منذ ثورة 30 يونيو 2013، لم يكن متوقعا أن تقدم القاهرة على طرد السفير التركي من القاهرة، رغم المواقف السلبية التي تبنتها تركيا من الثورة، ومن الحكومة الانتقالية، ورغم السياسات التي تبنتها حكومة رجب طيب أردوغان والداعمة لجماعة الأخوان المسلمين في مصر، وما نتج عنها من توتر في العلاقات بين الدولتين طوال الفترة التالية على ثورة 30 يونيو، وربما تمثل هذه الخطوة، فرصة لمصر لإعادة بناء علاقاتها مع تركيا وفق أسس جديدة تخدم مصالحها الاستراتيجية. أسباب موضوعية: يرجع التوتر الحالي في العلاقات المصرية- التركية، إلى إصرار الحكومة التركية على التعامل مع مصر من منظور "حزبي"، مرتبط بالتوجهات والتفضيلات السياسية لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا والمنتمي لجماعة الأخوان المسلمين، أكثر من ارتباطه بتوجهات الدولة التركية، وهو ما يجعل موقفها من مصر يتوقف على الانتماء الحزبي للنخبة الحاكمة، وهذا يعني أن العلاقات التي توطدت بين مصر وتركيا خلال فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، سواء العلاقات التي أخذت شكل اقتصادي أو تعاون عسكري، كانت بهدف توطيد حكم الأخوان في مصر، وليس بهدف دعم الدولة المصرية. وقد أشار بيان وزارة الخارجية المصرية في 23 نوفمبر 2013، والذي أعلن فيه عن طرد السفير التركي من القاهرة، وتخفيض التمثيل الدبلوماسي المصري في أنقرة إلى مستوى قائم بالأعمال، إلى سببن رئيسيين، يتمثل السبب الأول في عدم الاعتراف بشرعية الحكم الجديد في مصر، ويضاف إلى ذلك تنظيم العديد من الجمعيات التركية بدعم من حكومة أردوغان مظاهرات منددة بالتغيير الذي أتت به ثورة 30 يونيو، والإصرار على وصف ما جرى في مصر على أنه "انقلاب"، وهو ماعدته الخارجية المصرية في بيانها "إهانة" لإرادة الشعب المصري. وينصرف السبب الثاني، إلى احتضان الحكومة التركية اجتماع التنظيم الدولي للأخوان المسلمين والذي عقد أكثر من مرة في اسطنبول، وكان آخرها في شهر سبتمبر 2013، والذي دعا لتشكيل لجنة لتوثيق انتهاكات الحكومة في مصر لحقوق الانسان بعد ثورة 30 يونيو. واللافت للانتابه، حرص أردوغان على التمسك باحتضانه الأخوان المصريين وكل ما يرمز إليهم، بدءا من شعار رابعة، وانتهاء بحديثه بعد طرد السفير، بأنه "ليكن مكاننا هنا نظيراً لرابعة.. هنا محطة رابعة.. وهنا ميدان رابعة". إلى جانب ذلك، تكشف أنشطة جماعة الإخوان المسلمين في الخارج، عن حصول عناصر الجماعة على تمويل من قطروتركيا، من أجل تمويل حملاتهم، والأنشطة المرتبطة بها، فعلى سبيل المثال، يكشف موقع منبر رابعة http://ar.r4biaplatform.com ، عن حصول الجماعة على دعم من قبل عدد مهم من الشركات التركية، التي صنفها الموقع كممول رئيسي، وتشمل شركة Eminotomotiv، وشركة farktel، إلى جانب عضوية عدد كبير من المؤسسات التركية في هذا المنبر. إعادة بناء العلاقات: طوال فترة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، تشكلت جماعة أكاديمية تتحدث عن الأهمية الإستراتيجية لمصر وتركيا، وعن ضرورة تطوير علاقات إستراتيحية بين الدولتين، ورغم أهمية هذا التوجه، إلا ان عدم ارتكاز هذه العلاقات على المصالح الاستراتيجية للدولتين، وليس الحزبية، يجعل هذه العلاقات ذات طبيعة وقتية، ويجعلها مضرة لمصر أكثر من كونها مفيدة. ورغم التداعيات الاقتصادية المحتملة لطرد السفير التركي، فضلا عن التداعيات السياسية، إلا أنه بحسابات المكسب والخسارة، تعد حكومة أردوغان هي الخاسر من هذه الخطوة المصرية، خاصة وأنها أثبتت عدم التزامها بسياسة "تصفير المشاكل" التي اتخذتها شعارا لسياساتها طوال الفترة الماضية، خاصة في مواجهة الدول الأوروبية. صحيح أن هناك أهمية اقتصادية لهذه العلاقات، حيث تحتل تركيا المرتبة الخامسة كشريك تجاري لمصر، حيث تحصل على 4.8% من إجمالي التعاملات التجارية لمصر مع الخارج، بينما تحتل مصر المرتبة السابعة كشريك تجاري لتركيا في مجال الصادرات، خلال العام 2012، استنادا للإحصاءات الخاصة بالمفوضية الاوروبية، حيث بلغ نصيب مصر من إجمالي صادرات تركيا للعالم ما نسبته 2.4%، كما أنها قدمت لمصر وديعة بقيمة مليار دولار من أجل دعم قيمة الجنيه المصري في مواجهة الدولار الأمريكي، إلا أن هذا البعد الاقتصادي للعلاقات يظل تتحكم فيه اعتبارات حزبية، خاصة بما أسمته وزارة الخارجية التركية في بيانها ردا على قرار الخارجية المصرية بعودة "الديمقراطية"، وفق منظورها، خاصة وأن أردوغان أكد ردا على طرد السفير" لن أحترم أبداً مسؤولين يعينهم الجيش، ولن احترم أبداً من يصل إلى السلطة إثر انقلاب". وهذا النوع من العلاقات "الحزبية" ورثته الحكومة الحالية عن حكومة مرسي، ولايزال قائمًا في حالة قطر، التي لم تبق على التزامها الخاص بالودائع الخاصة بها في البنك المركزي، والتي قدمتها في عهد الرئيس المعزول والتي بلغت قيمتها ملياري دولار تقدم على دفعات، وقد تسير العلاقات معها على ذات خطى العلاقات مع تركيا، إذا لم يستجب أميرها لرسائل الملك عبدالله التي وجهها له في القمة الخليجية الثلاثة التي عقدت في 23 نوفمبر 2013 في الرياض، والتي ندد فيها بسياسات قطر تجاه مصر. يمكن القول إن طرد السفير التركي من مصر، كانت خطوة لازمة، لإعادة تأسيس العلاقات مع تركيا، وفق أسس تتفق والمرحلة الحالية التي تمر بها مصر، والتي تقوم على بناء العلاقات الخارجية لمصر، استنادا للمصالح الاستراتيجية للدولة، وعلى نحو يتفق واستقلال الدولة وطابعها الوطني، وإعادة بناء هذه العلاقات يتطلب تنازلات من حكومة أردوغان، وهو أمر قد يرتبط بصورة ما بالتقدم في تطبيق خارطة الطريق، وبحدوث تغير في النخبة الحاكمة في تركيا.