انتهى نقاش بين مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى, سونر كاجابتاي، ومارك سيفرز الدبلوماسي المقيم في المعهد ذاته، حول مستقبل العلاقات المصرية-التركية، باتفاق طرفا النقاش على أن العلاقات التركية المصرية لن تتعافى في المستقبل القريب، طالما ظل كلاً من أردوغان والسيسي في السلطة. هذه هي النتيجة التي خلُص إليها الباحثين, في مقال نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية تحت عنوان اللعبة الكبرى بين مصر وتركيا في الشرق الأوسط"؛ مبررين هذه النتيجة بأن السيسي يرى أردوغان باعتباره منافسًا في المشرق العربي، ولا سيما في السياسة، فأردوغان كان حليفًا لمرسي, فضلاً عن استطاعته الفوز بأربعة انتخابات متتالية، حتى صار نموذجًا ذهبيًا للإسلاميين السياسيين في الشرق الأوسط. وبحسب المقال، ينظر السيسي إلى نجاح أردوغان كما لو كان تجسيدًا لخصومه السياسيين, بالتالي ليس من المرجح أن تتعافى العلاقات التركية-المصرية في المستقبل القريب، طالما ظل كلا من أردوغان والسيسي في السلطة، بل وربما تزداد الصراعات بداية من غزة إلى قبرص والعراق وكذلك التنافس الإقليمي بينهما. وفي ما يلي ننشر لكم أهم ما جاء في المقال: يبدو أن الفوضى في الشرق الأوسط وضعت العديد من العلاقات رهن الاختبار. إحداها؛ العلاقات بين مصر وتركيا، إذ أصبحت الأخيرة بعد وقت قصير من سقوط مبارك في عام 2011 حليفا لمصر في عهد مرسي، لكنها سرعان ما تحولت لدور الخصم الرئيس في عام 2013 بعد استيلاء عبد الفتاح السيسي على السلطة في مصر، إذ طلبت تركيا,في أغسطس 2013، من مجلس الأمن الدولي فرض عقوبات على السيسي. و ضغطت مصر في العام التالي، ضد ترشيح تركيا للحصول على مقعد في مجلس الأمن، وصرح الرئيس التركي "أن حكومته لن تقبل بنظام السيسي الذي قام بانقلاب عسكري، ووصفته ب "الطاغية غير الشرعي". وصلت العلاقات إلى ذروة التدهور بعد قرار مصر إطلاق غارات جوية ضد تنظيم الدولة في ليبيا, حيث أدانت أنقرة الغارات هذه الهجمات. وقالت إنها "تُعمّق المشاكل القائمة في ليبيا، وتعرقل الجهود الرامية إلى حل الأزمة من خلال الوسائل السلمية"، ما يعني أن التنافس الإقليمي بين مصر وتركيا يؤدي إلى تفاقم الحرب الأهلية الليبية وقد يرمي بالمنطقة بأسرها في أتون مزيد من الفوضى, خاصة أن كلاهما يعتبر نفسه أكبر الدول ذات الأغلبية المسلمة في الشرق الأوسط، وأكبر القوى الإقليمية وقائد الإسلام السني. ويعود التوتر في العلاقات بين البلدين إلى عهد الدولة العثمانية, لكن التوتر برز في العصر الحديث من جديد مع صعود أردوغان إلى السلطة وإثبات نفسه في المنطقة، مما جعل مبارك, رئيس البلاد آنذاك، يعتبر نشاط أنقرة في الشرق الأوسط يأتي على حساب هيبة الدولة المصرية في المنطقة، فضلا عن التدخل في السياسة الداخلية لمصر, ومع ذلك ارتفع حجم التجارة بين البلدين بين عامي 2002 و 2013، من 301 مليون دولار إلى 5 مليار دولار. وبعد الإطاحة بمبارك، تعززت العلاقات بين البلدين وقام أردوغان بزيارة مصر في سبتمبر 2011 واستقبلته الحشود المصرية كبطل، وظلت هذه العلاقة وتوطدت أكثر في عهد مرسي, لدى زيارة أردوغان القاهرة للمرة الثانية في نوفمبر 2012. كما أوضح أن التحالف المصري التركي من شأنه أن يضمن السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، ويقيد قدرة إسرائيل. كما أثنى أردوغان على الشباب المصري وأعلن أن "مصر وتركيا يد واحدة". لكن طموحات أردوغان لشراكة استراتيجية مع مصر تلاشت مع الانقلاب العسكري وبحلول نوفمبر 2013، كانت العلاقة التركية المصرية في حالة يرثى لها، حيث استدعت وزارة الخارجية المصرية السفير التركي لإبلاغه بأن لديه 48 ساعة لمغادرة البلاد, ويبدو أن الصعود والهبوط المفاجئ للعلاقة المصرية-التركية ترتبط بشكل مباشر مع دعم أردوغان لجماعة الإخوان المسلمين ومعارضته الشديدة للحكم العسكري في مصر. وبدأت الملاسنات بين البلدين حيث وصف أردوغان السيسي بأنه "طاغية" واتهم الحكومة المصرية بممارسة "إرهاب الدولة, بينما اتهمت وسائل الإعلام المصرية تركيا بدعم حملة إرهابية ضد أجهزة الأمن المصرية التي اندلعت في سيناء بعد الإطاحة بمرسي. وبدا توتر العلاقات أكثر في صيف 2014، حين اندلعت الحرب في غزة, عندما عرضت تركيا وقطر خطة للسلام في مقابل خطة مصر، حتى شكا مسؤولون مصريون إلى نظرائهم الأمريكيين من أن تركيا وقطر تسعيان عمدا لاستخدام غزة لتقويض المصالح المصرية. وفي ليبيا دعمت مصر والإمارات خليفة حفتر ضد الإسلاميين التي قيل أنها مدعومة من تركيا, كما تحدى السيسي تركيا بعقد قمة ثلاثية مع رئيسي قبرص واليونان للترويج لصفقة لتوريد الغاز الطبيعي من حقول تحت البحر قبالة سواحل قبرص إلى مصر. يبدو أردوغان هو الزعيم الأقوى في تركيا منذ أصبحت البلاد دولة ديمقراطية متعددة الأحزاب, وعلى الرغم من ذلك، يبدو أنه يخشى مصير مرسي, وطالما أن أردوغان غير قادر على التأقلم مع الواقع الجديد في السياسة المصرية، فلن يكون هناك تطبيع في العلاقات التركية المصرية.