■ ستقرأ خبراً فى الجريدة يفيد بأن عربة ملاكى اصطدمت بسيارة نقل ونجم عن ذلك وفاة صاحب العربة الملاكى، حُشرت السيارة بين المقطورة وحاملتها، ستمر عابراً على الخبر، تنتقل إلى جدول المسلسلات الذى يحتل الجزء الأكبر من الصحيفة، ربما إن كنت ملولاً تريد إزجاء وقتك فى رمضان ستضطر لأن تقرأ ما طُرح فى الموازنة العامة للدولة. هناك، فى الجانب الآخر، ستهرول أسرة وأصدقاء ومعارف، يحاولون أن ينقذوا قريبهم الذين سمعوا لتوهم عن الحادثة على الطريق السريع، لا يلحقون -كالعادة- سائق النقل الذى كان مخموراً فى الأغلب، ولم تعد الاختبارات تُقام بنفس العزيمة حين طُرحت. فتور يغلب على القانون بمرور الوقت. يقول يوسف إدريس إن التعوّد كالزمن يقتل الأشياء، مؤخراً أصبح يطول الأشخاص. لن يقرأ متصفّح الجريدة أن المتوفى يبلغ من العمر 30 عاماً، لن يعرف أنه ترك ابناً فى الرابعة من العمر، وفتاة لم تكمل عامها الأول، لن يذكر تقرير المستشفى الاستثمارى الذى حمل جسد المريض قبل وفاته إغماء الأم، وذهول الزوجة، وقهر الأصدقاء، سيطلب فقط دفقة جديدة من النقود ليستطيعوا إحضار سيارة تكريم الإنسان. ■ فى المركز القومى للترجمة كتاب يصدّر صفحته بصورة ل«بن لادن» بجانب شخص ملثم يحمل السلاح، الكتاب اسمه «صورة لمصر.. رحلة فى عالم الجماعات الإسلامية المتشددة، صورة جديدة لبن لادن». يقول الغلاف إنّه من تأليف مارى آن ويفر، وترجمة نشأت باخوم، ومراجعة نسيم مجلى، وتقديم محمد عفيفى. إذن فإن الكتاب مر على كثيرين، فى المقدمة، يقول صاحبها ما مفاده بأن مشترى الكتاب خاسر، حيث يقول نصّاً عن المؤلفة: «محدودية الطابع الأكاديمى.. عندها مغالطات تاريخية.. نختلف معها فى كثير من التفاصيل.. المؤلفة ليست إلا صورة جديدة من صور الاستشراق القديم الذى عرفناه سابقاً.. عندها مقارنات ظالمة». هذا غيض من فيض نثره المقدّم الذى من المفترض أن تقرأه ليحثك على إكمال كتاب ذى موضوع حساس، لا سيما هذه الآونة، وصدر عن مؤسسة حكومية منوط بها إصدار مطبوعات للباحثين وأصحاب الرغبة فى المعرفة. هل قرأ وزير الثقافة أو مدير الإصدارات ذلك؟.. أشك فى كونهم طلبوا المقدمة، ثم أردفوا بها الكتاب، واثقين فى مرور القارئ والمسئول العابر عليها. ■ يعتذر مسئول بوزارة النقل عن تأخر فتح محطة مترو ل671 يوماً، لا يذكر أسباباً واضحة للإغلاق كل هذه الفترة، لا يلتفت للكارثة المرورية التى لحقت بالمواطنين نظير ذلك، تظهر فقط عدسة مصوّر بديع لتوثّق صورة إعادة التشغيل وسيارة المترو تمضى، وعربة «للسيدات فقط» مكدسة بالرجال، لا يشغل بال رجال الأمن، ولا يهتم الرجال المتزاحمون للركوب، لا يهم إلا اللحاق بالمترو، الذى يشكل حلقة فى إطار سلسلة من اللهاث خلف كل شىء دون تركيز فى التفاصيل، ليصبح اللحاق بمكان فى مواصلة حلماً، وتطبيق القانون أو مراعاة الآخرين يأتى فى مرتبة لاحقة. «البلد حتقف عشان رجالة ركبت فى عربية الستات؟». الإجابة إن البلاد لا تقف لكن نفسية أهلها أصابها الانسداد. ■ يقول دان براون إن الشيطان يكمن فى التفاصيل، لكن يمكن أن يكمن الجمال فى التفاصيل، حين لا يكون المرور عابراً على حوادث الموت على الطرق السريعة والبطيئة، حين تُصرف الأموال فى نصابها، حين تكون لحياة الفرد الواحد قيمة الدولة كلها.