الطبقة الوسطى رمانة الميزان داخل كل المجتمعات. قاعدة أظن أن الكل يتفق عليها. فالطبقة الوسطى داخل أى مجتمع هى أصل الشرور، وهى أيضاً أساس التغيير والإصلاح. إنها رأس «السمكة الاجتماعية»، فإذا فسدت فسد المجتمع، وينصلح إذا انصلحت، لأن السمكة كما تعلم تفسد من رأسها. إذا مالت الأخلاق أو اعتدلت داخل مجتمع ففتش عنها، لأنها القادرة على تمييع الأصول والمبادئ والقيم، وهى فى الوقت نفسه القادرة على التمسك بها وصيانة خصوصيتها. إذا انتشر الاستهلاك أو تراجع فى مجتمع فابحث عنها، لأنها سر المكسب والخسارة، فهى أكثر اتساعاً من الطبقة المخملية، وهى أيضاً الأكثر قدرة من الناحية الشرائية عند مقارنتها بالطبقة الفقيرة. إذا سادت روح التغيير أو الخنوع ضع عينك عليها، لأنها الطبقة الأكثر وعياً وتعليماً إذا قورنت بالطبقة الأقل حظاً، وهى الأكثر مصلحة فى تثبيت أو تغيير الأوضاع، لأنها تستفيد من ذلك أكثر من الجميع. مشكلتها الأساسية أنها طبقة مهزوزة، لأنها بين بين، أو دائماً ترقص على السلم الاجتماعى، لا الفقراء «بيشوفوها»، ولا أبناء أرستقرطية السلطة «بيسمعوها»! وذلك سر من أسرار أدائها فى ثورة يناير التى عكست السنين الأربع الماضية كل معالم تأرجح واهتزاز أبناء هذه الطبقة. يخطئ من يظن أن الذين قاموا بثورة 25 يناير 2011 هم الشباب، تلك واحدة من الأساطير التى صنعها أعداء هذه الثورة كخطوة من خطة حاولوا فيها إجهاضها. من قام بالثورة هم قطاع كبير من أبناء الطبقة الوسطى. هذه حقيقة ترقى إلى مستوى البديهية بالنسبة لمن شاركوا فى هذه الثورة وعاصروا أيامها الثمانية عشر، وانداحوا فى «ميدان التحرير» الذى شكل رمزاً لها. مؤكد أن من ذهب إلى الميدان خلال أيام الثورة المجيدة لمح تلك الوجوه والأخلاقيات ونمط الأداء والسلوك الذى عكس الشريحة الأكثر أصالة من أبناء هذه الطبقة، رجال ونساء تتأرجح أعمارهم ما بين الأربعين والستين، وشباب وفتيات كثر، توهم البعض من كثرتهم أنهم أصحاب الثورة وصناعها، رغم أنهم لم يكونوا أكثر من مشاركين لآبائهم وأمهاتهم من أبناء هذه الطبقة، وكانوا الأكثر قدرة على الحركة والمواجهة، لكنهم فى كل الأحوال كانوا جزءاً من شريحة الطبقة الوسطى التى ثارت فى يناير. لم يشارك كل أفراد الطبقة الوسطى فى الثورة، وتحديداً تلك الشريحة من الطبقة التى سبق أن التحمت مع الأرستقراطية الحاكمة طيلة عصر مبارك، واستفادت منها كثيراً، وحققت عبرها العديد من المكاسب، وقد لا أبالغ إذا قلت إن هذه الشريحة كانت شريكة للسلطة فى حالة الفساد التى أصابت المجتمع والدولة فى مصر عبر عدة عقود. هذه الشريحة كانت تعجبها الأوضاع القائمة لأنها كانت مستفيدة منها ومن بقائها واستمرارها، وقد مكث أغلب أفرادها فى البيوت واكتفوا بمشاهدة أحداث الثورة عبر شاشات التليفزيون، ولما تيقنوا من انتصارها يوم 11 فبراير نزلوا الشارع يرقصون مع الراقصين، ويهللون مع المهللين. هذه الشريحة من الطبقة الوسطى ساهمت بعد ذلك بجدية فى محاولات إجهاض الثورة، ومثلت الوجه الآخر لتلك الشريحة التى صنعت الثورة من أبناء هذه الطبقة.. مش بقولك مهزوزة!