رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب طالب المصريين بالتهدئة والإقلاع عن المظاهرات والإضرابات لمدة معينة حتى يعود الاستقرار والهدوء إلى البلاد، وشاركه فى هذا المطلب المستشار عدلى منصور الرئيس المؤقت للبلاد. لا بأس؛ الشعب هو الآخر يريد الاستقرار، لكن يبقى أن هناك ثلاثة مفاهيم مختلفة للاستقرار تتبناها الطبقات الثلاث التى تتوزع عليها جموع المصريين، وأقصد بها: الطبقة المخملية والطبقة الوسطى والطبقة الفقيرة. الطبقة المخملية لا ترى فى المظاهرات والإضرابات والاعتصامات أكثر من صداع أفرزته ثورة يناير 2011، صداع تزيد وطأته بسبب النفخ فى النار الذى يقوم به بعض البرامج التليفزيونية، ومن يطلق عليهم نشطاء الثورة، الأمر الذى أربك الحياة بمصر وحرم هؤلاء من الاستمتاع بما توافر لديهم من ثروات، فتجد بعضهم يشتكى من عدم القدرة على الذهاب إلى المنتجعات بسبب إحساسه بعدم الأمان، أو شراء ماركات معينة من السيارات أو توافر قطع غيارها بسبب حالة الكسل التى انتابت السوق، أو حتى الحصول على طعام لما لديهم من قطط وكلاب بسبب أزمة الدولار. الاستقرار بالنسبة لهؤلاء يعنى القدرة على «حلب» المزيد من الفلوس و«استحلاب» المزيد من المتع. ويعنى الاستقرار بالنسبة للطبقة الوسطى هدوء الأوضاع بالصورة التى تؤدى إلى استمرار التدفقات الاستثمارية وتوسع نشاط القطاع الخاص الذى يعد بالنسبة لكثير منهم البيئة الحاضنة لما يحصلون عليه من دخول. استقرار الأوضاع يعنى بالنسبة لهم إتاحة الفرصة للطبقة المخملية لمواصلة الاستثمار لأنهم يعملون لديها ويحصلون على رواتبهم منها. إنهم يريدون للأمور أن تهدأ حتى يأمنوا على أولادهم وهم ذاهبون إلى المدارس، وحتى يتمكنوا من الحصول على الدخل الذى يوفر لهم الدروس الخصوصية، ويساعدهم على الإنفاق على تعليمهم فى المدارس ثم الجامعات الخاصة، تمهيداً لتسكينهم فى وظائف شبيهة بتلك التى يعملون فيها. والطبقة الوسطى -خلافاً للطبقة المخملية- أمْيَل إلى الانشغال بالسياسة والاستغراق فى نقاشات وجدالات كبرى حول قضايا وأحداثها وأداء الطبقة التى يعلمون عندها وتأثيرها على الأوضاع فى البلاد! تعالَ بعد ذلك إلى الطبقة الفقيرة، لتجد أن أبناءها يحلمون هم الآخرون بالاستقرار الذى يحمل بالنسبة لهم معنى «فموياً» خالصاً. فالاستقرار لدى هذه الطبقة يعنى أن يجدوا ما يطعمونه، لا يحلمون بالعيش فى مساكن آدمية، ولا بتعليم أبنائهم تعليماً جيداً، أو توظيفهم فى مواقع متميزة. لا يريدون أكثر من العيش، تجد أفراد الأسرة كلها يكدحون النهار كله من أجل توفير الطعام، ويتحقق الاستقرار بالنسبة إليهم بمجرد امتلاك ما يملأ المعدة. إذن نحن أمام ثلاثة مفاهيم مختلفة للاستقرار تحتاج إلى نوع من التصالح فيما بينها. وجوهر هذا التصالح يرتبط بإرضاء الطبقة الفقيرة التى لا تريد سوى الحياة. أبناء الطبقة المخملية لا بد أن «يخفّوا» من عمليات السلب والنهب لخيرات هذا البلد بالحق وبالباطل، حتى يتوافر للفقراء ما يؤمّن لهم حداً أدنى من المعيشة، وأبناء الطبقة الوسطى مطالبون بالتوقف عن «الطرمخة» على فساد الطبقة المخملية، وأن يفهموا أن السياسة عمل من أجل الفقراء: «ملح الأرض».. الصلح خير!