الابتسامة تعلو وجهه، والاطمئنان عرف طريقه إلى قلبه، بعدما استقر فى يقينه أن ما كان مقدراً قد زال، ليلة كاملة قضاها فى تخمين ما ستؤول إليه الأوضاع فى ذلك المكان الذى يتخذه مستقراً له، «بيقولوا فى مظاهرة كبيرة أوى فى الميدان ده» سمعها «عاطى عبدالرحيم» عسكرى المرور بميدان جامعة القاهرة قبل أيام من أحد سائقى النقل، فوقع قلبه فى قدميه، فالمظاهرات لا تمثل له سوى ذكرى أليمة عن حكاية «واد عمه» عبده الذى كُسرت ذراعه وسُرقت بندقيته فى «جمعة الغضب»، غير أن خبراً أعلنه «الضابط» قائدهم فى الكتيبة -الكائنة فى الكيلو 10.5 بطريق إسكندرية الصحراوى- بإلغاء المليونية، أعاد الأمور إلى طبيعتها. كل ستة أيام يغير «عاطى» مكان خدمته، وقف فى إشارة الدقى والجلاء وأبوالنمرس فيما استقر به الحال فى ذلك الميدان المطل على حديقة الحيوان الذى كان مقرراً له أن يشهد مليونية لجماعة الإخوان المسلمين تأييداً للإعلان الدستورى الذى أصدره الرئيس محمد مرسى، لا يعرف ابن مركز دار السلام بسوهاج ماهية القرارات إلا أنه يعارضها فقد نمى إلى سمعه أن الرئيس قد ألغى المحاكم «المشكلة إن حدانا فى البلد التار على ودنه.. كده هتكون فى مشكلة.. عشان مفيش قاضى يفصل بين الناس»، «أجرى على طول» هو ما كان مقرراً أن يقوم به «عاطى» حال حدوث اشتباكات فى وجود المليونية «الملغاة» حسب تعليمات الضابط المناوب. يشير «عاطى» للسيارات بالمرور فيناغشه سائق «إيه يا دفعة إنت بتعمل انقلاب عسكرى ولا إيه؟»، لا يهتم ابن الصعيد بما يدور فى أروقة السياسة، فميدان التحرير والقاهرة الكبرى بأثرها لا تمثل له سوى مكان يقضى فيه عامى الخدمة، قبل سبعة أشهر دخل «عاطى» دنيا جديدة، أكثر ما يغضب الشاب العشرينى هو عدم احترام البعض لعمله «الناس بتعدى تشتم ع الفاضية والمليانة وده مش ذوق»، لذا يحلم «عاطى» باليوم الذى يعود فيه إلى أرضه الزراعية يفلح ويزرع فيها بدلاً من الوقفة فى إشارات المرور.