رغم أن ثمة كتلة متماسكة من المصريين ساهمت فى إزاحة الإخوان عن الحكم فى 30/6، فإن بعض مناصرى هذه الموجة الثورية أرادوا تفريغ الكتلة الرئيسية من «ثوار يناير»، وبدأوا فى التأسيس لشرعية جديدة ملخصها أن 30/6 هى الثورة الحقيقية وأن 25 يناير مؤامرة. كانت كلمة السر فى شيطنة ثورة يناير وتذويب شرعيتها هى «المؤامرة». وفى تقديرى أن أصحاب هذه النظرية لم يتمتعوا بالدرجة المطلوبة من الموضوعية، حين لم يلتفتوا إلى أن فساد أفراد أو حركات تحسب نفسها بالحق أو بالباطل على يناير لا ينفى عنها أنها «ثورة شعب» شارك فيها ما يقرب من 18 مليون مصرى، ليس من المنطقى أن يُدمغوا جميعاً بالخيانة والتآمر على وطنهم. وفى مواجهة الهجمة الإعلامية على الثورة، بدأ الكثير من «الينايرجية» يقفون على يسار السلطة، وسيطر على بعضهم إحساس بالانكسار، وهم يسمعون من يعايرهم بأن ثورتهم أدت إلى وصول الحكم للإخوان! وهذا الكلام حق فى جانب، لكنه -يقيناً- حق يراد به باطل. فسياق ما بعد 11 فبراير هو الذى دفع بالإخوان إلى الحكم، وليس من ثاروا ضد «مبارك». أمام هذا المشهد «الصراعى» آثر الرئيس عبدالفتاح السيسى أن يسير فى الطريق الوسط بين الثورتين، أو قل ربما فضّل الرجل أن يختار طريقاً ثالثاً، طريق الدولة القوية التى ترتبط باسمه ورهاناته الشخصية طبقاً لرؤيته الخاصة، لكن المشكلة أن أداء بعض المؤسسات التى تجتهد فى شيطنة يناير ووصفها بالمؤامرة أحياناً ما يكون مطلوباً من الرئيس تحديد موقف معين منه، لقد كان «السيسى» يتساءل، خلال حملته الانتخابية: «هوه ماينفعش نقول الثورتين مع بعض؟»، فى محاولة منه لفض الاشتباك، لكن المشكلة أن بعض المؤسسات لا ترضى بذلك. ثمة مشاهد فارقة تدلل على ما أقول ترتبط بجلسات إعادة محاكمة «مبارك» ورجاله. من بينها ذلك المشهد الذى خرج فيه «حبيب العادلى» ورجاله يحاضرون لنا بما قال الله وقال الرسول، ويصفون ثورة يناير بالمؤامرة التى حيكت ضد مصر، ثم كان مشهد خطاب «مبارك» الذى واجه فيه المصريين بلغة «رئيس عامل» وليس رئيس «مخلوع»، ولم يتردد هو الآخر فى نصب سيرك المؤامرة التى وقعت فى يناير. كان المصريون يتابعون هذه المشاهد، ومنهم من يقر بما تردد فيها من كلام، ومنهم من يتعجب، ومنهم من يمتعض، لكن الانزعاج أصاب بشكل خاص الذين ثاروا ضد مبارك فى يناير. فملخص ما قيل فى هذه الخطب والكلمات هو أنهم تآمروا على بلادهم حين ضجوا من حكم «مبارك» القائم على الفساد والاستبداد. يؤكد الرئيس «السيسى» أنه لا يتدخل فى أحكام القضاء، وأن القضاء سلطة مستقلة عن باقى سلطات الدولة، والقاضى من ناحيته يحكم بناء على ما يتوافر له من أدلة وبراهين، وتأسيساً على العقيدة التى تستقر فى عقله ووجدانه نحو المتهم. وهو فى كل الأحوال يحكم بالقانون، لكن علينا ألا ننسى أن الشعب هو مصدر الحكم، وقد سبق وحكم هذا الشعب على مبارك ورجاله فى 25 يناير 2011!