رغم أن المهووسين بفكرة الخلافة قد اخترعوا لها عدة قواعد، البعض قال «يجب أن يكون الخليفة قرشياً وإلا فلا تجب»، والبعض قال «ومتى بويع الخليفة فهو مطاع فى كل أمر ومن نازعه الخلافة يقتل»، والبعض أكد «وإذا بويع الخليفة يبقى مدى حياته ولا يجوز عزله إلا عن عجز يمنعه أو كفر بواح».. والادعاءات كثيرة والمزاعم أكثر. ومع ذلك تكاثر «الخلفاء» حتى رخصت بضاعتهم. فأيمن الظواهرى (القاعدة) خليفة وأمير للمؤمنين. وأبوبكر البغدادى (داعش) خليفة ينازعه الأمر فيستحق القتل، وثمة خليفة جديد لطالبان بعد وفاة «أمير المؤمنين» الملا عمر التى أعلن عنها بعد حدوثها بعامين وبويع بدلاً منه الملا أختر منصور على غير رضا من آخرين قد ينقسمون، ويقول العارفون بثقة إنه عميل للمخابرات الباكستانية التى تعتبر فرعاً للمخابرات الأمريكية. وخلفاء آخرون تناثروا من بوكو حرام أو شباب الصومال إلى آخر فى فيافى موريتانيا. ألم أقل تكاثروا حتى رخصت البضاعة؟ وفيما يمارس كل خليفة هوايته فى أن يكون أميراً للمؤمنين يحكم ويتحكم فى رعايا مساكين، يستلهم الجميع ودون خجل ما سمى فى سوق الخلافة «دستور دولة الخلافة» والنسخة التى تحت أيدينا يرجع تاريخها إلى 2010م/1431ه. وهى صادرة عن حزب «التحرير الإسلامى» وعلى غلافها عبارة «طبعة معتمدة». ولنبدأ بتعريف هذا الحزب الذى تأسس فى القدس (1374ه/1953م) على يد من تصفه وثائق الحزب ب«العالم الجليل والمفكر الكبير والسياسى القدير والقاضى فى محكمة الاستئناف بالقدس الأستاذ تقى الدين النبهانى عليه رحمة الله [كتيب صادر عن الحزب- أبريل 2010 بعنوان «حزب التحرير»]. وكان «النبهانى» عضواً فى «جماعة الإخوان»، لكنه اختلف مع الجماعة لأنها تعجلت الصدام المسلح الأمر الذى استدعى هجمات عنيفة عليها. ويؤكد «النبهانى» فى أكثر من كتاب له «لكون المسلمين يعيشون فى دار كفر فإن دارهم تشبه مكة حين بعثة الرسول حيث لا دولة فكانت مرحلة نشر العقائد والدعوة لاستعادة الخلافة كشرط جوهرى لنجاح الدعوة. واستمرت مرحلة نشر العقائد ثلاثة عشر عاماً حتى هاجر الرسول للمدينة وأقام دولته، وطوال المرحلة المكية كان الرسول ينشر الدعوة سراً ويلتقى بالمسلمين منهم سراً ويعلمهم سراً ويتعبدون سراً حتى فشا ذكر الإسلام بمكة» [لمزيد من التفصيل راجع كتب: «التكتل الحزبى، نظام الإسلام، الخلافة» للنبهانى]. ونبدأ فى تحديد مفاهيم الحزب ونقرأ «إقامة خليفة فرض على المسلمين كافة كأى فرض فرضه الله وهو أمر محتم ولا تخيير فيه والتقصير به معصية يعذب الله عليها أشد العذاب»، ثم «ولا توجد فى الإسلام آية رخصة فى القعود عن القيام بهذا الفرض. والمدة التى يمهل فيها المسلمون لإقامة خليفة بعد وفاة أو سقوط حكم الخليفة القائم ليلتان فلا يحل لمسلم أن يبيت ليلتين وليس فى عنقه بيعه»، وتقتضى شريعة الحزب «وجوب تطبيق الإسلام تطبيقاً كاملاً شاملاً دفعة واحدة وتحرم تطبيق جزء منه»، و«المسلم ليس حراً فى عقيدته فإذا ارتد يستتاب فإن لم يرجع يقتل»، و«النظام الديمقراطى كفر»، و«الأمة لا تملك التشريع فليس لها سيادة ولو أجمعت الأمة على إباحة ما حرم الله تقاتل»، و«حضارة الإسلام تحرم صنع التماثيل واقتناءها وتحرم رسم كل ذى روح»، و«النظام الجمهورى نظام كافر ومن يؤمن به كافر»، و«لا يجوز لمسلم أن يعتنق أى عقيدة لمبدأ آخر كالرأسمالية أو الاشتراكية فهى جميعاً كفر»، أما حرية الرأى فحرام «لأنها تعنى السماح للعملاء والمنافقين والفجار وأعداء الإسلام بالدعوة ضد الإسلام وهدم كيان الأمة وتمزيقها إلى قوميات وأقطار وطوائف وفئات».. وبرغم هذا التشدد الواضح الذى يؤسس لأفكار «داعش» فإنه يكتسب كما تكتسب «داعش» تعاطفاً ومشاركة من الكثيرين من شباب أوروبا وشباب أمريكا؛ ذلك أنه يقدم نفسه لهم بصورة مغرية فإذا كانت «داعش» تمنيهم بنكاح الجهاد وبتزويجهم مثنى وثلاث ورباع، وبحقهم فى شراء الجوارى فإن «النبهانى» قد فعلها ولكن فى حدود المتاح له كحزب معارض، وسرى فى كثير من الأحوال ففى نشرة «سؤال وجواب- 1970م» سؤال «ما حكم القبلة بشهوة؟»، والإجابة «التقبيل من حيث هو تقبيل ليس بحرام لدخوله تحت عموم الأدلة المبيحة لأفعال الإنسان العادية والصور العارية ليست حراماً -لاحظ أنه فى فتوى أخرى قال إن صناعة التماثيل حرام وأن تصوير المخلوقات حرام- وتقبيل الرجل لامرأة فى الشارع سواء كان بشهوة أم بغير شهوة مباح. والمرأة إذا لبست الباروكة ولم تطع زوجها فى خلعها لا تكون ناشزة، كذلك إذا لبست البنطلون وإذا خرجت لحضور مهرجان أو مؤتمر بدون إذن زوجها لا تكون ناشزة»، وهكذا انتشر الحزب فى دول الغرب. وهكذا نجح الحزب فى بناء قاعدة حزبية قوية فى إنجلترا كان أميرها عبدالقادر زلوم، ثم قاعدة واسعة فى عدد من الجامعات الأمريكية، خاصة جامعة شيكاغو التى تولى «تويد بت» موقع القيادة فيها ثم سافر إلى لاهور ليؤسس فرعاً قوياً للحزب فى باكستان. وفى أبريل 2002 اعتقل الأمن المصرى تنظيماً يضم خمسين مصرياً وأربعة بريطانيين. إنها ملامح «داعش» وأساسها الفكرى.. أليس كذلك؟