كان انتماؤه السياسى والفكرى كرئيس. فى مقاله الذى حمل عنوان: «لا تلوموا الإخوان المسلمين على ما فعله محمد مرسى»، بدأ طارق مسعود مقاله موضحاً نقطة تثير مخاوف الإخوان وغيرهم من الأحزاب الإسلامية بعد وصولهم إلى الحكم، فقال: «حذر البعض فيما مضى من أن الإسلاميين سيستغلون العملية والانتخابات الديمقراطية للوصول إلى السلطة، ثم سيسحبون سلم الديمقراطية معهم بعد أن يصعدوا عليه ليمنعوا غيرهم من الوصول إلى الحكم. وفى الأسبوع الماضى، بدا وكأن الرئيس محمد مرسى الذى ينتمى إلى جماعة الإخوان، يحقق تلك النبوءة بالضبط». «ولكن، على الرغم من قرارات مرسى الصادمة، فإنها لا يمكن أن تعنى أبداً أن الإخوان لا يصلحون للعبة الديمقراطية، فقرارات مرسى بأن يضم إلى نفسه سلطة تكاد تكون مطلقة، لم تكن هى الخطوة النهائية فى خطة الإخوان السرية لإعلان دولة دينية مقدسة. فالواقع أن ما فعله مرسى ببساطة هو نفس ما فعله الرؤساء المصريون على مدى أكثر من 60 عاماً. وهو تخفيف قيود مؤسسات الدولة على سلطاتهم، لتنفيذ أجنداتهم بشكل أكثر سلاسة». ويواصل طارق مسعود: «الأمر لا علاقة له بكون مرسى إسلامياً أو إخوانياً أم لا، فأغلب الظن أن إغراء السلطة المطلقة كان سيستحوذ على الرئيس المصرى الجديد أياً كان حزبه أو توجهه الفكرى، ففى هذه الفترة من تاريخ مصر السياسى لا توجد مؤسسة أو قوة أو تنظيم قادر على الرقابة على أداء مؤسسة الرياسة». «مثل تلك الظروف، قد تداعب فكرة السلطوية ذهن أكثر الرؤساء تمسكاً بالديمقراطية. تحت مسمى الصالح العام أولاً، ولخدمة الطموح الخاص والشخصى بعد أن تتساقط الأقنعة. لقد أراد الإخوان من الرئيس أن يتحدى قرار المحكمة ويعيد البرلمان إلى العمل، لكنه رفض، مما عزز الانطباع بأن هدفه الأساسى هو أن يتوسع فى سلطاته التى يثق فى قدرته على الاعتماد عليها لإصلاح مصر، أكثر من اعتماده على تشريعات يسنها السلفيون الذين لا يوثق فيهم، أو الليبراليون المنقسمون على أنفسهم». ويبدأ طارق مسعود الفصل بين الإخوان ومرسى فى موقفه الأخير قائلا: «صحيح أن الإخوان يصطفُّون بشكل عام وراء الرئيس، إلا أن هناك مؤشرات بأن بعض أعضائها غير راضين عما فعله، مثل رئيس مجلس الشورى الإخوانى أحمد فهمى، والكاتب الإخوانى محمد عبدالقدوس، وأمين عام حزب الحرية والعدالة محمد البلتاجى الذى قال إن من حق الناس أن تشعر بالقلق بسبب قرارات الرئيس الأخيرة. الواقع أن كل ما يحدث لا يمكن أن يغير من الكيمياء الأساسية فى السياسات المصرية، فالنتيجة النهائية أن الحكم الديمقراطى لا يمكن أن يتم فرضه على الدول الفقيرة النامية.. ولا يمكن القول بأن ظروف مصر السياسية، من تراث طويل من سيطرة الرؤساء على السلطة فيها، أو مؤسساتها الضعيفة، ومجتمعها المتقلب المشتعل، هى ذنب الإخوان المسلمين». وينتهى طارق مسعود فى مقاله إلى الرسالة التى أراد توصيلها عندما قال: «لو أردنا أن نستخلص شيئاً من الأزمة التى تدور على ضفاف النيل، فهذا لن يكون أن الإسلاميين لا يمكن الوثوق فيهم لرئاسة مصر، وإنما أن أحداً لا يمكن الوثوق به لهذه الرئاسة (!). ربما يكون مرسى قد تجاوز بما فعل، لكن الاحتمال هو أنه لم يكن الرئيس الأول ولن يكون الرئيس الأخير الذى سيسعى لإقناع الشعب بأنه من الضرورى أن يقتل الديمقراطية، حتى يُنقذ البلاد». كان طارق مسعود يرى أن العيب فى الدولة، وفى الناس، وحتى فى الرئيس مرسى، لكنه ليس فى الإخوان، وهى رسالة بدأت تنتشر فى الإعلام الأمريكى رداً على آراء أخرى، لا تفصل بين الإخوان وبين نتائج تحركات الرئيس الخاطئة. من هذه الآراء، ما كتبه الصحفى الأمريكى «لى سميث» فى مجلة «ويكلى ستاندرد»، عندما لخص الورطة التى وقع فيها الإخوان بعد أداء مرسى الرئاسى قائلاً: «وضعت أزمة مصر السياسية العديد من القناعات الغربية على المحك. تلك القناعات التى كانت ترى أن وصول الإسلاميين إلى الحكم فى دولة معتدلة دينياً قد يساعد على أن يصبح الإسلاميون أكثر اعتدالاً. لكن، كان هناك دائماً رأى آخر يرى أن السلطة التنفيذية لو مُنحت للإسلاميين، ووصل الإخوان إلى الرئاسة فى دولة مثل مصر، فقد يعنى ذلك أن الزمام قد تم تسليمه إلى الطغيان، والاستبداد الذى سيبرره دستور متحجر ويفرض نفسه بالتعذيب والسجن وأحكام الإعدام». ويواصل «لى سميث»: «ربما احتاج الأمر إلى بعض الوقت قبل أن يتضح الاتجاه الذى يسير فيه مرسى، الرئيس الإخوانى، بعد قراراته الأخيرة، فالواقع أنه لم تعد المسألة الملحة التى تشغل بال مرسى هى كيفية إنقاذ إصلاح اقتصاد مصر، أو حماية البلاد من الأخطار الإقليمية التى قد تجرها لحرب مع إسرائيل، أو حتى كيف يمكن أن يحكم الرئيس الإسلامى، بل صار همه الأساسى هو كيف يمكنه هو، أو غيره، أن يحكم مصر؟». «ربما فعل أى شخص آخر مكان مرسى نفس ما فعله على نحو ما أقل أو أكثر حدة. لكن ما فعله مرسى كان خطوة متحيزة حزبياً إلى درجة لا يمكن تصورها. وصرح الإخوان بالعديد من الأشياء الغبية فى الأسبوع الأخير، إلا أن لديهم وجهة نظر منطقية عندما يقولون إنهم لن يستمروا فى إجراء الانتخابات حتى يخسر الإخوان. هناك بالفعل مشكلات حقيقية فى القضاء والمعارضة، لكن كل ذلك لا يعنى أن ما فعله مرسى كان حكيماً أو ضرورياً. علاج مرسى للداء كان أسوأ كثيراً من الداء نفسه. جاء رئيساً لكل المصريين كما أعلن، لكنه تخلى عن هذا الدور من أجل دوره الحزبى». المشكلة إذن، من وجهة نظر «لى سميث» هى أن محمد مرسى وضع مصالح جماعة الإخوان التى ينتمى إليها فوق مصالح مصر كلها، ظل مؤمناً بأنه عضو فى جماعة الإخوان إلى حد أنه كاد ينسى أنه رئيس مصر. فهل ترد له الجماعة إذن هذا الجميل؟ هل ستذكر لو انقلبتْ الدنيا ضد الرئيس مرسى بسبب قراراته السياسية، أو بسبب فشل حكومته فى حل أزمات الناس الاقتصادية، أن الرئيس مرسى هو ابن الجماعة قبل أن يكون رئيساً لمصر، وتسانده؟ الخبيرة البريطانية أليسون بيلى، خبيرة الشئون العربية والحركات الإسلامية فى مؤسسة «أكسفورد أناليتيكا»، التى تخصصت فى تقديم الاستشارات السياسية والاقتصادية لرجال السياسة والاقتصاد، كان رأيها أن جماعة الإخوان هى التى ستبعد نفسها عن الرئيس مرسى لو ساءت الأمور. كان السؤال الذى وجهته «الوطن» إلى الخبيرة البريطانية هو: هل ازدادت جماعة الإخوان المسلمين قوة بوصول الرئيس مرسى إلى الحكم، أم أنها بدأت تفقد شعبيتها بعد رئاسته مصر؟ وكان ردها ينظر إلى رئاسة مرسى بشكل عام، ولا يقتصر على قراراته السياسية. انشغل الرئيس مرسى بصراعه لتأكيد سلطته عن صراع المواطن العادى للحصول على حقه، وهو ما لخصته «أليسون بيلى» بقولها إن «شهر العسل السياسى بين الرئيس والشعب قد انتهى، وبدأ الناس يضغطون عليه لحل مشكلاتهم العويصة فى الاقتصاد والبطالة والفقر. وهى كلها مشكلات لا يمكن حلها إلا بالاتفاق، والتوصل إلى حلول وسط قد لا يرضى عنها كثيرون، مما يعنى أن أمام الرئيس مرسى فترة طويلة من الكفاح لكى يُحدث الإصلاحات اللازمة، ويحقق ارتفاعاً فى مستوى المعيشة يرضى عنه الناس». وأضافت أن «أغلب الظن، أن جماعة الإخوان المسلمين التى (كان) الرئيس مرسى ينتسب إليها، وأعلن رسمياً استقالته منها قبل توليه منصبه الرئاسى، سوف تُبعد نفسها عن الرئيس، وحكوماته، ستتركه هو ليواجه نتائج سياسات حكمه، لأن لديها فى هذه المرحلة ما هو أهم منه». وتواصل «أن ما هو أهم من الرئيس مرسى وحكوماته بالنسبة إلى الإخوان، هو تلك الانقسامات التى تمزق صفوفها شر ممزق، وهى انقسامات كانت بوادرها ظاهرة منذ فترة، إلا أنها ازدادت وضوحاً وشراسة وحدة، بعد أن نجح الإخوان المسلمون فى الوصول إلى الحكم». واستشهدت «أليسون» بيلى بأن «حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين كان أول من ألقى باللوم على حكومة هشام قنديل التى شكّلها الرئيس مرسى، وحملها، عبر وسائل الإعلام التابعة له مسئولية عدم تحقيق برنامج المائة يوم الذى أعلنه الرئيس. حزب الحرية والعدالة، بهجومه على حكومة قنديل، كان أول من أدرك أن أمام مرسى طريقاً طويلاً للإصلاح الاقتصادى. مطلوب منه أن يقدم سياسة تُخرج مصر من المطب الاقتصادى الذى وقعت فيه، ويحل مشكلات الشعب الاجتماعية وأزماته الاقتصادية، ويكسب منه مزيداً من الوقت فى وقت لم يعد فيه لدى الشعب طاقة على الصبر، ثم يعيد الثقة للمستثمرين فى السوق، وهى مهمة صعبة، قد لا تنجح فيها مصر فى أغلب الأحوال».