(1) حين يتخذ مرسى قراراً بتحديد تعويض «مادى» لأسر الشهداء والمصابين وإعادة محاكمة من عبثوا بمصائرهم، فسينظر إليه أهل الضحايا وطالبو القصاص على أنه قرار جيد، لكن كان على مرسى أن يتذكر وهو يتخذ القرار أن هؤلاء ضحوا بأغلى ما لديهم، ليس من أجل معاش استثنائى، إنما من أجل إنهاء الطغيان والانفراد بالسلطة وإعلاء دولة القانون، وأن النظام «البائد» ليس أشخاصاً نعاقبهم فحسب، إنما أفكار وسياسات لا تزال قائمة، بل تعززت أمس الأول بطريقة مخيفة، بعد إعلان «جمهورية مرسيهاليا» ليس لها من دون الله والشعب كاشفة. (2) إنها قنابل موقوتة ستنفجر فى وجه الجميع، قدّمها لنا مرسى مغلّفة فى علبة قطيفة مكسوّة بالحرير. القنابل هى «الحاكم الإله»، وما سيفعله ويُفعل به، والحرير هو مجرد إعلان، لا ضمان على تنفيذه كاملاً، بإعادة محاكمة قتلة الثوار، واستجابة لحقهم فى إعانة مالية تأخرت طويلاً، ربما لسبب بسيط هو أن جماعة مرسى لم تقدم شهداء فى هذه الثورة، يتناسبون مع حجم ادعائها بأنها راعية الشرعية الثورية. (3) إذا كان رئيس الجمهورية يصادر على أحكام القضاء السابقة والمنتظرة، بعد أن هلل لها هو وأهله وعشيرته حين أعلن القضاء فوزه بالرئاسة وفوز جماعته بمجلسى الشعب والشورى، فهل يمكن أن نلوم أى مواطن بسيط يخرق القانون فى ما بعد، فى أى اتجاه ولأى غرض. هل هذا هو المثل الذى يضربه الرجل الذى أقسم ثلاث مرات على احترام الدستور والقانون؟ (4) من العجب العُجاب أن مرسى يعتقد أننا أمة من الأسماك، لقد نسى أنه قال بملء فمه: «لا فلول بعد اليوم، أنا رئيس لكل المصريين، وسأطلق مصالحة وطنية»، ويومها كنتُ من الرافضين لقوله، ووصفته بالتحايل والهروب وطالبتُ بعدالة انتقالية. ويتناسى مرسى أن نصف وزارة هشام قنديل الذى اختاره وعيّنه، من الفلول. اعترضنا يومها، فقالوا: لديهم خبرة. وينسى أيضاً مرسى أن اثنين من رجاله المقربين يتفاوضون الآن مع رجال أعمال نظام مبارك للصفح عن فسادهم مقابل استرداد جزء من ثرواتهم التى نهبوها من الشعب. وينسى مرسى أيضاً أن بعض أعضاء الجمعية التأسيسية لوضع الدستور هم من الحزب الوطنى الذى ذهب غير مأسوف عليه. (5) مما يثير الضحك والشفقة معاً أن مرسى يتعامل مع الشرعية الثورية على أنها «لعبة» يخبئها أحياناً فى دولاب ملابسه، وينكر وجودها، ويقول لمن يسأل عنها: نحن فى زمن الشرعية الدستورية. هكذا قالت جماعته بعد انتخابات مجلس الشعب: الشرعية للبرلمان وليست للميدان، ثم عادت وقالت: واميداناه قبيل إعلان نتيجة الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة، فلما فاز مرسى، قالت: رئيس منتخب، وسمعه العالم كله فى الأممالمتحدة وهو يقول: دولة دستورية مدنية حديثة. وحين احتاج الثورة لتحقيق مصالح جماعته وتصفية خصومة، فتح الدولاب وأخرج «الشرعية الثورية» ورفعها فى وجهنا وقال: أنا أمين الثورة المصرية. (6) طبق مرسى نظرية «الهروب إلى الأمام» التى يعرفها العسكريون المهزومون، فحين أخفق فى إدارة البلاد على نحو جيد، وأدرك أنه بلا مشروع حقيقى لمواجهة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الطاحنة التى يعانى منها المصريون جراء سياسات نظام مبارك، هرب فى اتجاهين، الأول هو تحقيق ما تريده أمريكا لأمن إسرائيل عبر رعاية «هدنة» ستدفع مصر ثمنها، والثانى هو إطلاق يده فى الحكم بعد أن أرضى الأمريكيين. إنها سياسة مبارك ورؤيته القاصرة التى جعلته يتوهم أن مصيره بيد أسياده فى الغرب، ونسى أن لشعبه إرادة وعزماً وكلمة. (7) تستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت، لكنك لن تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت.