من المستحيل إحصاء آلهة المصريين القدماء! كانت الاختيارات وافرة متاحة أمام المصرى القديم، لدرجة أنه لم يرتبط بإله واحد، وحين يدعو فإنه يدعو الكُثر (أدعو آمون رع، ملك الآلهة، وموت، وخوت، وخونسو، وكل آلهة طيبة أن يعيدوك سالماً). كان لا بد لهذا العدد من الآلهة من كهنة وخدم وموظفين لمعابدهم. وكان كل مجتمع وكل إله وكل كهنة الإله يؤكدون أن إلههم هو الأفضل، وهو الأعلى، وهو أب الجميع، بمن فيهم الآلهة الأخرى، ورغم ذلك كان اتصال المصريين بالمعابد محدوداً، إلا فى الفناء والساحة الأولى والثانية فى الاحتفالات الخاصة! الملك هو الإله الأول، وفى العصر المتأخر عُبدت أشخاص وزراء مثل إياح ححتب وإموحتب رب الطب والهندسة، وأُقيمت لهم معابد وقدّمت لهم قرابين كغيرهم من الآلهة، كآمون ورع وبتاح وغيرهم. كان الاحترام متبادلاً بين الجميع، الإله وكهنته وعباده، حتى لو تم الانتصار على الجماعة الأخرى وإلهها، فإن ذلك لا يعنى إكراه المنهزمين على عبادة المنتصر، ولا طمس معالم الإله المهزوم وهدم معابده، بل قد يتم التوحُّد معه! لكن إخناتون عندما أعلن آتون إلهاً واحداً ومعبوداً رسمياً، بدأ فى هدم معابد وآثار منافسه الرئيسى آمون، لكن أمره لم يستمر طويلاً. كان عدد الكهنة الذين يتحلقون ويعملون فى خدمة الإله وسماع طلبات الشعب كبيراً، واختلفوا عن سائر الكهنة فى البلاد الأخرى الذين كانوا يطلقون شعرهم، بينما كانوا يحلقونه، وكان ذلك بدافع الحرص على النظافة أهم ما يُشترط فى الكاهن الذى كان يُسمى فى أول مراتب الكهانة الطاهر أو المطهّر، وكل يومين يحلق الكهنة أجسامهم بأكملها، ويلبسون ثياباً بيضاء من الكتان فقط، وأحذية من البردى حتى يسهل تنظيفها ومحظور عليهم غير ذلك إلا قليلاً، ثم إنهم يغتسلون مرتين كل نهار بالماء البارد ومرتين بالليل. كان الملك يعيّن كبار الكهان (إن الآلهة أعدت لى السبيل والملك هو الذى أرسلنى لاجتلاء طلعة الإله)، أما اختيار الكهنة فقد كان يتم وفق إجراءات أخرى، وكان الأغلب أن يورث الكاهن عمله لابنه أو من يوصى به قبل موته، وهناك سلسلة من سبعة عشر كاهناً ينسبون إلى كاهن بعينه، وتشير نصوص فرعونية إلى ابتياع المناصب الدينية، خاصة فى وظائف صغار الكهنة أو الكهنة الخدم. كان الكهنة يتمتعون بامتيازات ليست بالقليلة، فهم لا يستهلكون ولا ينفقون من مالهم الخاص شيئاً، بل يُصنع لهم خبز مقدّس، ويصيب كل منهم يومياً كمية كبيرة من لحم البقر والأوز وخمر من العنب، وكان الملك والأمراء يغدقون عليهم لإرضائهم وإرضاء الآلهة، ثم إن كل غنى وفقير كان يقدّم القرابين والأضاحى للإله، وكانت دخول وإيرادات المعبد خاصة بإشباع الإله، لكن بعد أن يشبع فإنها كانت تقسّم بين الكهنة والعاملين بالمعبد، ولندلل على ثراء الكهنة فقد كان 2% من سكان مصر عبيداً لهم، كما امتلكت المعابد 15% من المساحة المنزرعة، وهناك بحث اعتمد على اللوحات ونقوش المعابد والنصوص الفرعونية يُدلل على أن كهنة وخدم المعابد كانوا أكثر الناس التهاماً للطعام، وظهرت عليهم التخمة والسمنة بسبب كثرة الطعام ونوعيته (لحوم وفاكهة وجعة)، التى كانوا ينصحون المصريين بتقديمها كقرابين للآلهة، وتشير الدراسة إلى أن سنى وفاتهم كانت بين الأربعين والخمسين. ازدادت قوة الكهنة ونفوذهم السياسى لدرجة أنهم خلعوا على أنفسهم ألقاباً ملكية، وكمثال فإن حريحور الذى صار كبير الكهنة عن طريق الانخراط فى السلك العسكرى، يختلف الباحثون على أنه صار أول كاهن يتولى العرش، أو أنه كان الملك الحقيقى فى عهد رمسيس الحادى عشر بوصفه نائب الملك ووزير الجنوب، وعموماً فقد صار بى غنجى، ابن حريحور، كبيراً للكهنة خلفاً لأبيه، ثم ملكاً على الجنوب والشمال، ثم أناب «غنجى» ابنه فى الجنوب، فاستولى الحفيد على الحكم من أبيه «غنجى».