رغم امتياز السياسة المصرية الخارجية بالحكمة والتروي، وابتعادها عن التصريحات النارية والهجوم على الدول الأخرى أو التدخل في شؤونها، إلا أن التاريخ شهد العديد من الوقائع التي أظهرت فيها مصر موقفاً هجومياً، حيث يأتي في الأغلب كرد فعل على تعدٍ من جانب دول أخرى، وتعتبر تركياوقطر هما أبرز الخصوم على مدى سنوات طويلة ومتقطعة من التاريخ المصري، بداية من بعد ثورة 1952، وفي هذا التقرير نعرض أهم القطائع السياسية الخارجية في تاريخ مصر. مصر وقطر.. علاقات متوترة دائمًا: لطالما كانت علاقات مصر بدولة قطر متوترة دائماً، وبدأ هذا التوتر في الظهور في عهد الرئيس عبدالناصر، خصوصاً عندما أعلنت قطر مقاطعتها للقمة العربية التي عقدت حينها في مصر، حيث علق عبدالناصر قائلاً: "نخلتين وخيمة تقاطع مصر"، استمر التوتر في عهد الرئيس السادات، وصولاً لعهد مبارك، وكان سببه حينها دعم قطر لحماس وبسبب أيضاً قناة الجزيرة الإخبارية. لكن كل هذا تغير بعد ثورة 25 يناير 2011، حيث تعتبر هذه الفترة هي الأكثر انتعاشاً بين العلاقات المصرية القطرية، خصوصاً في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، لكن مع عزل مرسي بعد أحداث 30 يونيو 2013، عادت العلاقات سيئة مرة أخرى، كان آخر دليل واضح لها، عندما استدعت الدوحة سفيرها في مصر للتشاور بعد تصريح لمندوب مصر في اجتماع للجامعة العربية على خلفية الضربة الجوية المصرية ضد مواقع "داعش" في ليبيا، قال فيه إن الدوحة "تدعم الإرهاب"، وذلك رداً على تحفظ الدوحة على بند في بيان الجامعة يؤكد على "حق مصر في الدفاع عن نفسها وتوجيه ضربات للمنظمات الإرهابية". مصر وتركيا.. وعقبة أردوغان: رغم خروج مصر من عباءة الملكية وترسيخ نظام جمهوري يعتمد نظرياً على تداول السلطة بطريقة ديمقراطية، إلا أن هذا لم يكن سبباً كافيًا للتقارب بين مصر وتركيا التي سبقت مصر بخروجها من عباء الدولة العثمانية، فالتحالفات الإقليمية كان لها دور بارز في إقامة سد يمنع التقارب بين البلدين، ففي حين انحازت تركيا للمعسكر الأمريكي، كانت مصر بعد الثورة منحازة للمعسكر السوفيتي. والعلاقات الدبلوماسية الحديثة مع مصر بدأت في 1925 بمستوى القائم بالأعمال، وتحوَّلت إلى مستوى السفراء في 1948، حتى وصلت إلى التوتر في عهد الرئيس عبدالناصر وطرده للسفير التركي في مصر، وذلك لاعتراض السلطات التركية ومهاجمتهم لثورة 23 يوليو، وتحسَّنت العلاقات المصرية التركية في فترة السبعينيات وتوطدت العلاقات السياسية والاقتصادية بشكل كبير، بسبب الدور الذي لعبته مصر في تهدئة الوضع بين تركيا وسوريا في نزاعهما حول المياه، والحدود، والأكراد، وبعدها عقدت اتفاقات ومعاهدات متبادلة بين الطرفين، لكنها لم تأخذ شكلًا تفعيليًا، حتى مطلع القرن ال21. وبعد ثورة 25 يناير، ظهرت آفاق كثيرة للتعاون بين البلدين، وبوصول مرسي للحكم توطدت العلاقات بين البلدين أكثر من ذي قبل، ولكن لرفض تركيا بقيادة أردوغان عزل مرسي في 30 يونيو 2013، توترت العلاقات مرة أخرى، ليستمر أردوغان حتى الآن في المطالبة بعودة مرسي إلى الحكم، رافضاً كل ما بني على 30 يونيو، وكانت القطيعة الأبرز مؤخراً بين البلدين تجلت في حدثين، الأول في نوفمبر 2013 عندما سحبت مصر سفيرها من تركيا وخفضت التمثيل الدبلوماسي معها، والطلب من السفير التركي في القاهرة المغادرة بسرعة، باعتباره شخصاً غير مرغوب فيه بسبب تصريحات أردوغان ومطالبته بالإفراج عن الرئيس المعزول محمد مرسي، واستضافة تركيا لكثير من المؤتمرات للإخوان، ولم يختلف رد الأتراك كثيراً حيث أبلغوا السفير المصري حينها أنه شخص غير مرغوب فيه. مصر وجنوب إفريقيا: ترتبط مصر وجنوب إفريقيا بعلاقات تاريخية تعود لعام 1942 حينما افتتحت أول قنصلية عامة لجنوب إفريقيا بالقاهرة، تم تحولت القنصلية عام 1949 إلى بعثة دبلوماسية إثر قرار مجلس الوزراء المصري برفع مستوى التمثيل الدبلوماسي مع اتحاد جنوب إفريقيا إلى مستوى البعثات الدبلوماسية. ولكن بسبب انحياز جمال عبدالناصر للحركات التحررية في إفريقيا المناهضة للسياسات العنصرية، قامت مصر بقطع علاقاتها مع دولة جنوب إفريقيا في 1 مايو 1961 بسبب ممارسات الحكومة العنصرية، وكان الزعيم الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا زار القاهرة والتقى جمال عبدالناصر قبل أن يتم القبض عليه في أغسطس 1962. مصر ودول العدوان الثلاثي: العدوان الثلاثي، هي حرب شنتها كل من بريطانيا وفرنسا على مصر سنة 1956، إثر قيام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بتأميم قناة السويس، وعلى إثر ذلك قامت مصر بقطع علاقاتها الدبلوماسية بإنجلترا وفرنسا بسبب العدوان الثلاثي، وأعلنت إلغاء اتفاقية الجلاء الموقعة عام 1954. العلاقات المصرية القبرصية: في 19 فبراير 1978، شنت القوات المصرية غارات على مطار لارنكا الدولي في قبرص، حيث تدخلت مصر في محاولة لتحرير رهائن عملية خطف، حيث اغتالت عناصر إرهابية الأديب يوسف السباعي، وزير الثقافة في عهد الرئيس أنور السادات، حيث احتجز المختطفون بعد ذلك عددًا من العرب الذين كانوا يحضرون مؤتمرًا في نيقوسيا، وكانت القوات القبرصية تحاول التفاوض مع المختطفين في المطار، وفي أثناء ذلك قررت السلطات المصرية إرسال قوات من الوحدة 777 قتال، ودخلت القوات المصرية بعد استئذان السلطات القبرصية وشنت هجومًا على المطار، وبطريقة غريبة اشتبكت القوات القبرصية مع القوات المصرية. أسفرت العملية عن إعلان مصر قطع علاقاتها مع قبرص وسحب اعترافها بالرئيس القبرصي كابرينو واستدعاء بعثتها الدبلوماسية من نيقوسيا، كما طالبت الحكومة القبرصية بسحب بعثتها الدبلوماسية من القاهرة، استمرت القطيعة لعدة سنوات حتى اغتيال السادات في 1981، حيث طلب الرئيس القبرصي إعادة العلاقات مع تقديم اعتذار رسمي للقاهرة، ولكنه قال إنه لم يكن ممكناً إعطاء الإذن للمصريين للهجوم على الطائرة. الإكوادور وفض اعتصام رابعة: في 14 أغسطس 2013، استدعت الإكوادور سفيرها لدى مصر للتشاور، بعد أن فضَّت السلطات المصرية اعتصامي رابعة والنهضة، ما أسفر عن وقوع مئات القتلى والجرحى، وقالت وزارة خارجية الإكوادور في بيان مقتضب حينها، إن الشعب المصري اختار مرسي زعيمًا دستوريًا له، وقال البيان "في أعقاب (الانقلاب) الذي أطاح بالرئيس مرسي في يوليو هذا العام خيَّم على المجتمع المصري مناخًا من الاحتجاج المدني والقمع من جانب حكومة الأمر الواقع"، بحسب البيان. لكن في مايو الماضي عادت العلاقات إلى مجراها، خصوصاً بعد أن أعلن خرمان إسبينوثا، سفير الإكوادور بالقاهرة، دعم بلاده لترشح مصر لمقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي عن المجموعة الإفريقية، ووصف السفير على هامش الاحتفال بيوم اتحاد دول أمريكاالجنوبية "الأوناسور"، مصر بأنها دولة محورية ليس للمنطقة العربية فحسب، بل للعالم أجمع، "فهي مركز سياسي وثقافي وتاريخي مهم، شعبها عظيم، وبلا شك مصر أحد أهم دول إفريقيا والشرق الأوسط". مصر والسودان: وصلت العلاقات المصرية السودانية إلى أسوأ حالاتها، بعدما رفض الرئيس حسني مبارك في 1995 مشاركة الحكومة المصرية في مفاوضات وزراء خارجية منظمة الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا لحل النزاع الحدودي، لاحقًا وبعد محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في قمة أديس أبابا، اتهمت الحكومة المصرية نظيرتها السودانية بالتخطيط لعملية الاغتيال، فأمر حسني مبارك بمحاصرة وطرد القوات السودانية من حلايب وفرض الحكومة المصرية إدارتها على المنطقة، وتم تطبيق القوانين المصرية عليها، وتم اعتقال بعض أعضاء "الجماعة الإسلامية".