مصر في مرحلة شديدة الخطورة، ولا تنفرد بذلك عن اشقاءها من باقي الدول العربية، فهناك تماثل بين الجميع في الضعف الذي خرج من ارحام هذه الأمة، ثم ارتد مرة اخرى ليغزوها. ما تلاحظ في الآونة الأخيرة هو انتهاء الدولة القديمة الى غير رجعة، تلك التي اصطلح المتربحون من العرب على حصر مفهومها في مجموعة من المؤسسات تستأثر بثروات البلاد وسلطاتها، ثم تعطي حفنة من الاشخاص اجزاءاً محددة من ذلك، وتختصهم بهوامش من هذه السلطة في علاقة اشبه ما تكون بالتجارة على النحو الذي يجعل حتى من الوطنية سلعة يجرى عليها ما يجرى عليه التصرف المادي الملموس، ويبتهلون في المقابل باعلانات لصالح هذه الدولة بالدعايات الضالة، لكن هذا المفهوم وكذلك البيئة تغيروا ونالهم من التغيير ما يجعلهم ينخلعون من الشذوذ الذي اصبح مألوفاً في عقول تجار الأوطان، فما كان يعد بالأمس حصيناً عن النقد اصبح اليوم قابلاً للهجاء، وما كان يحتاج من الرسائل الى ورقة، وقلم، وشهور تستطيع اليوم مراسلته بضغطة زر إلى أي بلد في العالم، كما ان الانسان العربي الحديث اصبحت ينزع في طبيعته وفي حياته نحو التمرد والشجب والاستنكار، بل انه اسقط في نفسه الدولة بمفهومها السابق نتيجة لغياب التوزيع العادل للثروة والسلطة وعندما وجد نفسه في وهنٍ على وهنْ. والحديث عن داعش التي تريد أن تغزو الاراضي المصرية لا يثير عندي الكثير من القلق، لاختلاف التركيبة باختلاف عناصر المعادلة، فداعش بالنسبة للمصريين كحصوة ملح سقطت في نهر النيل، ومصر لديها تاريخ طويل في صهر الكثير من الغزاة، والمعتدين داخل افران نسيجها الاجتماعي والعسكري، والديني، والثقافي، أما ما يثير القلق والمخاوف هو أن يغزونا تياراً من داخلنا مماثل لداعش نفوس المصريين ويشيع في عقول وقلوب الناس فُحش القول في الدين، والسياسة، والمعاملات. الناظر في حال الخطاب الذي انتشر على اختلاف انواعه في القنوات الفضائية ووسائل الاعلام المختلفة يجد فُحشاً ظاهراً في القول والفكر يمثله رجالاً ونساءاً يزيدون في كل يوم على الاحصاء، وكأن داعش التي تريد أن تغزو الارض جندتهم لغزو المصريين بهذا الخطاب حتى يتصدع ما يتبقى من حضارة المصريين التي يمثلها عبر العصور عقولهم و قلوبهم. ولا يعدو غريباً أن يكون رجال هذا الخطاب الفاحش بعضاً من الاعلاميين او المستشارين او غيرهم، ممن يعدون نخباً في المجتمعات الاخري، لأنهم يصطفون منذ القدم في صفوف الأنظمة المتهالكة والنظم القاصرة التي اثبت الماضي والحاضر أنها كانت ضد هذه الأمة، ولم تعبر عن صالحها في يوم من الايام . نهاية فلا شيء نقوله في ظل صمت من اطلق هذا الزبد على اعواد الرياحين او الزهور الشابة التي ترفع رأسها على استثناء الانحناء الذال الزائل مطالبة بالحرية، والعدالة، والاجتماعية سوى النصيحة بأنه يجب إعادة بناء الدولة حسب المفهوم العادل الذي يتبنى العدالة، والمساواة والحرية لجميع مواطني هذه الدولة، وليس فقط للكهنة والساسة المهترئون المتفقين معها على زائف.