محافظ الغربية يتابع أعمال توريد القمح بشونة محلة أبو علي    بدء التوقيت الصيفي فى مصر 2024 .. تغيير الساعة الليلة    «بحوث الصحراء» يكشف مشروعا عملاقا في سيناء لزراعة نصف مليون فدان    نائب محافظ البحيرة: تركيب إنترلوك بمنطقة السنوسي بحوش عيسى بتكلفة 2 مليون و 400 ألف جنيه    وزارة التخطيط تشارك في المنتدى الأفريقي للتنمية المستدامة بأديس أبابا    مسؤول أمريكي: بيان مرتقب من واشنطن و17 دولة أخرى لإطلاق سراح المحتجزين بغزة    الرئيس الفلسطيني يؤكد لنظيره الفنلندي ضرورة الإسراع في وقف إطلاق النار بغزة    ممثلة الرئيس الأوكراني في القرم: نكافح لاستعادة أراضينا    فائز ببطولة الفروسية للناشئين على هامش «البطولة العسكرية»: منبهر ب«نادي العاصمة»    فينيسيوس يقود قائمة ريال مدريد لمواجهة سوسيداد بالدوري الإسباني    رئيس اتحاد الجودو: الدولة المصرية لا تدخر جهدًا لدعم الرياضة    انتقاما من أسرتها.. مصرع فتاة حرقا بسبب خلافات الجيرة بالفيوم    خطوات تحميل امتحانات دراسات الصف الثالث الإعدادي الترم الثاني pdf.. «التعليم» توضح    ريهام عبد الغفور عن تكريم المسرح القومي لاسم والداها: سيرتك حلوة وأثرك طيب    أول تعليق من منى زكي بعد فوز فيلمها «رحلة 404» في مهرجان أسوان    لقاء عن التراث الشعبي واستمرار ورش ملتقى فتيات «أهل مصر» بمطروح    احتفالا بذكرى تحريرها.. المطرب مينا عطا يطرح كليب "سيناء"    دعاء يوم الجمعة.. ساعة استجابة تنال فيها رضا الله    تاريخ موعد عيد الأضحى في مصر فلكيًا مدفوعة الأجر للموظفين 2024    "حزب الله" يستهدف جنودا إسرائيليين في محيط موقع الضهيرة    مدرب الترجي: سنعمل على تعطيل القوة لدى صن داونز.. وهدفنا الوصول لنهائي إفريقيا    رئيس جامعة قناة السويس يُعلن انطلاق أكبر حملة تشجير بجميع الكليات    رئيس بيلاروس يحذر من كارثة نووية حال تواصل الضغوط الغربية على روسيا    تفاصيل الاجتماع المشترك بين "الصحفيين" و"المهن التمثيلية" ونواب بشأن أزمة تغطية جنازات المشاهير    بلغ من العمر عتياً.. مسن ينهى حياة زوجته بعصا خشبية بقرية البياضية بالمنيا    تفاصيل اجتماع المجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية برئاسة وزير التعليم العالي    دعاء الاستخارة بدون صلاة .. يجوز للمرأة الحائض في هذه الحالات    حسام المندوه يعقد جلسة مع جوميز في مطار القاهرة | تفاصيل    حبس شاب لاستعراضه القوة وإطلاق أعيرة نارية بشبرا الخيمة    مصر تنافس على ذهبيتين وبرونزيتين في أول أيام بطولة أفريقيا للجودو    بشرى للسيدات.. استحداث وثيقة تأمين على الطلاق يتحمل الزوج رسومها كاملة    بلجيكا: استدعاء السفير الإسرائيلي لإدانة قصف المناطق السكنية في غزة    الأردن يدين سماح الشرطة الإسرائيلية للمستوطنين باقتحام الأقصى    ضمن الموجة ال22.. إزالة 5 حالات بناء مخالف في الإسكندرية    رد فعل غير متوقع من منة تيسير إذا تبدل ابنها مع أسرة آخرى.. فيديو    التحقيق مع المتهم بالتحرش بابنته جنسيا في حدائق أكتوبر    إصابة سيدة وأبنائها في حادث انقلاب سيارة ملاكي بالدقهلية    تحرير 498 مخالفة مرورية لردع قائدي السيارات والمركبات بالغربية    علماء يحذرون: الاحتباس الحراري السبب في انتشار مرضي الملاريا وحمى الضنك    كيفية الوقاية من ضربة الشمس في فصل الصيف    وزارة العمل تنظم فعاليات «سلامتك تهمنا» بمنشآت السويس    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال تطوير منظومة الإنارة العامة في الرياض وبلطيم    خبيرة فلك: مواليد اليوم 25 إبريل رمز للصمود    محافظ الأقصر يهنئ الرئيس السيسى بعيد تحرير سيناء    هشام الحلبي: إرادة المصريين لم تنكسر بعد حرب 67    محافظ شمال سيناء: كل المرافق في رفح الجديدة مجانًا وغير مضافة على تكلفة الوحدة السكنية    أمين الفتوى لزوجة: اطلقى لو زوجك لم يبطل مخدرات    7 مشروبات تساعد على التخلص من آلام القولون العصبي.. بينها الشمر والكمون    «التعليم» تستعرض تجربة تطوير التعليم بالمؤتمر الإقليمي للإنتاج المعرفي    موعد مباراة الزمالك وشبيبة أمل سكيكدة الجزائري في نصف نهائي كأس الكؤوس لليد    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    عادل الغضبان يهنئ أبناء محافظة بورسعيد بالذكرى ال 42 لعيد تحرير سيناء    افتتاح وتشغيل 21 سرير عناية جديد بمستشفي الكرنك في الأقصر تزامنا ذكرى تحرير سيناء    خبير في الشؤون الأمريكية: واشنطن غاضبة من تأييد طلاب الجامعات للقضية الفلسطينية    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    ملخص أخبار الرياضة اليوم.. إيقاف قيد الزمالك وبقاء تشافي مع برشلونة وحلم ليفربول يتبخر    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.




نشر في الوطن يوم 21 - 12 - 2015

أسابيع معدودات تفصلنا عن الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير 2011، ثمة حالة من القلق الذى يرقى فى أحوال إلى مستوى الخوف، من جانب أطراف عدة، من هذا اليوم. هناك الخائفون منه، والخائفون عليه. الكل يتساءل ماذا يمكن أن يحدث فى هذا اليوم، خصوصاً أن هناك أطرافاً متنوعة بدأت منذ عدة أسابيع التحضير للحدث، بعض هذه الأطراف مثل «الإخوان» يدعو إلى ثورة كبرى يوم 25 يناير، ظهر ذلك فى رسالة المرشد التى سرّبها من السجن إلى قواعد «الإخوان»، وبعضها، مثل مجموعة من الشباب المحسوب على «يناير»، بدأ يحشد للخروج، منطلقين من رؤية إلى أن مطالب «يناير» لم تتحقق بعد، وأن السلطة الحالية حادت عن مسار الثورة. يرى هذا الشباب أن ثمة رفاقاً لهم من المحسوبين على «يناير» يقبعون الآن خلف جدران السجون، ويرون أن ثمة سكوتاً من جانب السلطة على عملية الطعن والتجريح المتواصل منذ شهور، فى الثورة، ووصمها ب«المؤامرة»، وبين هؤلاء بدأت وجوه معروفة «ينايرية» فى الظهور، بعد اختفاء دام لشهور عديدة، مثل الدكتور محمد البرادعى ووائل غنيم، وغيرهما من الوجوه التى كان لها أدوار محسوسة فى التخمير والدفع لاندلاع ثورة يناير 2011. هذه الأطراف فى مجملها تحلم بتكرار السيناريو الذى شهدته مصر منذ خمس سنوات، لكنها تتحرّك بدرجة كبيرة من عدم الاطمئنان والخوف من أن تمر الذكرى مروراً هادئاً، أو تشهد أحداثاً حفظها المصريون طوال السنين الماضية، دون تغيير يُذكر على أرض الواقع. وفى المقابل من هؤلاء يطفو على السطح أطراف عدة تبدو خائفة من هذا اليوم، وهى تتحدد فى السلطة والنخب المختلفة التى تدور فى فلكها، وجوهر الخوف يتعلق بالخشية من تكرار سيناريو يناير 2011، حين اندلعت نار عظيمة من شرارة صغيرة لم يأبه أحد لخطورتها فى البداية، بل أنكروا كل الإنكار احتمالية أن تتحول الشرارة إلى نار قادرة على التهام الجالسين على كراسى السلطة. فى ظنى أن تقدير الموقف ومستوى الوعى بالظرف يعوزه الكثير من التدقيق، سواء لدى الخائفين من «يناير» أو الخائفين عليها. ودعونا نبدأ بالخائفين على «يناير»، بحكم أنهم الطرف الذى فجّر حالة «الخوف».
الخائفون على «يناير»
يتأسس خوف هؤلاء على عدد من الفرضيات غير الدقيقة التى تضللهم فى أحوال عن استيعاب الموقف المعيش بصورة موفقة. أولها فرضية أن ثورة يناير لم تُحقق شيئاً على الأرض. وهى فرضية غير دقيقة من عدة جوانب، أولها أنها تختزل الثورة فى عدد من الوجوه التى غيّبتها السجون، لأنها عضّت على قناعاتها بالنواجذ، ونابذت بها السلطة، فكان السجن ثمناً متوقعاً لثباتها وجرأتها فى المواجهة. وثانيها أن ثمة تحولات عديدة حدثت على الأرض يمكن عزوها بسهولة إلى «يناير»، منها على سبيل المثال، المظاهرات الفئوية التى لم تتوقف يوماً طوال الفترة الماضية، رغم وجود قانون التظاهر، الأمر الذى يعكس حقيقة أفرزتها «يناير»، أن الشعب حين يريد لا يأبه بالقوانين الظالمة، تعالَ بعد ذلك إلى مستوى النزاهة فى الانتخابات، بدءاً من استفتاء 19 مارس 2011، وحتى انتخابات مجلس النواب الأخيرة، وستجد أن مستوى النزاهة ارتفع، انتقل من المشهد السياسى إلى المشهد الاقتصادى، وسوف تجد أن السلطة تحاول إرضاء الطبقات الفقيرة من شتى السبل، فى الخبز والتموين والأسعار، وخلافه، وكلما اقتربت ذكرى يناير، نشطت أكثر وأكثر فى إرضاء هذه الطبقة، وليس يخفى على أحد أن العدالة الاجتماعية كانت مطلباً أساسياً من مطالب «يناير»، نعم تبدو الإجراءات التى تتخذها السلطة فى هذا الاتجاه بعيدة عن المفهوم الحقيقى للعدالة الاجتماعية، إلا أنها تؤشر إلى أن «الهاجس الينايرى» جزء من تفكير صانع القرار. من المؤكد أن «يناير» لم تحقق مطامحها، لكن إطلاق الأحكام بالحديث عن أن «يناير» ضاعت وانتهت، وغير ذلك من عبارات غير واعية بمنطق التاريخ وقوانين التغيير فى حياة الشعوب، يفتقر إلى الموضوعية. «يناير» تغيرت على أرض الواقع بصورة بطيئة، لكنها مستمرة، وليس أدل على أن «يناير» ما زالت على الأرض من ذلك القلق الذى اعترى الكثير من خصومها مع قُرب الذكرى الخامسة لها.
الفرضية الثانية التى تسيطر على الخائفين على «يناير» هى فرضية «الشعب على رنة». يظن الداعون إلى النزول يوم 25 يناير المقبل أن الشعب المصرى أصبح على «رنة»، وأنه ليس من المطلوب منهم أكثر من دعوة الشعب إلى مقابلتهم فى الميادين حتى يستجيب، وتقديرى أن هذا التفكير ينطوى على قدر كبير من المبالغة. تحرُّك الشعب يحتاج إلى تخمير، بما يعنيه من تراكم أحاسيس الغضب والاحتقان والظلم الذى يصل بالناس فى النهاية إلى الانفجار. ذلك ما حدث فى 25 يناير 2011، ولو يذكر الكثيرون، فقد سبق هذه الثورة العديد من المظاهرات الفئوية التى دارت جميعها فى فلك «التخمير». ويصعب تحديد فترة زمنية معينة لاستواء حالة التخمير تلك بصورة تهيئ الشعب للخروج، فقد تستغرق عاماً، وقد تتواصل لأعوام، تبعاً لأحوال الظرف والسياق. نعم ثمة نوع من الضجر والتبرّم والتذمّر من جانب «الينايرجية» من السياسات الحالية، وثمة نوع من الغضب من المحاولات الدؤوبة لتشويه ثورة يناير، لكن لا بد من الاعتراف بأن أغلب هؤلاء يخشون من النتائج التى يمكن أن تترتب على حالة الانفلات، يمكن أن تتعرّض لها البلاد فى لحظة، تفقد فيها السيطرة على الأمور، والتوابع الخطيرة التى يمكن أن تتأسس على ذلك. لا بد أن يأخذ الشعب وقته فى التخمير وتقدير وحسابات الموقف قبل أن يتحرّك. وموضوع تقدير الموقف ينقلنا إلى الفرضية الثالثة غير الدقيقة التى تشكل جزءاً من تفكير الخائفين على «يناير».
إنها فرضية «التحرّك بلا رؤية ودون بديل»، وهى فرضية تفتقر إلى الواقعية والمنطقية، وتدلل على أن «الينايرجية» لم يتعلموا الدرس من التجارب السابقة، حين تحركوا للتغيير دون رؤية أو بطرح بديل، فكانت النتيجة أن فرضت عليهم الرؤية والبديل. وهذا الأمر ضرورى كل الضرورة، لأن أول سؤال سوف يسأله لك من تطالبه بالنزول: ما البديل؟ عندما يمتلك «الينايرجية» إجابة عن هذا السؤال فإن أموراً كثيرة على أرض الواقع سوف تتغير. الشعب يرى أن دوره يقتصر على النزول للمطالبة بالتغيير، لكن مهمة التغيير بعد ذلك ترتبط بدعاته وقياداته، وعدم وجود إجابة عن هذا السؤال يجعل الدعوة التى يتبناها البعض للنزول إلى الشارع غير واقعية فى نظر الكثيرين، خصوصاً أن هناك من يخشى من عواقب ومغبات التحرك على المستقبل، فى ظل التحديات الداخلية والخارجية التى نواجهها. ثمة فرضية أخيرة لا بد من أخذها فى الاعتبار أيضاً ونحن بصدد تحليل موقف الخائفين على «يناير»، وتتمثل فى «التوجس من النزول والإخوان فى الشارع». نزول الناس مع وجود الإخوان فى الشارع أمر صعب للغاية، لأن هناك فارقاً كبيراً بين نزول الإخوان الهادف إلى استرداد السلطة ووضعها من جديد فى يد «الجماعة»، ونزول الناس الهادف إلى تغيير الواقع، طبقاً لقيم ومطالب ثورة يناير. وطالما بقى الإخوان فى الشارع فسيكون صعباً على الكثيرين النزول. وكلنا يعلم أن الجماعة تُخطط لاستغلال 25 يناير المقبل كحلقة من حلقات مواجهاتها مع السلطة الحالية. وعلينا ألا نغفل أيضاً أن الكثيرين يخشون من أن يؤدى التغيير «دون وجود بديل» إلى عودة جديدة للجماعة. ويجب ألا ننسى أيضاً أن الإخوان لديهم ثأر مع كل من السلطة والشعب، إذ لا يستثنون المواطنين العاديين من الخصومة، لأنهم هم الذين نزلوا ضدهم، وهم الذين رضوا عن تنكيل السلطة بهم.
مجمل القول بالنسبة للخائفين على «يناير» أن احتمالات أن يتحرك الشعب فى هذا اليوم المعلوم «25 يناير» والمكان المحتوم «التحرير» ليست كبيرة، نعم الكثير من المواطنين يشعرون بالضجر جراء الضغوط المعيشية والممارسات الشرطية وتشوه المشهد السياسى، لكنهم يحتاجون إلى وقت ل«التخمير»، ومن لاحظ تدنى نسبة المشاركة فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة يستطيع أن يستخلص بسهولة أن حالة التخمير قد بدأت بالفعل، لكن من الضرورة بمكان أن تأخذ وقتها، حتى تصل إلى لحظة تحرك، فى تقديرى أن أحداً لن يستطيع أن يحددها بيوم موعود هو يوم الخامس والعشرين من يناير.
الخائفون من «يناير»
من الطبيعى أن تكون السلطة بكل شخوصها والقوى المدافعة عنها أو المستفيدة منها، الخائف الرئيسى من يوم 25 يناير، فأى حراك شعبى يحدث على الأرض يضر بأوضاعها. وفى ظل عدم وجود مؤشرات جادة على الأرض -على الأقل فى الفترة الحالية- تؤشر إلى احتمالية وجود حراك ذى تأثير ضد السلطة الحالية، بإمكاننا أن نصف خوفها ب«النفسى» بامتياز. لكن من الضرورى الالتفات إلى أن حالة القلق تلك تدلل لك على أن ثورة يناير «حية ترزق». وتقديرى أن حالة القلق تلك لها أصل فى سكوت السلطة الطويل على عملية التشويه لثورة يناير، ودمغها، ومن قام بها، بالتآمر على بلدهم والوطن الذى يؤويهم، وقد أثمرت حملة التشويه تلك عن تفكيك تحالف 30 يونيو، ليخرج منه «الينايرجية»، بل بدأ بعضهم يردد أن 30 يونيو «ثورة مضادة». فالنظر إلى «يناير» كمؤامرة يعنى نظرة مقابلة إلى «30 يونيو» كثورة مضادة. وقد تنبّهت السلطة متأخرة إلى هذا الأمر، فبدأت تُعرب عن غضبها ممن يحاول شق المصريين إلى صفين: «صف الينايرجية» و«صف اليونيجية»، لكن التحرّك المتأخر لم يؤدِ إلى صدى ملحوظ على مجمل المشهد، خصوصاً أن الخطاب المشوّه ل«يناير» ما زال متواصلاً فى دروب الإعلام والسياسة. ورغم القلق الذى يعترى أفراد هذا الفريق كلما اقترب هذا اليوم، فإنك تجده لا يتوقف عن التسخين، ودمغ الملايين التى نزلت فى القاهرة ومحافظات مصر من قبليها إلى بحريها ب«المتآمرين». ويسقط ممارسات بعض المحسوبين على هذه الثورة على تلك الملايين، وينسى تلك المقولة الشهيرة التى تذهب إلى أن «الانتهازيين هم أكثر المستفيدين من الثورات». ومن الطبيعى جداً ألا يخلو منهم صف أو فريق. ولا ينسى أعضاء هذا الفريق أن يعلقوا فى يناير وثورة يناير وزر الوصول بالإخوان إلى الحكم، مهدرين -بجرأة يُحسدون عليها- السياق الذى أحاط بذلك، ومتناسين أن الإخوان جاءوا بانتخابات شعبية، وأطيح بهم فى مظاهرات شعبية عارمة، ويقفزون على حقيقة أن انتخابات الرئاسة عام 2012 انحصر التنافس فيها بين ممثل الإخوان وممثل النظام الفلولى. فهل كانوا سيطنطنون بهذا الكلام ويقولون إن الثورة جاءت بفل من فلول «مبارك» لو وصل أحمد شفيق إلى الحكم، ثم أطيح به فى ثورة شعبية؟
تبدو السلطة متوجّسة مما تصفه ب«عمليات النفخ الإعلامى فى التعذيب بأقسام الشرطة»، التى أدت إلى سقوط العديد من الضحايا، وزاد من توجُّسها استثمار «الينايرجية» لهذه المشاهد، فى تأكيد أن الأجواء الحالية التى تعيشها البلاد تتشابه مع الأجواء التى سبقت 25 يناير 2011، ورغم أن الرئيس نفسه أعلن رفض أى تجاوزات من جانب جهاز الشرطة، ووعد بمحاسبة المسئولين عن تعذيب المواطنين بالأقسام، فإنه أصر على الحديث عن أن واقعة أو واقعتى تعذيب داخل أقسام الشرطة لا تعنى بحال فساد الجهاز ككل، وهو كلام موضوعى مائة بالمائة، لكن المشكلة أن البعض قارن بين كلام الرئيس حول الطريقة المهينة التى تم القبض بها على أحد رجال الأعمال، وحديثه الحاسم فى هذا السياق، وكلامه عن الشرطة حين تسبّبت فى وفاة مواطنين عاديين فى الأقسام، ثم مصمصوا شفاههم وسكتوا! ولا خلاف على أن السماح باستمرار هذا الأسلوب فى الأداء الشرطى يخدم فكرة «إعادة الكرة الينايرية» مرة أخرى، خصوصاً أن من لا يعاين عودة الشرطة إلى نهجها القديم «نهج شرطة العادلى» فى الأقسام، يعاين ذلك بسهولة فى الشارع. المصريون واعون بالدور الذى تقوم به الشرطة فى مواجهة الإرهاب، هذا أمر مؤكد، لكن ذلك لا يعنى بحال، إمكانية قبول أو تفويت الممارسات القمعية ضد المواطن، وهو يعلم أن شرطة «العادلى» كانت تردد هى الأخرى أنها تواجه الإرهاب، ومع ذلك فقد انتفض ضدها فى يناير 2011، وكانت نقطة الضعف الرئيسية التى نفذت منها الثورة إلى إسقاط النظام برمته.
تعلم السلطة أيضاً حجم الضغوط المعيشية التى يعانى منها المواطن، نتيجة ارتفاع معدلات التضخُّم، والتهاب الأسعار، وتخفّف الدولة من الدعم، وتخشى من أن يستغل البعض هذه المتاعب والأوجاع، للحشد ضدها فى يناير، وهى تتعامل فى مواجهة هذا الموقف بمعادلة تعتمد على حماية الفقراء وتوفير احتياجاتهم الأساسية، خصوصاً على مستوى المأكل (الاحتياجات الفموية)، من خلال النظام المستحدث للحصول على السلع التموينية، ونقاط الخبز، وتوفير منافذ لبيع سلع رخيصة السعر وغير ذلك، ولا خلاف على أن هذه الجهود تسهم فى امتصاص جانب كبير من احتقان الطبقة الفقيرة، لكن السلطة تغفل أمرين، وهى تعالج هذا الجانب: أولهما أنه بعد عام ونصف العام من ترؤس «السيسى» للدولة، بدت غير قادرة على تحريك رجال الأعمال فى الاتجاه الذى يخدم طموحاتها فى بناء الدولة، وإقالتها من عثرتها الاقتصادية، وثانيهما أنها تناست، وهى تحرص على الاحتياجات الفموية للطبقة الفقيرة، والاحتياجات النفسية لرجال الأعمال الذين يتحسبون لجرح مشاعرهم وجيوبهم، أن ثمة طبقة طويلة وعريضة بدأت تدفع وحدها ثمناً باهظاً لسياسات السلطة، وهى الطبقة المتوسطة، تلك الطبقة التى لا تقتصر احتياجاتها على الطعام، بل لها بنود استهلاك أخرى عديدة، بدأت تلتهب أسعارها بصورة غير مسبوقة. لا يستطيع أحد أن يغفل عن أن الطبقة الوسطى دفعت القسم الأكبر من فاتورة الأزمة الاقتصادية التى تعيشها البلاد، جراء حالة الاضطراب التى سادتها خلال السنوات الماضية، ومحاولات الإرهاب الفت فى عضد الدولة الاقتصادى، وتراجع الاستثمارات، وانهيار السياحة. فالارتفاعات المتوالية فى قيمة الضرائب والأسعار وتقليل فاتورة الدعم تتوجّه أوجاعها إلى هذه الطبقة أكثر من غيرها. ومن المعلوم أن الطبقة الوسطى كانت الفاعل الأول والأهم فى أحداث 25 يناير 2011، والشريحة التى تحركت منها فى هذه الثورة خرجت مدفوعة بإحساس بالغبن، وإحساس موازٍ بإهدار الكرامة، لكن طبيعتها كطبقة تهوى «الرقص على السلم» غلبتها، فجعلتها تتوقف عن خوض غمار رحلة التغيير، بعد أن سقط نظام «مبارك»، حين ظنت أن باقى الأمور ستتغير من تلقاء نفسها بعد سقوط رأس النظام، وهو ما لم يحدث بالطبع، لأن التغيير لا يحدث من تلقاء نفسه، بل بأيادى من يسعون إليه. تعرّضت بعد يناير 2011 لما يمكن وصفه بالعقاب، لأنها كانت الضلع الأهم فى الثورة، وهى الآن تعانى من قدر كبير من الإحباط الذى قد يحفّزها على النزول، لكن تقديرى أنها تتحسّب لهذه الخطوة كثيراً، وتخاف مما يمكن أن يترتب عليها من اهتزاز فى أوضاع الدولة تجعل الوضع الحالى المحبط الذى تعيشه هو الخيار الأفضل بالنسبة لها.
ويبقى أن التعويل على خوف الشريحة الثائرة من أبناء الطبقة الوسطى من «البديل الأسوأ» يجب ألا يطول، ولا بد أن تستند السلطة إلى سياسات عادلة توازن بين العبء الثقيل الذى تلقيه على هذه الطبقة والعبء الخفيف الملقى على عاتق الطبقة المخملية ورجال الأعمال، وأن تبادر إلى تهيئة الأوضاع الاقتصادية والسياسية التى تقلل من إحباط هذه الطبقة وإحساسها بالغبن، هذا على مستوى الطبقة الأخطر أثراً والأكثر غضباً من وجهة نظرى، وثمة مسارات أخرى لا بد أن تسلكها السلطة الحالية للتخفيف من حالة الاحتقان العام التى تسيطر على شرائح عديدة مؤهلة للانفجار فى أى لحظة. المسار الأول يرتبط بإعادة الاعتبار إلى المواطن أمام جهاز الشرطة، وضرورة أن يكون للرئاسة دور فى التأسيس لفكر جديد يحكم جهاز الشرطة، خصوصاً أن لديها مستشاراً لشئون الأمن هو اللواء أحمد جمال الدين، ولست أدرى ما هى وظيفته ولا أدواره حتى الآن؟! المسار الثانى يرتبط بتحديد «انحيازات السلطة»، فأمر محمود أن تظهر مؤشرات عن انحياز الرئاسة إلى الطبقة الفقيرة، لكن محورة الانحياز فى «الاحتياجات الفموية» فقط أمر لا يكفى، فمن المهم أن تتفهم السلطة الاحتياجات الصحية والتعليمية والتوعوية لهذه الطبقة، لأن التسكين بالطعام وحده لن يسكن غضب هذه الطبقة، ولن يقلل من العذاب الذى تجده عند البحث عن العلاج أو تعليم الأبناء، أو عندما تقع فريسة أفكار يسهل عليها تقبّلها بسبب غياب الوعى. المسار الثالث يتعلق بالتصالح مع الشباب، ذلك القطاع الذى شكّل المحرك الأول لثورة يناير بموجاتها المختلفة. جانب من التصالح يرتبط بالطمأنة، وأساسها حسم موقف السلطة من عدد من الأمور، من بينها أوضاع الشباب المحسوبين على ثورة يناير، الذين يبيتون منذ شهور طويلة وراء جدران السجون، وتعديل قانون التظاهر بالشكل الذى يتفهّم الفارق بين مفهوم ضبط الأوضاع ومفهوم الحريات العامة، يضاف إلى ذلك تحديد موقف السلطة من الأصوات التى تجتهد فى تشويه وجه ثورة يناير، والتى تهين الشعب المصرى، أكثر مما تنال من الثورة.
أجد أنه من المفيد للسلطة التى تخشى «يناير» أن تسعى إلى تصحيح الأوضاع على هذه المسارات بأعلى درجات السرعة، وما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وعليها ألا تطمئن كثيراً إلى أن فكرة الخوف من «البديل الأسوأ» ستظل تصرف الشرائح الاجتماعية الغاضبة من النزول ضدها، لأن المصريين يمكن أن يتحركوا فى أى لحظة. وفى المقابل على الخائفين على «يناير» أن يعلموا أن الكثير من المؤرخين عجزوا عن تحديد الأوقات والقوانين التى تحكم حركة المصريين. هذا الشعب يتحرك لأسبابه وبمعرفته وفى التوقيتات التى يقررها. يتحرك فى التوقيت الذى يجد أنه مطالب بالتحرك فيه، دون أن يدعوه أحد إلى النزول. ولو قرر المصريون النزول، فسيفاجئون الجميع، فى توقيت محدد، ولحظتها لن يستطيع أحد الوقوف فى وجوههم. أيها الخائفون على «يناير» أو الخائفون منها: خذوا حذركم!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.