تحدثنا الأسابيع الماضية عن أزمة السيولة الحادة التى تعانى منها شركات الإنتاج وذلك لتكدس رؤوس أموالها فى هيئة ديون وشيكات بدون رصيد لدى المحطات الفضائية الخاصة بل ولدى اتحاد الإذاعة والتليفزيون مما جعل خزائن تلك الشركات شبه خاوية لا تجد السيولة التى تضخها هذا الموسم والمواسم المقبلة فى مسلسلات تليفزيونية. وتطرقنا فى حديثنا الأسبوع الماضى عن خطورة المسلسلات التركية التى غزت الشاشات العربية والمصرية بل والمسلسلات الهندية والصينية والكورية التى يتم عمل الدوبلاج لها هذه الأيام على قدم وساق تمهيداً لأن تنتشر انتشاراً سرطانياً على الشاشات العربية والمصرية.. وكل ذلك بالطبع خاصة مع تدنى أسعار شراء هذه المسلسلات يضرب المسلسلات المصرية فى مقتل. ولكن؛ كيف بدأت ظاهرة انتشار المسلسلات التركية المدبلجة وكيف تنامت هذه الظاهرة؟ فيما أعلم أن تلك الظاهرة بدأت بوادرها منذ أقل من خمس سنوات عندما اشترى بعض الموزعين اللبنانيين والسوريين حق عرض مسلسل «نور» الشهير بمهند وعدة مسلسلات تركية قليلة على الشاشات التليفزيونية بمنطقة الشرق الأوسط.. وفيما أعلم أن تلك المسلسلات كانت تباع للقنوات الفضائية العربية والمصرية بأقل من ثلاثة آلاف دولار للحلقة «للقناة الواحدة»، وقد تسبب نجاح مسلسل «نور» فى البيوت العربية والمصرية فى تكالب القنوات العربية والمصرية على شراء المسلسلات التركية حتى أصبح عدد ساعات ما تبثه هذه القنوات من المسلسلات التركية أضعاف ما تبثه من المسلسلات المصرية.. وكما فوجئت شركات الإنتاج التركية بنجاح مسلسلاتها فى المنطقة العربية وخطفها الأضواء والجمهور من المسلسلات المصرية استوعبوا النجاح سريعاً وضخوا عشرات المسلسلات مئوية الحلقات للشاشات المصرية والعربية، ولأنها تجارة وبيزنس، فقد بدأت الأسعار تتصاعد رويداً رويداً حتى أصبح أقل سعر للحلقة فى المسلسل التركى للعرض فى قناة واحدة لا يقل عن عشرة آلاف دولار، بل ووصل سعر الحلقة فى بعض المسلسلات التركية إلى خمسين ألف دولار.. بل وأصبحت مزادات يتم إقامتها فى تركيا بين الموزعين العرب للفوز بحق عرض المسلسلات التركية على الشاشات العربية والمصرية، وقد أكد لى أحد كبار هؤلاء الموزعين أن إنتاج شركات الإنتاج التركية عن عام 2013 قد تم حجزه وشراؤه مقدماً بالكامل.. بل وما يقرب من نصف إنتاج عام 2014، وذلك لأن جميع القنوات الخاصة والعامة فى جميع أرجاء الوطن العربى ومصر تتكالب على المسلسلات التركية. إذن، نحن أمام غزو لا أدرى إن كان ممنهجاً أم عشوائياً من قبل المسلسلات التركية لشاشاتنا العربية والمصرية، وأمام منافس شرس للمسلسلات المصرية باهظة التكلفة والتى أصبحت المحطات الفضائية «مصرية وعربية» تعزف عن شرائها فى نفس الوقت الذى تتنافس لعرض المسلسلات التركية، «ثم الهندية والصينية والكورية القادمة قريباً». وهذا لا يعنى جودة المسلسلات التركية وتفوقها على المسلسلات المصرية، فقد تابعت مرغماً «كى أفهم وأستوعب ما يحدث» العديد من المسلسلات التركية وفوجئت بمستواها الدرامى الضحل وما تحتويه من مط وتطويل لدرجة فقع المرارة وما تحتويه من قضايا ومواضيع لا تصلح للأعمال الدرامية التى تدخل البيوت وتشاهدها الأسر.. وللحديث عن هذا الجانب بقية الأسبوع المقبل بمشيئة الله سبحانه وتعالى.