انطلاق فعاليات الملتقي التوظيفي السنوى لكلية الزراعة بجامعة عين شمس    التنظيم والإدارة: 59901 متقدم بمسابقة شغل وظائف معلم مساعد مادة    محافظ القاهرة يؤدي صلاة الجمعة بمسجد السيدة زينب    إزالة 30 حالة تعدي بأسيوط حفاظا على الرقعة الزراعية وأملاك الدولة    إطلاق مراجعات الثانوية العامة لمبادرة «تقدر في 10 أيام» بمطروح.. 29 مايو الحالي    توريد 572588 طنًا من القمح لمراكز التجميع بالشرقية    محافظ المنوفية استمرار تلقى طلبات التصالح على مخالفات البناء أيام العطلات الرسمية    تراجع اسعار الحديد بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 17 مايو 2024    تيسير إجراءات استيراد المكونات الإلكترونية للشركات الناشئة بمجال التصميم الإلكتروني    وفد جنوب إفريقيا: نأمل أن تتخذ «العدل الدولية» قرارًا بمنع تفاقم الأوضاع في غزة    إذا هوجمت رفح.. ماذا سيفعل نتنياهو بعد ذلك في الحرب؟    متحدث "فتح": نخشى أن يكون الميناء العائم الأمريكي ممرا للتهجير القسري للفلسطينيين    إصابات إسرائيلية إثر إطلاق 80 صاروخا من لبنان تجاه الجليل الأعلى والجولان    من بوابة «طلاب الجامعات».. بايدن يسعى لأصوات الأمريكيين الأفارقة بانتخابات 2024    كولر: لا نمتلك الأفضلية على الترجي.. ومباراة الغد تختلف عن لقاء الموسم الماضي    وفاة المراسل أحمد نوير.. ماذا كتب قبل رحيله عن عالمنا؟    فرق الصحة المدرسية بالقليوبية تستعد لامتحانات الشهادة الإعدادية    جمارك الطرود البريدية بقرية البضائع تضبط 3995 قرص ترامادول داخل كمبروسر    متحف الطفل يحتفي باليوم العالمي للمتاحف.. غدا    حفل ختام مهرجان المسرح وإعلان الجوائز بجامعة قناة السويس    منهم يسرا وعدوية.. مواقف إنسانية لا تنسى للزعيم عادل إمام يكشفها النجوم    «الصحة» توجه عددًا من النصائح لحماية المواطنين من مضاعفات موجة الطقس الحار    لأطفالك.. طريقة عمل ميني الكرواسون بالشوكولاتة    قافلة دعوية مشتركة بين الأوقاف والإفتاء والأزهر الشريف بمساجد شمال سيناء    لعدم تركيب الملصق الإلكتروني .. سحب 1438 رخصة قيادة في 24 ساعة    بشهادة عمه.. طارق الشناوي يدافع عن "وطنية" أم كلثوم    في يوم الجمعة.. 4 معلومات مهمة عن قراءة سورة الكهف يجب أن تعرفها    "الإفتاء" توضح كيفية تحديد ساعة الإجابة في يوم الجمعة    تفاصيل حادث الفنان جلال الزكي وسبب انقلاب سيارته    الأمن العام: ضبط 13460 قضية سرقة تيار كهربائى خلال 24 ساعة    محافظ أسيوط ومساعد وزير الصحة يتفقدان موقع إنشاء مستشفى القوصية المركزي الجديد    بحوزته 166 قطعة.. ضبط عاطل يدير ورشة تصنيع أسلحة بيضاء في بنها    روسيا: مستعدون لتوسيع تقديم المساعدات الإنسانية لسكان غزة    أحمد السقا عن أصعب مشهد بفيلم «السرب»: قنبلة انفجرت حولي وخرجت سليم    كوريا الجنوبية: بيونج يانج أطلقت صاروخًا باليستيًا تجاه البحر الشرقي    بعد 3 أسابيع من إعلان استمراره.. برشلونة يرغب في إقالة تشافي    برنامج للأنشطة الصيفية في متحف الطفل    ليفربول يُعلن رحيل جويل ماتيب    مصر تفوز بحق تنظيم الاجتماعات السنوية للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في 2027    هل يمكن أن يؤدي الحسد إلى الوفاة؟.. الأزهر للفتوى يجيب    الحبس والغرامة.. تعرف على عقوبات تسريب أسئلة الامتحانات وأجوبتها    مواعيد مباريات الجمعة 17 مايو.. القمة في كرة اليد ودربي الرياض    تأهل هانيا الحمامي لنصف نهائي بطولة العالم للإسكواش    انطلاق قافلة جامعة المنصورة المتكاملة "جسور الخير-21" المتجهة لحلايب وشلاتين وأبو رماد    تقنية غريبة قد تساعدك على العيش للأبد..كيف نجح الصينيون في تجميد المخ؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17-5-2024 في المنيا    انطلاق امتحانات الفصل الدراسي الثاني لطلاب الشهادة الإعدادية بالجيزة.. غدا    حدث ليلا.. أمريكا تتخلى عن إسرائيل وتل أبيب في رعب بسبب مصر وولايات أمريكية مٌعرضة للغرق.. عاجل    يوسف زيدان: «تكوين» امتداد لمسيرة الطهطاوي ومحفوظ في مواجهة «حراس التناحة»    بسبب عدم انتظام الدوري| «خناقة» الأندية المصرية على البطولات الإفريقية !    أستاذ تمويل يكشف توقعاته بشأن ارتفاع سعري الذهب والفائدة    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو 2024    هانئ مباشر يكتب: تصنيف الجامعات!    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    " بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صعود وسقوط دولة كهنة طيبة
نشر في الأهرام اليومي يوم 08 - 04 - 2012

كانت مصر كعهدها سباقة في التاريخ‏.‏ وفي سياق هذا السبق‏,‏ قامت في مصر أول دولة دينية في تاريخ العالم‏!!‏ ويتطلع الإخوان والسلفيون والجهاديون‏-‏ بعد أكثر من ثلاثة آلاف ومائة سنة‏-‏ الي تأسيس ثاني دولة دينية في تاريخ مصر‏!!‏ وإذا كانت الأولي مأساة فان الثانية ليست سوي ملهاة!! وقد قبل المصريون القدماء حكم كهنة طيبة في سياق معتقداتهم الدينية قبل الأديان السماوية; باعتبار كبار الكهنة وسطاء بينهم وبين إلههم آمون رع, وسبيلا الي معرفة أحكامه والي نيل رضاه!!
لكن المصريين المسلمين, لا تنطوي عليهم مزاعم شيوخ الإسلام بأنهم يحتكرون معرفة أحكام الله, وأن رضاهم من رضا الله, لتبرير قفزهم الي الحكم. ببساطة لأن الإسلام لا يعرف الكهنوت وحكم رجال الدين!! والمصريون المسلمون, الذين يعرفون أنه لا وساطة بين العبد وربه, لم ينتخبوا الأحزاب الدينية لنيل صكوك غفران تدخلهم جنة السماء, وإنما تطلعا الي حياة أفضل علي الأرض, لا تعد رؤية وقدرة وقادة وبرامج هذه الأحزاب بتحقيقها!! ورغم هذا فان ثمة أوجه شبه عديدة بين الحالتين الفرعونية والمعاصرة!!
ونعرف من المادة الأثرية الهائلة التي ضمنها سليم حسن, في الجزء الثامن من موسوعة مصر القديمة, والمعنون نهاية الرعامسة وقيام دولة الكهنة, أن أول دولة دينية في التاريخ, وهي الأسرة الحادية والعشرين, قامت حوالي1100 ق. م. وورثت دولة كهنة آمون آخر أسرات دولة العسكر الرعامسة; حين صارت دولتهم فاشلة غافلة. فبعد رمسيس الثالث قاهر شعوب البحر, والذي يعد وبحق آخر بطل في أسرة الرعامسة, التي استقرت علي عرش الكنانة عدة قرون, حكم مصر سلسلة فراعنة نكرات, حتي صار رمسيس الحادي عشر لا يحمل من الملك إلا إسمه, وتمكن حريحور الكاهن الأكبر لآمون من تولي أمور الدولة كلها!!
وأما سياق صعود دولة كهنة طيبة, فتشير اليه سلسة من الأوراق البردية من عهد الفرعون رمسيس التاسع, تكشف ما كانت عليه البلاد من فقر مدقع, أدي إلي اضطربات وثورات قلبت الأوضاع الاجتماعية في البلاد, وموجة فقر أدت بالقوم إلي الكفر بكل شيء; حتي بملوكهم الذين كانوا يبجلونهم. فقد أخذ حراس القبور بالاشتراك مع فقراء الأهالي والكهنة يبحثون عن موارد رزق لهم يسدون بها رمق الجوع, فلم يجدوا أمامهم سوي مقابر الملوك والأغنياء. وقد اعترف بعض اللصوص بأن السبب في ارتباكهم مثل هذه الجرائم مع ملوكهم هو الفقر والجوع وقلة ما لديهم من متاع.
ولقد أدي انفلات النهب وانتشار القحط والصراع علي السلطة بين الكاهن الأكبر والفرعون وتسلط الأجانب إلي قيام ثورة اجتماعية وحروب داخلية وغزو البلاد بطوائف الأجانب. وفي هذه الظروف ظهر عصامي مغمور الذكر هو حريحور, وكان من رجال الحرب في باديء أمره, فتمكن من إخماد الثورة, وأخذ يجمع السلطة الدينية والحربية والسياسية في يده, ثم بدأ يسلب الفرعون الجالس علي عرش الملك وهو رمسيس الحادي عشر سلطانه شيئا فشيئا; حتي استولي علي زمام الأمور في البلاد جملة. وقد تم للكاهن الأكبر حريحور ما أراد فأصبح الملك المطلق, في طيبة, مؤسسا للأسرة الواحدة والعشرين.
والواقع أن الفرعون رمسيس الحادي عشر كان لا يحمل من الملك إلا اسمه في العام الخامس من حكمه, وصار الكاهن الأكبر لآمون حريحور يسيطر علي طيبة, ويقبض علي كل السلطة الروحية ويدير كل السلطة الإدارية في البلاد, وإن لم يحمل لقب الملك بعد!! وبعد السنة السابعة عشرة من حكم رمسيس الحادي عشر نجد حريحور وقد تقلد الوزارة وتمكن من تغيير هيئة كبار الموظفين الإداريين العليا, ويحمل لقب القائد الأعلي والكاهن الأكبر لآمون. وبينما كان رمسيس الحادي عشر لا يزال علي عرش الملك, يزعم نقش علي معبد خنسو عن وحي أوحي به الإله خنسو!! وصدق عليه الإله آمون!! بوعد يمنح الكاهن الأكبر حريحور عرش مصر!! وتكشف نقوش المعبد بين ألقاب حريحور أنه مدير مخازن الغلال, وهو اللقب الذي أعطاه حق التصرف في أعظم ثروة مادية في مصر!!
وقد ارتكز إستيلاء الكاهن الأكبر حريحور علي العرش الي مطمحه الشخصية ودهائه ومؤامراته, ومهدت له الأحوال الداخلية في أرض الكنانة. فقد كان وليد الثورة التي قامت في تلك الفترة المضطربة, إذ أعاد إليها النظام, وقام بانقلابه السياسي خطوة فخطوة, حتي أحرز النصر النهائي بجمعه بين السلطتين الدينية والإدارية, فأصبح فرعون مصر ومؤسس الأسرة الحادية والعشرين, التي حكمت تحت راية الحكومة الدينية لآمون!! وقد أراد حريحور أن يوطد سلطان أسرته بعده, فعين ابنه قائدا للجيش وكاهنا أكبر لآمون, وسار حكم خلفائه علي ذات المنوال. وهكذا, سلبت أسرة كهنة طيبة عرش ملوك الرعامسة, وانهت تاريخ الدولة الحديثة, التي وضع أساسها أحمس الأول; محرر مصر من الهكسوس.
وأما حصاد عصر النهضة الذي أعلنه حريحور, أو قصة سقوط دولة كهنة طيبة, فقد كان- كما سجل سليم حسن وعلماء المصريات- أن عادت مصر إلي سيرتها الأولي من الانقسام الي مملكتين, كما كانت قبل توحيدها في عهد مينا. فقد انقسمت مصر بعد موت حريحور الي مملكة الصعيد ذات الطابع الديني, وعاصمتها طيبة, وحكمها كبار كهنة آمون, ومملكة الدلتا ذات الطابع السياسي, وعاصمتها تانيس, وتولت عرشها أسرة سمندس!! وقد ادعي حريحور وخلفاؤه أنهم يحكمون البلاد بوساطة الوحي, وأنهم يمثلون الإله آمون رع, الحاكم الفعلي المزعوم للبلاد, والمترجمون لما يقضي به في كل المخاصمات الاجتماعية والدينية, فكان ذلك بمثابة حكومة إلهية!!
ونعرف حال مصر والمصريين قبيل قيام دولة كهنة طيبة من التحقيقات حول سرقات جبانة الملوك في طيبة, التي كانت موضع احترام دائم. فتقول مواطنة: لقد دفعت ثمنا للشعير في سنة الضباع عندما كان الناس جياعا. وسنة الضباع يمكن أن تكون سنة مات فيها كثير من الناس, ولم يتمكن الناس فيها من دفن موتاهم, فأتت الضباع الي المدن والقري لتنهش جثثهم!! وتدل الشواهد علي أن المال المسروق كان يعطي للكهنة العظام, الذين أرادوا زيادة أموال خزائنهم بسلب متاع الموتي!!
ورغم احترام مصر في محيطها الإقليمي باعتبارها مصدر الحضارة, فلم يعد بمقدورها أن تحصل علي الحماية والاحترام لمبعوثها, الذي أرسله حريحور ليحصل علي خشب الارز من لبنان لبناء سفن آمون المقدسة!! فقد رفض أمير جبيل أن يستقبله وأمره بالرحيل, لأن ما حمله من هدايا قد سرق!! فقد سقطت هيبة مصر في لبنان, التي كانت تدين للفراعنة بالطاعة والخضوع. وأخذ نفوذ الليبيين, الذين استوطنوا البلاد بوصفهم جنودا مرتزقة يعظم شيئا فشيئا, حتي أنزلوا الأسرة الحادية والعشرين عن العرش, وأسسوا الأسرة الثانية والعشرين. وأخذت مصر تتقلب في محن وانقلابات, فانقض عليها حكام البلاد المجاورة, عندما لمسوا ضعفها, من الجنوب والشمال, إلي أن قضي علي استقلالها نهائيا في عهد الفرس!! وللحديث بقية.
المزيد من مقالات د‏.‏ طه عبد العليم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.