على الرغم من أن الفترة التى قضاها أسامة الباز فى قلب غرفة صنع القرار السياسى، فإن السنوات الأكثر أهمية بدأت منذ عام 1998، عندما هبت رياح التغيير على مصر سواء من الداخل أو الخارج، وكان «أسامة» شاهداً رئيسياً على التحولات العاصفة التى طرأت على مستقبل الحكم، من خلال انطلاق عملية التوريث، وحسب ما تقول الإعلامية أميمة تمام زوجة الباز التى عاصرت معه تلك الفترة الحساسة، فإن خيوط اللعبة كانت فى يد سوزان مبارك وزكريا عزمى. وانتهت تلك المرحلة بإقصاء كل الرجال الذين حذروا الرئيس وأسرته من مغبة المضى فى مشروع توريث جمال مبارك. ونتابع هنا ما ترويه أميمة تمام عن أسرار تلك المرحلة. كان العام 1998، مهماً فى تحديد مسارات الأحداث السياسية فى مصر، فقد شهد بداية الحديث عن التحول الديمقراطى والحريات، كما شهد عدة لقاءات مع شخصيات نافذة بالولايات المتحدةالأمريكية ودول أخرى تحاول الضغط على مصر، ولكن الحديث أمامى كان يتركز على أنهم يريدون التغيير من الداخل وليس من الخارج، وكانت هذه قناعتهم، وما حدث فى 2005 وتاليها 2011، لم يكن وليد لحظة بل نتاج سنوات طويلة من المخاض، وضغوط كبيرة على مصر استمرت نحو 13 سنة، من شخصيات مصرية فى أمريكا، منها شخصيات مسيحية مثل أقباط المهجر، حيث كانوا يحاولون الضغط فيما يخص الملف المسيحى الذى كان يشكل عبئاً على الإدارة المصرية وقتها. فى تلك الفترة الحساسة، وبالإضافة إلى ما سبق، كان «الباز» شديد الانشغال، وقام بالعديد من الرحلات المكوكية إما لإسرائيل أو فلسطين بشأن مباحثات السلام، كما كان يستقبل وافدين من أجل عملية السلام. وفى هذه الفترة، لم أكن أرى «الباز» تقريباً، كان منهمكاً جداً فى العمل، قد تصل إلى 4 أيام متواصلة، وفى نفس الوقت، كان «الباز» لا يزال يأمل فى أن الغد يحمل شيئاً واعداً، ولم يكن متشائماً بالصورة التى رأيتها عليه بعدها بخمس سنوات. كانت علاقة «الباز» بعمر سليمان، يغلفها الاحترام الشديد المتبادل، وكان «الباز» يعتبر اللواء سليمان شخصية وطنية محترمة فريدة، وكان يطلق عليه لقب «المخ» كما يلقب فى الكواليس، ولا أعرف ما إذا كان هذا لقب «سليمان» فى المخابرات أم لا. لكن هذا ما سمعته من «أسامة» عدة مرات. وعلاقتهما قديمة جداً منذ الشباب، وتوطدت من خلال العمل، والقضايا والملفات المشتركة التى جعلت العلاقة أقوى من الصداقة. هما من جيل واحد، خلفياتهما متشابهة، خدما مصر معاً، ولكن أسامة الباز لم يتسابق ولم يتنافس مع غيره من زملائه أمثال صفوت الشريف أو زكريا عزمى فى الرئاسة. احتدمت المنافسة فى السنوات الأخيرة، خاصة مع ظهور الحرسين القديم والجديد، وذلك مع ظهور جمال مبارك على الساحة، وأعنى بالحرس القديم رجال مبارك أمثال زكريا عزمى، والحرس الجديد هم رجال جمال مبارك. وكأى مرحلة انتقالية، كان الكل يتوقع أن مصر ستدخل مرحلة جديدة مع «جمال»، والكثير منهم حاول القفز للمركبة الجديدة للبقاء مع «جمال»، من خلال تقديم القرابين، ودعمه وتقديم الأفكار له، والمزايدة على غيرهم، وهذا ينطبق على جميع الوجوه التى استمرت حتى وقوعهم فى الثورة ما عدا أسامة الباز. علاقة «الباز» بزكريا عزمى كانت متوترة للغاية، وكان فى بداية العمل لكنه زاد فى السنوات الأخيرة وتطور إلى سوء تفاهم مستمر، وظهرت بعد ذلك نتيجته، على هيئة محاولات مستميتة من زكريا عزمى للإيقاع بين الباز ومبارك، كان زكريا ينقل لمبارك بعض الأشياء الخاطئة عن الباز دون أى شفافية فى توصيل المعلومة، بالتزامن مع ذلك كانت هناك خطط مستقبلية توضع، مثل توسيع مساحة ظهور جمال فى الصورة السياسية، وعدم توصيل الرسائل بشكل أمين لمبارك، والإحاطة بالرئيس وإغلاق جميع قنوات الاتصال عنه، خاصة بينه وبين الباز، وحدثت عملية تعتيم للأخبار وكانوا ينتقون ما يصل إلى مبارك بحيث ينقلون إليه ما يريدونه، لإيهامه بأن الحياة أكثر استقراراً فى مصر، ومنعوا بعض الشخصيات من الاتصال بشكل مباشر بالرئيس، وكان «الباز» إذا اتصل بمبارك يقولون له إنه نائم أو مشغول فى اجتماعات ويفاجأ الباز بعدها باتخاذ قرارات دون علمه نهائياً. من هنا بدأ مبارك يسىء فى اتخاذ القرارات، وبعد فترة بدأت القرارات تصدر بعيداً عنه، وبالتحديد كانت القرارات فى السنوات الأخيرة تصدر عن لجنة السياسات ومن جمال مبارك، فى كل ما يتعلق بالشئون الداخلية، وبدا أن مبارك مستسلم لما يحدث من حوله، وفى الحقيقة كان مبارك مدركاً تماماً لما يحدث حوله خاصة عملية تغييب «الباز»، وكانوا يخبرونه أن أسامة «مش فاضى وغير موجود». وعلى الرغم من ذلك، كان الباز منهمكاً ومهتماً جداً بمباحثات السلام والقضية الفلسطينية، وكان هذا هو الواضح أمام الناس، وكانت هذه القضية بالنسبة له مسألة حياة أو موت، وكانت من أهم أولوياته، وأخذ فى هذا الملف فترة طويلة، وكان الحزن يسيطر عليه عندما يحدث أى اعتداء إسرائيلى، كان يشعر بأن كل مجهوده فى مهب الريح، خاصة أن اليمين الإسرائيلى متطرف جداً. قبل مرحلة الفتور، كان «مبارك» يتدخل فى المباحثات الرسمية ويتابعها، وكان «الباز» يطلعه على كل ما هو جديد، ويتناقشان فى تطورات الأحداث، ولا أحد يستطيع أن ينكر إنجازات «الباز» فى الملف الفلسطينى، وله بصمات كبيرة فى هذه الفترة التى تولى فيها القضية، وظل هذا الملف معه، إلى أن اغتيل ياسر عرفات بالسم، وانتقل الملف للمرحوم اللواء عمر سليمان فى عام 2005. وكان «سليمان» قبلها يتابع الملف لكن ليس بشكل أساسى، حتى تولاه بشكل كامل. ومن هنا، قرر «أسامة» أن يحترم نفسه ولم ينحن لغير الله، وعندما بدأت تظهر فى الأفق بوادر استبعاده، رغم عطائه المستمر، وكان بكامل صحته، احتفظ بكرامته التى هى فوق الكل، وجاء على نفسه، حيث تم سحب منه الملفات وتقليص دوره، وحجب أى معلومات عنه، وفرض حصار على مبارك، وشهدت هذه الفترة حرباً شرسة وغير أخلاقية، وهى فترة الصراع من أجل البقاء.. وزكريا عزمى كان له يد فيها أكثر من صفوت الشريف. كان يقول «الباز» عن سوزان مبارك زوجة الرئيس الأسبق، إنها سيدة مهذبة وتحب العمل الاجتماعى، ولكنه لم يكن يحب المغالاة والمبالغة فى ظهورها الشديد، ولم يكن مقتنعاً بفكرة أن السيدة الأولى هى التى تتصدر المشهد السياسى، بل إنه يعتبر أن السيدة الأولى فكرة غير مستحبة، ولم يكن هذا يعنى حجب زوجة الرئيس، ولكن يقصد عدم المبالغة فيه، ويجب أن تكون فى إطارها فقط، وهو المشاريع التى كانت تقوم بها، ومؤسسات المجتمع المدنى وغيرها، وكان يرى أنه دور جيد تقوم به سوزان مبارك، لكن تعاظم وتضخم دورها بشكل كبير إلى أن أدى إلى السقوط، لأنه تحول من ظهور اجتماعى إلى شريكة أساسية فى القرار ثم صانعة القرار.