السؤال المطروح بعد انتهاء قمة كامب ديفيد بين الرئيس الأمريكى باراك أوباما وزعماء دول مجلس التعاون الخليجى هو: هل يستمر «الزواج الكاثوليكى» الذى ظل قائماً بين دول الخليج والولايات المتحدة أكثر من 80 عاماً؟ الإجابة ببساطة: لا، لماذا؟ لأن الزواج الكاثوليكى يمنع دخول «شريك ثالث» بين طرفى الزواج، والرئيس أوباما مصمم على توقيع الاتفاق النهائى حول البرنامج النووى الإيرانى قبل نهاية يونيو المقبل، وهو ما يجعل طرفاً ثالتاً، وهو «إيران»، يدخل فى العلاقات الخليجية الأمريكية. الفتور فى العلاقات الأمريكية الخليجية عبّر عنه بوضوح غياب العاهل السعودى الملك سلمان بن عبدالعزيز عن قمة كامب ديفيد، وكذلك غياب ملك البحرين حمد بن عيسى بن سلمان الذى حضر مهرجاناً للخيول فى لندن فى نفس يوم انعقاد قمة كامب ديفيد، وهو ما يؤكد أن العلاقات «الحصرية» التى كانت بين الجانبين، والتى بدأت مع اكتشاف أول حقل للبترول شرق السعودية عام 1933 من جانب الشركة الأمريكية العربية للزيت، ثم لقاء الملك عبدالعزيز آل سعود مع الرئيس الأمريكى فرانكلين روزفلت فى فبراير 1945 على ظهر السفينة «كوينسى» فى البحيرات المرة بقناة السويس، هذه العلاقة تتعرض الآن لامتحان صعب، حيث «يقامر» أوباما بعلاقات بلاده التاريخية مع دول الخليج مقابل مصالح «غير مؤكدة» مع إيران، وهو ما يحتم على السعودية وأشقائها الخليجيين أيضاً البحث عن «شركاء» جدد لهم فى الساحة الدولية، وهذا ما ينهى عملياً عقد «الزواج الكاثوليكى» الذى كان سائداً فى العلاقات الخليجية الأمريكية خلال الثمانية عقود الماضية. لكن السؤال الآن: هل يحدث انفصال أو طلاق نهائى بين الجانبين الخليجى والأمريكى مع التوجه الأمريكى نحو إيران؟ المرجح أن الطرفين الخليجى والأمريكى ليسا على استعداد لإنهاء العلاقة الطويلة بينهما، فالولايات المتحدة من جانبها تسعى لترتيب مصالحها فى الخليج، بحيث تكون للعلاقات الأمريكيةالإيرانية الأولوية على العلاقات الخليجية الأمريكية، لكن دون «طلاق» نهائى مع دول مجلس التعاون الخليجى، وهنا يظهر نموذج «الزواج الإسلامى» كبديل أمام دول الخليج. خيار الزواج الإسلامى يسمح بأكثر من زوجة، وأن يقف الزوج «على مسافة واحدة» من جميع الزوجات، وهو النموذج الأمثل الآن لدول مجلس التعاون الخليجى للبحث عن علاقات جديدة ربما تكون مع روسيا التى لم تستخدم حق الفيتو، وامتنعت فقط عن التصويت على القرار 2216 الخاص باليمن بما يفتح آفاقاً جديدة لتقريب وجهات النظر الروسية السعودية خاصة بعد اللقاء الذى جمع الأمير محمد بن نايف ولى العهد السعودى مع السفير الروسى بالرياض عقب عودته من كامب ديفيد، كما أن السعودية ودول الخليج قد تكون على استعداد لتكرار صفقة صواريخ «رياح الشرق» الصينية التى اشترتها السعودية منتصف ثمانينات القرن الماضى رغم الاعتراض الأمريكى، يضاف لذلك حضور الرئيس الفرنسى للقمة الخليجية التشاورية التى عُقدت بداية مايو الحالى، وهو ما يُظهر تقارباً غير مسبوق فى وجهات النظر الفرنسية مع وجهة النظر الخليجية فى ملفات البرنامج النووى الإيرانى، والملف السورى، وتسليح الجيش اللبنانى بما يؤشر على بزوغ رغبة قوية لتنويع الشركاء الدوليين لدول الخليج بعد أن كانت العلاقات الخليجية مع الغرب تحت العنوان الأمريكى. وهناك أكثر من سبب يدعم التحول الخليجى إلى نموذج «الزواج الإسلامى» فى العلاقات الدولية أبرزها سياسة «الاستدارة شرقاً» التى أعلنها أوباما فى عام 2012، وتقوم على أن يكون وسط وجنوب شرق آسيا مركز السياسة الأمريكية بدلاً من الشرق الأوسط لمحاصرة الصين من ناحية، والتقرب من ملايين الطبقة الوسطى الآسيويين وهم المستهلكون الكبار للبضائع الأمريكية، بالإضافة إلى تقليل التكلفة الاقتصادية للانخراط فى قضايا الشرق الأوسط وهو ما وضح فى الانسحاب الأمريكى من العراق عام 2011، ورفض أوباما التدخل فى الأزمة السورية عسكرياً، وهذا التحول سوف يخلق «فراغاً استراتيجياً» فى المنطقة، وهو ما يضيف أدواراً جديدة على دول الخليج «عاصفة الحزم نموذجاً» بالإضافة إلى بروز قوى دولية أخرى على استعداد للعب دور فى الخليج ربما بتكلفة سياسية أقل من التكلفة الأمريكية، وهو ما يعزز التوجه بقوة نحو نموذج الزواج الإسلامى فى العلاقات الخليجية الدولية.