مع اقتراب خارطة المستقبل من تمامها بإجراء الانتخابات التشريعية المنتظرة بعد شهور قليلة، بدأت الدعوات إلى تشكيل تحالفات انتخابية بغرض تأمين الحصول على نسب معتبرة من مقاعد مجلس النواب المقبل. وتجمع مشاريع تلك التحالفات خليطاً من الأحزاب والقوى السياسية وشخصيات عامة لا تجمعها رؤى سياسية مشتركة ولا أعلنت عن برامج توحد بينها ولا اتخذت فى غالب الأحيان مواقف سياسية موحدة أو حتى متقاربة، ولكن ما يجمع تلك الأحزاب والقوى السياسية والشخصيات العامة هو التطلع للفوز بأكبر حصيلة ممكنة من المقاعد فى المجلس المقبل بهدف تشكيل كتلة سياسية قادرة على التأثير فى مجرى الأحداث السياسية والتشريعية من خلال التمكن من تشكيل حكومة أغلبية أو حكومة ائتلافية بحسب الأحوال، وبغض النظر عن أن ما يفرق بين تلك الأحزاب والقوى والشخصيات السياسية أكثر كثيراً مما يجمع بينها. ويجرى الصراع على تكوين تلك التحالفات الانتخابية تلبية لرغبات وأهداف، وفى كثير من الحالات أهواء الرؤساء والقيادات الحزبية والسياسية وليس انطلاقاً من اقتناع وقبول القواعد الأساسية فى تلك الأحزاب والتكوينات المجتمعية الساعية إلى تكوينها. كذلك لا تعبر المشاركة المحتملة فى التحالفات التى تتم الدعوة إليها عن التوافق بين الشخصيات العامة غير الحزبية التى ترددت أسماؤها فى الآونة الأخيرة فى مجال السعى لتشكيل تحالفات أو تيسير عملية تأسيسها أو فى معرض تعداد المشاركين فيها، اختلف الداعون إليها فى الاتفاق على أسمائها أو تحديد أهدافها أو برامجها. ومن أسف أن تلك التحالفات الجارى الاختلاف حولها تتمسح فى مقولتين تترددان فى أحاديث المؤيدين لها، إما تصريحاً وإما تلميحاً. والمقولتان هما من نوع الحق الذى يراد به باطل؛ إذ المقولة الأولى تنطلق من الترويج لفكرة تشكيل ظهير سياسى قوى فى مجلس النواب المقبل يساند الرئيس السيسى ويدعم رؤيته للمستقبل التى أعلنها قبل أيام من فوزه بالمنصب الرئاسى. والرد على تلك المقولة أن المصريين لم يكونوا بحاجة إلى تحالفات حزبية حين خرجوا فى ثورة 30 يونيو ويومى 3 و26 يوليو 2013 ونجحوا فى إنهاء حكم الإخوان الإرهابيين بمساندة القوات المسلحة. إن المصريين حين بهروا العالم بموافقتهم على دستور 2014 وحين اختاروا المشير السيسى ليكون مرشحهم فى الانتخابات الرئاسية وحين انتخبوه بأغلبية غير مسبوقة محلياً أو عالمياً، لم يكونوا بحاجة إلى تحالفات حزبية أثبتت فشلها على الدوام، وكان بعض الداعين إليها من المتعاونين مع الجماعة الإرهابية، ومنهم من ترشح على قوائم حزب الإرهاب «الحرية والعدالة» وفاز بمقعد فى مجلس شعبهم! من ناحية ثانية، فإن المشير السيسى حين طالب بأن يكون له ظهير سياسى إذا تولى الرئاسة لم يطلب ذلك من أحزاب أو قوى سياسية تسعى إلى تكوين تحالفات علها تعوض غيابها عن الشارع السياسى وعجزها أن تقنع جماهير الناخبين بقدرتها على الفعل والحركة، بل كان طلب المشير موجهاً إلى الشعب صانع الثورتين! من جانب آخر، فإن الرد على المقولة الثانية هو أن الأحزاب والقوى السياسية الذين يطلقون على أنفسهم «النخبة» هم أضعف من أن يواجهوا مؤامرات الجماعة الإرهابية أو منع أفرادها وخلاياها النائمة، أو إقصاء عناصر الحزب الوطنى المنحل من التسلل إلى عضوية مجلس النواب الأول بعد 30 يونيو؛ ذلك بأن حماية الاستحقاق الثالث والأخير من خارطة المستقبل هى مسئولية الشعب الذى ارتضاها وأقر دستورها الذى صدر باسمه. ولن تفيد تحالفات بين مجموعات غير متوافقة فى مواجهة قوى الإرهاب ولا منع من أفسدوا الحياة السياسية فى عهود الحكم السابقة، وقد كان أعضاء من تلك التحالفات ورموزها من المشاركين فى تلك الحياة السياسية الفاسدة على مر عهود القهر والاستبداد! إن تلك التحالفات المصنوعة على هوى رؤساء الأحزاب والقيادات والنخب المحترفة للعمل السياسى وفى ضوء تناقضاتها واختلافاتها وبعدها عن الجماهير الحقيقية فى ربوع الوطن لن تكون قادرة على خوض معركة انتخابية هى الأخطر فى التاريخ المصرى الحديث. إننا ندعو ملايين المصريين إلى الالتحام فى تحالف حقيقى يجمعهم جميعا ليكون كياناً وطنياً جامعاً للقوى الوطنية المدنية على اختلاف توجهاتها السياسية ورؤاها الفكرية، يتوحد لدعم مفهوم «الدولة المدنية» القائمة على أسس المواطنة وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية. إن الشعب المصرى مدعو إلى تكرار موقفه العبقرى حين كان على قلب رجل واحد فى ثورة 1919 وحين نجح بقراره الشعبى فى تأسيس «الوفد المصرى» ليساند ممثليه فى نقل صوته إلى العالم مطالباً بالاستقلال الوطنى وإنهاء الاحتلال البريطانى! إن تحالف كل المصريين هو تجمع شعبى يضم جميع القوى السياسية الوطنية المناصرة للدولة المدنية والرافضة لممارسات الجماعات الإرهابية أو الساعية إلى تأسيس دولة دينية وتكون مهمته الوطنية الرئيسية هى الدعوة المجتمعية لإنهاض وحشد جهود المواطنين للمشاركة الفاعلة فى أهداف التنمية الشاملة والعدالة الاجتماعية والتحول الديمقراطى التى قامت ثورتا 25 يناير و30 يونيو من أجلها. لقد مارس المصريون «الديمقراطية الشعبية» حين ثاروا على نظام «مبارك» وأسقطوه بعد ثمانية عشرة يوماً، ثم تركوا ميادين الثورة بعدها ليتمكن إخوان الإرهاب والمتصالحون معهم من أحزاب و«نخب» من الاستيلاء على ثورتهم وليقيموا دولة فاشية ثار عليها الشعب فى 30 يونيو بنموذج باهر ل«الديمقراطية الشعبية»؛ حيث مارس حقه فى رفض الطغاة وإسقاطهم واختيار من يتولى القيادة بقرار شعبى بامتياز! إن المشاركة الشعبية فى تحمل المسئولية وصنع القرارات المصيرية والحوارات المجتمعية المباشرة والشفافة فى دولة تبنى على سيادة القانون واستقلال القضاء هى أساس الحكم الرشيد الذى نريده لمصر فى عهدها الجديد.