دخلت تركيا اليوم، مرحلة اضطرابات غير مسبوقة، غداة الضربة القاسية التي تلقاها حزب الرئيس الإسلامي المحافظ رجب طيب أردوغان، وأدت إلى تراجع أسعار العملة الوطنية والبورصة في البلاد. ففي ختام استحقاق تحول إلى استفتاء حول شعبية أردوغان، أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية، خسر الرئيس الأكثرية المطلقة في البرلمان، التي كانت بحوزته منذ 13 عاما، ما يجبره للمرة الأولى على تشكيل ائتلاف أو حكومة أقلية. انعكس تأثير نتائج الانتخابات صباح اليوم، على الأسواق التركية، حيث سجلت بورصة اسطنبول هبوطا بنسبة 6%، بينما تدنت الليرة التركية إلى مستوى قياسي، إزاء الدولار واليورو، إذ خسرت نحو 4% بالنسبة إلى العملتين، وتم تداولها بعد الظهر ب2.75 ليرة مقابل الدولار، و3.07 مقابل اليورو. وسارع البنك المركزي التركي، إلى التدخل حيال هذا الانهيار، معلنا خفض نسب الفوائد على الودائع القصيرة الأمد بالعملات الأجنبية لمدة أسبوع. واعتبر المحلل أوزجور ألتوج، من "بي جي سي بارتنرز"، أن الغموض سيستمر إلى حين تشكيل حكومة جديدة. وسعى أردوغان، الضحية الرئيسية لاستحقاق أمس، إلى تهدئة المخاوف اليوم، وبعيدًا عن نبرة التحدي التي اعتمدها أثناء الحملة، دعا الرئيس الأحزاب السياسية، إلى التصرف ب"مسؤولية" للحفاظ على "استقرار" البلاد، كما دعا إلى تشكيل حكومة ائتلافية، قائلا: "النتائج الحالية لا تعطي الفرصة لأي حزب لتشكيل حكومة بمفرده". وأشارت النتائج الرسمية، إلى تصدر حزب العدالة والتنمية، بحصوله على 40.8% من الأصوات، ما يشكل تراجعا بحجم 10 نقاط تقريبا، مقارنة بنتيجته قبل 4 أعوام (49.9%). ونتيجة للتباطؤ الاقتصادي الأخير، واتهام أردوغان بالنزعة التسلطية، خسر الحزب الغالبية المطلقة في البرلمان، ولم يحصل سوى على 258 مقعدًا من أصل 550، أي أقل بكثير من الغالبية المطلقة البالغة 276. لكن ما أسقط الحزب الحاكم فعلا، هو حزب الشعب الديمقراطي المناصر للأكراد، الذي تمكن من تجاوز نسبة 10% الإلزامية لدخول البرلمان، ونال هذا الحزب الذي يعتبر الفائز الأكبر في الاستحقاق برئاسة صلاح الدين دميرتاش، 13.1% مع نحو 80 مقعدًا. وحل حزب الشعب الجمهوري "اشتراكي - ديمقراطي" ثانيًا، بحصوله على 25% من الأصوات، و135 مقعدًا، فيما نال حزب العمل القومي (يمين) 16.3% وأصبح يشغل نحو 80 مقعدًا. وقضت هذه النتيجة على مشاريع أردوغان، بتعديل الدستور لإقامة نظام رئاسي قوي في تركيا، كان يلزمه من أجل تمرير هذه الإصلاحات، التي نددت بها كل الأحزاب الأخرى، باعتبارها "ديكتاتورية دستورية"، الفوز ب330 مقعدًا لكي يمكن لحزبه اعتماده بمفرده. واعتبرت صحيفة "حرييت" التركية، اليوم، أن الأتراك قالوا له إنهم لا يقدرون حكمه شخصيا، بينما رحب خصوم أردوغان بأول خسارة سياسية له منذ 13 عاما. وعلق دميرتاش: "نحن الشعب الذي يعاني من القمع في تركيا، ويريد العدالة والسلام والحرية، حققنا انتصارا كبيرا اليوم"، متعهدا ب"تشكيل معارضة قوية وصادقة"، فيما صرح زعيم حزب العمل القومي داود بهجلي، بأن نتائج الانتخابات تشكل "بداية النهاية لحزب العدالة والتنمية". وبدأ السياسيون والمحللون، التكهنات اعتبارا من أمس، بخصوص تركيبة حكومة ائتلاف محتملة، فعلى الورق، تملك الأحزاب المعارضة الثلاثة، الأكثرية الكافية لذلك، لكن رئيس الوزراء وزعيم الحزب الحاكم أحمد داود أوغلو، الذي يلتقي أردوغان اليوم، استبعد هذا الخيار، معبرًا عن رغبته الاحتفاظ بالسلطة، وصرح بأن "هذه الانتخابات أثبتت أن حزب العدالة والتنمية هو العمود الفقري لهذه البلاد". وأعرب عدد من أعضاء الحكومة، عن تأييدهم تشكيل ائتلاف، فيما صرح نائب رئيس الوزراء نعمان كورتولموش بأنه السيناريو "الأكثر ترجيحا". وفي حال فشل المشاورات التي تجري في الأيام ال45 المقبلة، يحق لأردوغان حل البرلمان، ودعوة الناخبين مجددًا إلى صناديق الاقتراع.