الكهنة هم سبب سقوط مصر القديمة، أول دولة فى التاريخ، وهم سبب انحدار أوروبا العصور الوسطى، ولا عجب أنهم سبب تخلف العالم العربى، وسبب النكسة التى أصابت ثورة يناير. ارجع إلى ما سجله لنا تاريخ الأسرات الفرعونية، وتاريخ أوروبا والعالم الاسلامى، وتتبع أسباب سقوط الحضارات والدول، وسوف تجد أن الكهنة هم أول من يتصدرون مشاهد ما قبل السقوط بمكرهم وكيدهم وتعصبهم المقيت. ابحث عن الكهنة لتعرف كيف تتحول الشعوب إلى ألعوبة فى يد حفنة من لصوص السلطة وكهنتهم. ابحث عن عوامل التصدع، وعن نوعيات المعارك الفكرية والمصالح التى يتصارع عليها هؤلاء وسوف يدهشك قدر التشابهات رغم اختلاف الأزمان والأماكن. ابحث عن أصل كلمة «كاهن» وكيف تحول معناها من «الرجل المسئول عن تقديم الذبائح للآلهة» إلى الرجل المحب للذبائح وما لذ وطاب، وكيف تحول من المتحدث باسم «الأسياد» السماويين إلى الرجل الناطق باسم أسياد الأرض. لا عجب أن المذاهب الدينية ارتبطت بالصراعات السياسية، ولا أن كهنة كل مذهب راحوا يكفرون المذاهب الأخرى ويبحثون عن النصوص والتأويلات التى تقنع البسطاء بصحة موقفهم السياسى. فى المعاجم القديمة: كهن أى صار كاهنا، أو صارت الكهانة له طبعا. وتكهن أى نطق بالغيب وكهن له أى أخبره بالغيب. أما فى معجم اللغة العربية المعاصرة فقد صار للكلمة معان جديدة منها: كهَن السيارة أى أحالها للإيداع وأبعدها عن الاستعمال، ومثلها كهن العهدة. أما الكهن بضم الكتاف فتعنى اللؤم ومنها «كهن الفلاحين» أو «كهن النساء»! ارتبط الدين لأول مرة بالسياسة فى مصر القديمة، وزاد هذا الارتباط مع تراخى قبضة الدولة وعدم قدرتها على ضبط الحدود، وعجزها عن توفير حاجات الناس الأساسية، وتولى عدد من الحكام الضعفاء للسلطة...وهو ما دفع هؤلاء الحكام إلى استغلال الدين والكهنة للسيطرة على الشعب وحركات التمرد، ومع الوقت أصبح للأطراف المتنافسة على السلطة كهنة مختلفون...وأصبح للكهنة سلطة تزيد على سلطة الحكام أحيانا، وكانت هذه تحديدا تمثل «نقطة الانكسار» التى يتتبعها بالضرورة الانهيار.. وتروى لنا قصة الكاهن الأكبر حريحور من عهد رمسيس التاسع، كيف قام الضابط السابق الذى تحول إلى كاهن بإخماد الثورات والقلاقل الشعبية فى عهده، وكيف استولى على السلطة تدريجيا ليحل محل الفرعون القديم، وكيف سيطر على مخازن الغلال ليتحكم فى قوت الناس ويضمن ولاءهم وأصواتهم، وكيف جمع لأول مرة بين السلطتين الدينية والإدارية، وكانت هذه بداية استيلاء كهنة آمون على الحكم فى مصر وانقسامها إلى دولتين إحداها دينية، فى الصعيد، والأخرى سياسية فى الدلتا، ثم سقوط الاثنتين فى يد الأعداء بعد ذلك. كهنة أمون يملأون الساحة اليوم ويتصدرون المشهد السياسى، ورغم اختلاف هيئتهم وملبسهم وطول لحاهم، إلا أنهم كلهم مجرد كهنة يخدمون أسيادهم ومصدر ثرواتهم الآتية من الفساد الداخلى أو التمويل الخارجى أو الاثنين معا. كهنة آمون، ابشركم، سيقودونكم إلى الهاوية، سواء العسكريين منهم أو الدينيين، ولن تخرجوا من الحفرة التى يعدونها لكم إلا بثورة أخرى عاتية تحرق الأخضر واليابس فى طريقها. كهنة آمون أسرى مطامعهم ومنافعهم، وهم لديهم من الغطرسة وضيق الأفق ما يعميهم عن رؤية الواقع، ومن التجبر والاحتماء بسلطة السلاح أو سلطة السماء أو الاثنتين معا، ولكن التاريخ يعلمنا أيضا أنه ما «طار كاهن وارتفع...إلا كما طار وقع