أفراد شريحة الطبقة الوسطى التى قامت بثورة يناير جمعتهم عدة سمات ألّفت بين قلوب وعقول البشر التى تراصت فى ميدان التحرير وغيره من ميادين مصر. تتحدد هذه السمات فى: الشعور بالغُبن، والضجر من ضياع الكرامة، والإحساس بإهدار الطبقة الفقيرة التى ترجع جذور الكثيرين من ثوار يناير من أبناء الطبقة الوسطى إليها، ولكل سمة من هذه السمات أصل، كما أن لها مجموعة من المؤشرات الدالة عليها. ترسّخ لدى شريحة يؤبه لها من أبناء الطبقة الوسطى شعور بالغبن خلال فترة حكم «مبارك» كان مرده -على الأرجح- عدم القدرة على التوفيق بين الأخلاقيات الأصيلة التى تكرست بداخلها وأخلاقيات الفساد التى أصبحت تحكم أداء الكثير من مؤسسات الدولة خلال تلك الفترة، فتم تهميش الكثيرين منهم، فى ظل ارتفاع قيم الرشوة والمحسوبية والنفاق، وتراجع قيم النظافة والكفاءة والصراحة. أتعب هذه الشريحة وعزلها عن تفاعلات المشهد السياسى أيام «مبارك» ما اعتوره من تزوير فى الانتخابات، وإملاء ما تريده القيادة على الواقع دون اكتراث بالقانون الذى كان يطبق فقط على الضعفاء «المغبونين»، وقد بلغ الأمر قمة السفه فى نظر الكثيرين بعد التزوير المتبجح لانتخابات مجلس الشعب 2010، وبلوغ الأمر حد التخطيط الصريح لتوريث جمال مبارك عرش أبيه! كان ثمة أيضاً شعور بالضجر يعترى أبناء تلك الشريحة من الطبقة الوسطى جرّاء ضياع كرامة مواطنين أمام جهاز الشرطة على وجه التحديد، فى الشارع أو فى الأقسام، وفى شتى مناحى الحياة العامة، كان يكفى جداً أن يكون لك «دبورة» فى الشرطة حتى يصبح بإمكانك إذلال وإهدار من تريد. وقد وصل الأمر إلى قمة العته حين قام مخبران بقتل الشاب خالد سعيد جهاراً نهاراً فى الشارع وأمام الناس، وحتى لو كان «خالد» -رحمه الله- متهماً بتعاطى أى نوع من المخدرات، فإن ذلك لم يكن ليبرر قتله فى الشارع، وإلا فأين القانون؟ وقد كان أن أثارت هذه الواقعة حفيظة الكثيرين. أما السمة الثالثة المتمثلة فى إهدار الطبقة الفقيرة، فقد تعددت وتنوعت المؤشرات الدالة عليها، فلم يعد الأمر مرتبطاً بسحق مستوى معيشة هذه الطبقة إلى حد الأكل من القمامة والسكن فى القبور، بل تعدى ذلك إلى استرخاص حياتهم والسماح بقتلهم، حرقاً وغرقاً وأسفل صخور الجبال، ناهيك عن قتلهم بالأغذية المسرطنة والمياه الملوثة، وعلينا ألا ننسى أن الكثيرين من أفراد الطبقة الوسطى يرتدّون بجذورهم إلى الطبقة الفقيرة. كذلك تكامل مثلث التخمير للخروج ضد نظام «مبارك» فى عقل ووجدان تلك الشريحة من أبناء الطبقة الوسطى، فقررت الثورة عليه، مدفوعة فى ذلك بعاملين: أولهما الوعى بالظلم والإحساس به، وثانيهما الارتكان إلى بعض المدخرات التى كانت تمكنهم من تحمل وقف الحال فى البلاد لبعض الوقت من أجل إنجاز الهدف الأكبر فى التغيير. ظلت هذه الشريحة تراقب تلك الدعوات للخروج ضد نظام مبارك التى شاعت وانتشرت بعد ثورة تونس، وعندما حانت اللحظة انطلقوا إلى الشوارع والميادين بإخلاص واضح لفكرة التغيير والإصلاح، ونقاء ظاهر أدى إلى دفع الكثيرين إلى النزول وراءهم، ونية خالصة لله وللوطن رسمت صداها فى تلك اللوحة الرائعة التى نسجتها الكتل البشرية التى جمعها «ميدان التحرير».