(ربنا يخضر لك) هو الدعاء الأثير بين الفلاحين وهو أيضاً دعاء العاملين لصاحب الحقل، وهذا الدعاء هو الأكثر انتشاراً بين هذه الطائفة، والمقصود به أن تصير البذور والشتلات التى أُلقمت أو ألقيت فى الأرض خضراء ويانعة. يبدو جميعهم متفقين على أن غاية الزراعة فى مصر هى اكتمال الإنبات والاخضرار لا الكسب ولا العيش الكريم منها نتيجة الجهد الذى بذل فيها! السيد رئيس الوزراء وحكومته أيقنوا ذلك وتيقنوا من رضا الفلاحين وصبرهم وصمتهم على الأقدار الحكومية فخرجوا عليهم بحيلة ظاهرها المال وباطنها الخراب! إذ أعلن المتحدث باسم مجلس الوزراء قراراً فى إطار دعم محصول القمح بدعم مزارعيه بمبلغ 1300 جنيه عن كل فدان على أن تتسلم الحكومة القمح بالسعر العالمى وإمعاناً فى النصاحة! قررت أن يكون هذا السعر العالمى بسعر الدولار فى البنك المركزى وليس كما يشتريه المواطن من السوق، حيث إن البنك لا يبيع الدولار إلا لمن رحمه الله وبشهادات موثقة. فلتعلن لنا الحكومة بوضوح إن كان هدفها الخلاص من زراعة القمح وأنها تفضل المستورد لأنه أرخص رغم أنها تخلط قمح المصريين هذا بالقمح السيئ الذى تستورده لتقلل رداءته ويمكنها من تمريره إلى البطون الغاضبة. وفى زراعة واستيراد القمح قال الروائى الكبير صنع الله إبراهيم إن حكوماتنا لن تكف عن استيراد القمح ولا عن التضييق على زارعيه لأن أسماءً نافذة تستورده! لماذا القمح بالذات الذى تريد حكومتنا الرشيدة أخذه من الفلاح بالسعر العالمى؟ فلتأخذ الأرز معه إذن بالسعر العالمى (فى الكاميرون مثلاً يباع الأرز المصرى ب32.800 ج لأنه مطلوب بينما الأرز الهندى والتايلاندى يعادل 13000ج) وإذ تبحث عن العالمية فلماذا لا تقدم للفلاح دعماً كالذى تقدمه الحكومات الأخرى لمزارعيها؟ ينتج فدان القمح فى مصر حوالى 15 أردباً، وقدرت «الأهرام» تكلفة إنتاجه هذا الموسم ب370 ج، وكانت الحكومة تشتريه منذ 4 سنوات حسب نقاوته بسعر 400 - 420 ج، ورغم زيادة أسعار السماد والسولار بمعرفة الحكومة نفسها فضلاً عن زيادة أجور العمالة والآلات الزراعية فإنها لم تُزد السعر بل خرجت على مواطنينا المنتجين بقرار يدل على عدم معرفة تام أو ظلم تام أو (استعباط) تام، إذ إن سعر الأردب عالمياً 240ج وإذا قسمنا دعم أو (طُعم) الحكومة 1300ج على إنتاج الفدان (متوسط 15 أردباً للفدان) أى 86 ج للأردب يصبح سعره بعد القرار الحكيم 326ج، أى أقل من سعره فى السنوات السابقة! سياسة الخلاص الحكومية هنا تطابق ما تفعله فى القطن، فقد بددت حكومات مبارك ومن تلاها من حكومات السياسات القطنية (زراعة وحلجاً ونسجاً) فمن أجل الخصخصة والنهب بيعت المحالج ومصانع الغزل والنسج وسُرح العمال، مقابل فتح أبواب الاستيراد للأقطان وللغزول للمنتفعين الموالين! وبينما كانت مصر تزرع حوالى مليون فدان فى 1991 صارت 248 ألف فدان هذا العام، وبينما كنا ننتج 6.3 مليون قنطار شعر عام 2001 صار 1.9 مليون قنطار فى 2010 ثم 1.4 مليون قنطار شعر فى 2014، مع ملاحظة أن إنتاجية الفدان زادت بنسبة 42% (إسرائيل تنتج 12-16 قنطاراً/ ف) هذا يعنى بطالة أكثر وخسائر أكثر. وحسناً فعلت الحكومة (رغم أن هذا حل مؤقت ولا يؤسس لسياسة زراعية) إذ أعلنت أنها ستأخذ القطن بسعر 1100 ج/قنطار، ولكن أحد أعضاء مجلس النقابة المستقلة للفلاحين صرخ فى تصريح ب«الوطن» يتهم الحكومة بأنها لم تشتر شيئاً وتركت الفلاحين فريسة للتجار الذين يشترون بأبخس الأثمان لتصديره إلى تركيا بكميات هائلة. إننا نفهم فعل الحكومة فى إطار أن ليس لديها مشاريع للإنتاج ودعم الصناعات النسيجية وإعادة إحيائها ومنع تسريح عمالها، فى قلب الحكومة سياسة وأهداف أخرى تراها بعينيك على الأرض وتخالف ادعاءاتها. هل تتصور أنها بمحاربة إنتاج القطن والقمح والأرز والفلاح والصانع والمنتجين عموماً ستنجح فى أى عمل اقتصادى أو مالى أو سياسى أو حتى أخلاقى؟!