بورسعيد تعيش أجواء من الترقب والقلق، بعد سقوط أكثر من 75 مصابا بطلقات نارية حية وخرطوش بينهم 5 حالات حرجة نُقلت إلى المركز الطبى العالمى أثناء الاشتباكات التى اندلعت الثلاثاء الماضى بين القوى الثورية وشباب الألتراس من ناحية، وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين وبعض المنتمين للتيارات الإسلامية من ناحية أخرى. زاد من حدة التوتر فى المحافظة رغبة المصابين وأسرهم فى الثأر لأبنائهم وأخذ حقهم من الذين تسببوا فى إصابتهم، فى ظل توقعات بحدوث وفيات لبعض المصابين، الأمر الذى دفع أعضاء حزب الحرية والعدالة لإخلاء مقرهم الموجود فى شارع الجمهورية ونقل أثاثه إلى مكان آخر غير معلوم. وسارعت بعض القيادات الأمنية بعقد اجتماع ضم كافة القوى السياسية والثورية بالمحافظة للاتفاق على التهدئة ووقف أعمال العنف والاشتباكات، ولكن وصول نبأ وفاة أحد المصابين الذين ينتمون إلى شباب الألتراس إكلينيكيا دفع المئات من أصدقائه لمحاصرة مقر الجماعة حتى قيام أحد القيادات الأمنية فى المحافظة بنفى الخبر والتأكيد على سلامة صديقهم. «الوطن» التقت عددا من المصابين فى منازلهم، وحاورت أسرهم التى طالبت بضرورة القصاص لأبنائهم من الذين تسببوا فى إلحاق الضرر بهم، إضافة لتأييدهم للمطالب التى خرج أبناؤهم من أجلها والمتمثلة فى إسقاط الإعلان الدستورى الذى أصدره الرئيس على وجه السرعة حقنا للدماء. ويقول «مؤمن محمد تمام»20 سنة، أحد المصابين بطلق خرطوش: «كنا فى مسيرة سلمية بدأت من جامع العباسى وبعدها تجمعنا أمام مقر الحرية والعدالة للإعلان عن رفض الإعلان الدستورى، وهيمنة الرئيس على مؤسسة القضاء واتفقنا على عدم اللجوء لأعمال العنف، وأكد لنا ضباط الشرطة الموكل إليهم مقر الحرية والعدالة تضامنهم مع مطالبنا وحقنا فى التظاهر السلمى، واستمر الأمر كذلك لمدة تزيد على الساعة تقريبا حتى فوجئنا بوجود عدد كبير من أعضاء الجماعة والإسلاميين فى حديقة فريال المقابلة للمقر وألقوا الحجارة علينا، فاشتبكنا معهم، ثم فوجئنا ببعضهم يطلق الخرطوش علينا من بندقية تسمى «المقروطة» فهرول المتظاهرون إلى الشوارع الجانبية خوفا من الإصابة، ولكن بعد سقوط عدد كبير وأنا من بينهم». طالب المعهد الفنى الصناعى ببورسعيد والابن الأصغر من أسرة مكونة من 6 أفراد أكد على كذب الادعاءات باقتحام المتظاهرين لمقر الإخوان قائلا: «الأمن كان قافل الشوارع الجانبية ومانع حد يوصل هناك وكل الذين تعرضوا للإصابة بطلقات خرطوش كانوا من المتظاهرين، مش معقول هانضرب بعض» وطالب بالقصاص لنفسه من قيادات الحرية والعدالة -الذين ذكر أسماء بعضهم- ويؤكد على لجوئه لأخذ حقه بنفسه فى حالة تراخى الأجهزة الأمنية. وتروى والدة كريم علاء الدين البالغ من العمر 18 سنة قصة الاعتداء عليه، وإصابته بطلق خرطوش فى عينه اليمنى، قائلة: «ابنى كان نايم وانا اللى صحيته علشان ينزل المظاهرة مع أخوه، أولادى ليس لهم انتماء سياسى ويشاركوا فى التظاهر ضد أى قرار لا يأتى فى مصلحة البلد، وأنا أوافقهم على ذلك، ولم أقف أمام رغبتهم فى التظاهر ضد الإعلان الدستورى، إحنا عملنا ثورة علشان نعيش أحرار مش عبيد». يلتقط «محمد» الشقيق الأكبر ل«كريم» طرف الحديث من والدته ويقول: بمجرد خروج المسيرة من مسجد العباسى فوجئنا بآلاف المواطنين ينضمون إلينا، واستقر الرأى على التوجه لمقر الحرية والعدالة للإعلان عن رفضنا لقرارات الرئيس، وتقابلت مع «كريم» أثناء وقوفه أمام حديقة «فريال»، وقبل أن أتحدث معه اقترب منا أحد الشيوخ الملتحين وأطلق علينا طلق خرطوش استقر فى وجهه لكنه لم يصبنى. ويضيف «محمد»: حملته إلى المستشفى الأميرى، ولم يتمكن الأطباء هناك من إسعافه، فأسرعنا إلى أحد المستشفيات الخاصة، وأجرينا أشعة مقطعية أكدت على استقرار شظية فى قاع العين، ثم نقله المسئولون فى مديرية أمن المنصورة إلى مستشفى الرمد وما زال هناك حتى الآن. أسامة عبدالغنى «19 سنة» طالب بكلية الحقوق وأحد المصابين بطلق خرطوش فى ساقه اليمنى، يرى أن سقوط هذا الكم الهائل من المصابين فى صفوف المتظاهرين أمر مدبر من قبل أعضاء الحرية والعدالة فى المحافظة، على حد وصفه، ويتساءل: هل الخروج للتظاهر السلمى ورفض قرارات بعينها تكون نتيجته القمع وقطع الألسنة؟ أما المهندس «مصعب الغبارى» أحد المصابين بجرح نافذ فى الوجه وكدمات بالعين، فهو أحد شباب الإخوان المسلمين الذين ذهبوا إلى المقر لحمايته من المتظاهرين، ويقول: ذهبت إلى مقر الحزب قبل دقائق من أذان المغرب وفوجئت بوجود كم كبير من الحواجز، وعدد كبير من شباب المتظاهرين يلقون الحجارة على المقر، فحاولت ومعى مجموعة من الشباب تهدئة الموقف، لكننا فشلنا فى ذلك، ثم أصبت بجرح كبير فى يدى اليمنى بعد قيام أحد المتظاهرين بإلقاء حجر علىّ، فصعدت إلى المقر لأقوم بتطهيره من الدم، وطلبت من إخواننا الموجودين الاستنجاد بالأمن لحمايتنا، لكنهم أخبرونى بأنهم على اتصال دائم به منذ عدة ساعات. ويضيف: فشلت فى الوصول إلى تهدئة، لأن «المتظاهرين جايين يولعوا فى المقر» بدليل قيامهم برمى زجاجات مولوتوف مشتعلة علينا، لذلك قررت الاشتباك معهم لردهم عن «بيتنا» -يقصد مقر الحرية والعدالة- بعد أن تناولت تمرة وكوب ماء شققت بهما صيامى، لكن ما هى إلا دقائق معدودة حتى فقدت الوعى بعد إصابتى بحجر فى وجهى، ولم أفق إلا فى المستشفى.