لقد تعلمنا في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومعهد الدراسات الدبلوماسية بلندن، والنادي الدبلوماسي الدولي بنيويورك، أن البروتوكولات تحدد السلوك السليم أو المتعارف علي قبوله فيما يتعلق بأصول الدبلوماسية وشئون الدولة. ومعني البروتوكول الحقيقي للدبلوماسية الدولية، هو فن الالتزام بالقواعد المرسومة، والقدرة علي تطبيقها بحذافيرها بكل دقة وعناية، والتأكيد علي التمسك بها، والحرص عليها، باعتبارها حقاً لدولة الممثل الدبلوماسي، وليس لشخص الدبلوماسي نفسه. وعن تخفيض المستوي الدبلوماسي، فلم يكن بالأمر النادر، ولكنه أمر عادي يندرج تحت القواعد والبروتوكولات الدبلوماسية المتعارف عليها دوليا، فمثلا، حدث بين تركيا وإسرائيل في سبتمبر عام 2011، وبين روسياوقطر الي درجة سكرتير ثان في سبتمبر عام 2012. وأما عن التطبيق الفعلي والعملي لهذه التعريفات والمصطلحات الدبلوماسية، فهو ما حدث بين مصر وتركيا من توترات دبلوماسية وسياسية، ويرجع هذا التوتر الحالي في العلاقات الدبلوماسية المصرية - التركية، وتخفيض التمثيل الدبلوماسي المصري في أنقرة إلي مستوي قائم بالأعمال، خطوة مصرية جريئة وهامة، ترجع إلي إصرار المتعنت رجب طيب أردوغان الذي فقد رشده واتزانه، وتعامل مع مصر من منظور 'حزبي'، رغم علمه بدور مصر الرائد والمؤثر علي المستويين العربي والعالمي، وهذا المنظور الحزبي مرتبط بالتوجهات والتوجيهات والانتماءات السياسية للحزب الإخواني الحاكم في تركيا والذي يرأسه أردوغان، وهذا الارتباط الأردوغاني المتحزب، يعد أكثر من ارتباط الدولة التركية نفسها بتوجهاتها السياسية والدبلوماسية والاقتصادية. وهذا الخلط لصالح التنظيم الدولي للإخوان، يجعل الموقف الدبلوماسي التركي من مصر متوقفا علي الانتماءات الحزبية للنخبة التركية الحاكمة المتمثلة في أردوغان الذي سيصبح عما قريب رجل الماضي، وهذا بالتأكيد يثبت أن العلاقات الدبلوماسية علي رأس التعاون الاقتصادي والعسكري التي تقاربت وتعانقت وتوطدت بين مصر وتركيا أثناء الفترة الضعيفة الهزيلة التي حكم فيها مندوب مكتب الإرشاد المعزول محمد مرسي، كانت بهدف التمكين والهيمنة لتوطيد وتثبيت حكم الإخوان في مصر لمدة 500 عام، وليس بهدف دعم الدولة والشعب المصري. بالإضافة الي تنظيم أردوغان للعديد من المظاهرات المدعومة منه والمنددة بالتغيير الذي أتت به ثورة 30 يونيو، والإصرار علي وصف ما جري في مصر علي أنه 'انقلاب'، وهو ما عدته الخارجية المصرية في بيانها 'إهانة' لإرادة الشعب المصري. والأسباب التي أدت الي توتر العلاقات الدبلوماسية بين البلدين كثيرة ومتعددة، ومنها أن تركيا لم تهتم يوما لموت ضباط الجيش المصري، أو قتل ضباط الشرطة أو اغتيالهم، فلم تصدر بيانا تدين فيه الأعمال الإرهابية، أو الحديث عن حقوق هؤلاء الشهداء الأبطال، فضلا عن عدم الاعتراف بشرعية خارطة الطريق في مصر، واحتضان أردوغان لاجتماعات التنظيم الدولي للإخوان والذي دعا لتشكيل لجنة هزلية لتوثيق انتهاكات الحكومة المصرية لحقوق الانسان بعد ثورة يونيو. واحتضان كل ما يرمز إليهم، بدءا من شعار رابعة، وإعلانه بالقول: هنا محطة رابعة.. وهنا ميدان رابعة'. وحصول عناصر الجماعة علي تمويل من قطروتركيا، لتمويل حملاتهم، والأنشطة المرتبطة بها، ويبقي التعامل الاقتصادي، والتجاري، والثقافي، والعسكري مفعلا، لأنه تخفيض دبلوماسي، وليس قطعا للعلاقات الدبلوماسية. عندما قام الرئيس التركي عبد الله جول بزيارة لمصر، ناقش فيها سبل دعم التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري بين البلدين في ظل ظروف قيام ثورة 25 يناير التي شهدها العالم بأسره، والتداعيات والأحداث المتلاحقة وثورات الربيع العربي لعدد من دول المنطقة، وأكد الرئيس التركي علي تعزيز الشراكة المصرية التركية في العديد من المجالات، كما أكد حرص بلاده علي تقديم الدعم القوي لمصر خلال المرحلة الانتقالية وزيادة آفاق التعاون معها في ظل الصداقة المتميزة التي تجمع الشعبين الشقيقين. وبعدها حضر رئيس الوزراء أردوغان إلي القاهرة، لبحث ومناقشة سبل دعم التعاون السياسي والاقتصادي المشترك بين مصر وتركيا. وعلي هذه الأسس قام الفريق أول عبد الفتاح السيسي قائد الجيش المصري بزيارة لتركيا، علي رأس وفد عسكري رفيع المستوي، استغرقت عدة أيام بدعوة من نظيره التركي عصمت يلمظ، التقي الفريق أول السيسي كبار رجال الدولة والمسئولين بوزارة الدفاع التركية لتدعيم أوجه التعاون وتعزيز العلاقات العسكرية بين القوات المسلحة لكلا البلدين في العديد من المجالات. وبعدها شارك الفريق أول السيسي نظيره التركي عصمت يلمظ الي جانب عدد من المسئولين العسكريين الدوليين في افتتاح الدورة ال11 لمعرض إسطنبول الدولي للأسلحة Tuyar-Fair 2013. وشاهد السيسي خلال الجولة بالمعرض نماذج للمعدات العسكرية والتكنولوجية لأنظمة التسليح المختلفة. وأشاد وزير الدفاع الوطني التركي بعمق العلاقات العسكرية بين البلدين وتطلع الطرفين إلي دعم آفاق جديدة للتعاون في جميع المجالات العسكرية، ولكن.. وللأسف الشديد ظهرت الحقيقة.. حيث ثبت بعد ذلك أن تركيا كانت تسعي وراء أغراض خبيثة سريعا ما وقعت فيها. ورغم أهمية هذا التوجهات، إلا ان عدم ارتكاز هذه العلاقات علي المصالح الاستراتيجية للدولتين، وليس الحزبية، يجعل هذه العلاقات ذات طبيعة وقتية، ويجعلها مضرة لمصر أكثر من كونها مفيدة، علي الرغم من الأهمية الاقتصادية لهذه العلاقات، لأن تركيا تحتل المرتبة الخامسة كشريك تجاري لمصر، وتحصل علي 4.8% من إجمالي التعاملات التجارية لمصر مع الخارج، وفي المقابل تحتل مصر المرتبة السابعة كشريك تجاري لتركيا في مجال الصادرات، في عام 2012، إلا أن البعد الاقتصادي، والعلاقات الدبلوماسية المصرية التركية تتحكم فيها اعتبارات حزبية، ذكرت تفاصيلها مسبقا، وهذا النوع الفاني من العلاقات 'الحزبية الثنائية' ورثته حكومة الببلاوي في عهد المستشار عدلي منصور الرئيس المؤقت، من حكومة الفاشل هشام قنديل في عهد الفاشل المعزول مرسي، وتسير العلاقات المصرية القطرية، علي نفس خطي العلاقات المصرية التركية، حيث ندد الملك عبد الله بسياسات دويلة قطر بأميرها الهزيل ضد الدولة العريقة مصر وذلك في القمة الخليجية التي عقدت في نوفمبر 2013 بالرياض، والذي لم يستجب هذا الأمير الأهوج لرسائل الملك عبد الله، وموقفه ضد مصر أكبر دلالة علي أنه من أنصاف الرجال الذين يفتقدون للرؤية المنطقية، والحنكة السياسية، التي يجب علي أساسها كذلك طرد السفير القطري من مصر. وأما طرد السفير التركي من مصر، فقد كانت خطوة دبلوماسية هامة، لإعادة النظر كرتين في إعادة تأسيس العلاقات علي أسس صحيحة، وإعادة بناء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، يتطلب تنازلات من حكومة أردوغان، وهو أمر قد يرتبط بصورة ما بالتقدم في تطبيق خارطة الطريق، وبحدوث تغير في النخبة الحاكمة في تركيا.. عميد النادي الدبلوماسي الدولي