فى الحلقة الثانية من ملف البنوك الإسلامية بين الحلال والحرام، حرصت «الوطن» على التجوال فى صالات البنوك والتحدث إلى العملاء ومعرفة انطباعاتهم ودوافعهم إلى التعامل مع البنوك الإسلامية والتقليدية، ومدى معرفتهم بآليات عمل تلك المؤسسات، وذلك بعد أن نُشرت الحلقة الأولى، التى تم نشرها الأسبوع الماضى، فى ملحق «بنوك واستثمار» تحت عنوان «أموال الشبهات تطارد البنوك الإسلامية»، حيث أكدت الجريدة من واقع القوائم المالية للبنوك الإسلامية الثلاثة العاملة فى السوق المحلية، وهى «فيصل» الإسلامى، و«البركة- مصر»، و«الوطنى للتنمية»، استثمارها مبالغ ضخمة فى أدوات الدّين الحكومية التى تقع بين فتاوى تُحلها وأخرى تحرمها. أكد عدد من عملاء البنوك الإسلامية أن الوازع الدينى كان وراء اتجاههم إلى التعامل مع البنوك المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، رغم انخفاض الانتشار المحدود لفروعها وماكينات الصراف الآلى التابعة لها، وقالوا إنهم يحمِّلون الهيئات الشرعية وقيادات تلك البنوك «الإثم» إذا كانت تزاول أى أنشطة واستثمارات تخالف أحكام الشريعة. وفيما أكد بعض العملاء أنهم لا يعلمون الفرق بين آليات عمل البنوك الإسلامية والتقليدية، وما هو الحلال والحرام، وأن الخلاف بين الفقهاء والتيارات الإسلامية وصل إلى ذروته، أصبحوا تائهين بين ما هو حلال وحرام، وفى الوقت نفسه أكد بعض عملاء البنوك التجارية أن الفتاوى فى مصر قالت إن كل معاملات البنوك التجارية ليست ربا، وإنها تقدم خدمات متنوعة وأفضل، بخلاف انتشار فروعها وماكينات الصراف الآلى، وتمنح سعر فائدة مرتفعاً. أحمد علىّ، أحد عملاء بنكى «البركة- مصر» و«المصرف المتحد» للمعاملات الإسلامية، قال إن الوازع الدينى كان الدافع الأساسى وراء معاملاته المالية مع البنوك الإسلامية، سواء بالإيداع أو الحصول على التمويل، لافتا إلى أنه يفضل التعامل مع البنوك التى تتبع نهج الصيرفة المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، عنها فى البنوك التجارية التقليدية، والتى تدور حولها شكوك فى طبيعة تعاملاتها المالية، ومدى توافقها مع أحكام الشريعة الإسلامية. ورغم وجود فتاوى من دوائر رسمية محلية بأن كل معاملات البنوك التجارية حلال شرعاً، ولا توجد فيها شبهات ربويّة، فإن «علىّ» غير مقتنع بتلك الفتاوى من وجهة نظره، قائلا: «البنوك الإسلامية هى الأخرى لا تختلف عن التجارية بشكل كبير»، موضحاً أن قراره تحويل كل معاملاته المالية من البنوك التقليدية إلى الإسلامية، جاء من باب الابتعاد عن الشبهات. وأضاف أن يقينه بأنه لا توجد اختلافات جوهرية بين البنوك التقليدية والإسلامية ارتفع عندما بدأ التعامل بالبنوك التى تقول إن معاملاتها متفقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، وإن لديها هيئات شرعية تدرس كل التعاملات المالية ومدى اتفاقها مع الشريعة، نظرًا إلى أنه تأكد من أن الإجراءات الورقية والضمانات التى طُلبت منه فى البنوك الإسلامية، مثل التى قدمها عندما كان أحد عملاء البنوك التقليدية فى وقت سابق. وأضاف أن البنوك الإسلامية تُقنع العميل المودِع بمسألة العائد المتغير دائماً لتقنعه بأنها تختلف عن البنوك التجارية التقليدية التى تحدد سعر الفائدة مسبقاً، إلا أنه عندما تقدم إلى بنك «المصرف المتحد» فروع المعاملات الإسلامية، وجد أن سعر الفائدة المطلوب على التمويل الإسلامى يزيد على ما تطلبه البنوك التجارية، ويتم حسابه بنفس الطريقة، قائلاً: «فوجئت بأن (المصرف المتحد) حدد لى سعر فائدة مسبقاً للقرض الذى طلبته بقيمة 32 ألف جنيه بنسبة 8٫7٪، وعندما أبديت دهشتى من طريقة حساب ما يسمونه «العائد» بنفس طريقة البنوك التجارية، وهى تحديد الفائدة مسبقاً، تهرب الموظف من الإجابة عن تساؤلاتى، وظل يؤكد لى أن مصرفه يمثل أحد الحلول القليلة المتاحة للتعامل المصرفى المتوافق مع الشريعة». وقال إن جميع مسئولى خدمة العملاء بالبنوك الإسلامية أكدوا له أن تعاملات بنوكهم شرعية 100%، ولديهم هيئات شرعية تقر بأن جميع الخدمات والمنتجات المصرفية التى تقدمها متوافقة مع الشريعة الإسلامية، ولم يطلب منه أحد تطهير جزء من عوائد تلك الإيداعات، أو وضح له أن تلك البنوك تتعامل فى أدوات الدّين الحكومية مثل الأذون والسندات. عبدالفتاح محمد، أحد عملاء البنك «الوطنى للتنمية»، قال إنه لا يعلم أين الحلال والحرام، فالفتاوى المصرية قالت إن البنوك التجارية جميعها حلال، بينما التيارات الإسلامية قالت إنها حرام، مشيراً إلى أنه فضّل التعامل مع البنوك الإسلامية من باب درأ الشبهات، على أن تتحمَّل البنوك الإسلامية وهيئاتها الشرعية وزر فتاواها حول تعاملات البنك. شريف علىّ، أحد عملاء البنك «الأهلى المصرى» قال إن البنوك الإسلامية لا تختلف عن البنوك التجارية فى شىء، وما هى إلا مسميات فقط، مؤكداً أن أهم ما يحتاج إليه هو انتشار فروع البنك ونسبة العائد على ودائعه، بخلاف تنوع الخدمات التى يحصل عليها. وأضاف أن ماكينات الصراف الآلى للبنوك التجارية، وخاصة القطاع العام، تنتشر أكثر من الإسلامية، وهو لا يحتاج من البنك أكثر من سعر فائدة مرتفع وخدمات متنوعة، وانتشار للفروع وماكينات الصرف الآلى. أما أحمد علىّ، أحد عملاء بنك «مصر» للمعاملات التجارية التقليدية، فأكد أنه رغم أن البنك لديه فروع معاملات إسلامية، إلا أنه يفضل التعامل مع الفروع العادية، فكل البنوك حلال «كما قال المفتى»، حسب تعبيره. وأضاف أنه يتعامل أيضاً على وثائق صناديق الاستثمار التى يطرحها البنك ذات العائد اليومى، وهى تستثمر فى أدوات الدّين ذات العائد الثابت، ولا توجد بينها وبين البنوك الإسلامية، أىّ فرق نظراً إلى أنها تستثمر فى نفس الأدوات، وتحصُل على عائد ثابت ولا تُخطر العملاء بذلك. محمد ربيع، أحد عملاء بنك «بلوم- مصر» قال إنه أصبح تائهاً بين الفتاوى المتضاربة بشأن البنوك الإسلامية والتقليدية، فلم يصل إلى حقيقة الأمر، ولم يستطع الوصول إلى إجابة عن تساؤلاته: أين الحلال وأين الحرام؟ إلا أنه أخذ برأى المفتى الذى يقول إن البنوك التجارية ليست ربا. وأضاف نحتاج إلى اتباع رأى فقهى موحد تتبعه كل مؤسسات الدولة وألا يُترك الإفتاء لكل من «هب ودب»، حسب تعبيره، مؤكداً أن تضارب الفتاوى يخلق حالة من البلبلة بين المواطنين، مطالباً الحكومة والبنك المركزى بتحديد معايير موحدة على البنوك لتجنب الشبهات. من جانبه، قال أحد ممثلى خدمة العملاء فى البنوك الإسلامية إن إدارة البنك لم تطرح أىّ تعليمات للموظفين بشأن مصارحة العميل بأن البنك يستثمر فى أوراق الدين الحكومية، مثل أذون الخزانة أو السندات التى تطرحها الحكومة بسعر فائدة مرتفع أو محدد مسبقاً، كما أن مسئولى خدمة العملاء لا يصارحون المودعين بطرق توظيف واستثمار أموالهم. وأضاف أن العملاء لا يعلمون ماهية أذون الخزانة والسندات الحكومية، كما أن البنوك تخشى فقدان العميل إذا قالت له إنها تستثمر فى أدوات ربوية، حتى ولو كانت مضطرة إلى ذلك، فى ظل عدم وجود بدائل شرعية، مثل الصكوك، لأن تلك البنوك تعتمد على الوازع الدينى لدى العميل، ولأنها تمارس أنشطة تتوافق مع أحكام الشريعة، فإذا قيل له غير ذلك فإن العملاء سيهربون إلى بنوك أخرى أو سيقتنعون بأن البنوك التجارية أفضل. وأشار إلى أن البنوك الإسلامية لا توفر دورات تدريبية مكثفة لموظفيها وتحديداً تدريب موظفى خدمة العملاء على آليات عمل الصيرفة الإسلامية والفرق بينها وبين البنوك التقليدية.