في عنبر الملحق، رجل أربعينى، يرتدى بيجامة خضراء، يضع يديه على وجهه وبنظرة غريبة قال: «أنا دخلت مستشفى العباسية سنة 1984 لأن أعصابى تعبانة وعندى عدم اتزان وكل ما أقف على رجلى أحس بدوخة وأقعد تانى، وكمان كان عندى شلل فى دراعى اليمين، لدرجة إن دراعى لم أستفد به فى أى شغل أو أى شىء، أنا متعلم معايا ابتدائية وساكن فى الطالبية هرم، وأهلى مش بيسألوا عليَّا كأنهم مش موجودين فى حياتى، مفيش اهتمام منهم وأنا أصلاً كنت متجوز وطلقت وعندى ولد اسمه شادى متعلم ومعاه الإعدادية وبيشتغل دلوقتى سواق فى دولة قطر مع عمه، ودى من ضمن الحاجات اللى مضايقانى إنه سافر مع عمه ومش عارف أبعتله جواب أو هو يبعت لى أى حاجة، بقالى سنة مشفتهوش من ساعة ما سافر مع عمه ومش عارف السبب، نفسى أسمع صوته أو أشوفه، أنا عندى 11 أخ وأخت، 7 صبيان و4 بنات، لكن أنا بتعصب على إخواتى البنات وبعلى صوتى لما حد يتدخل فى حياتى، مبحبش أكون تحت الميكروسكوب، وكتر العصبية هى اللى بتجيبنى المستشفى، وكمان إخواتى البنات بيتريقوا عليَّا ومعاملتهم معايا وحشة جداً ومحدش فيهم بيصرف عليَّا ولا فلوس ولا لبس، لازم أطلب منهم علشان آخد فلوس، ودى مشكلة بالنسبة ليهم، عشان كده مش عاوز أخرج من هنا، ولو خرجت هشتغل مع أخويا هو مشارك على مقلة صغيرة بيبيع لب وسودانى وحمص، هشتغل معاه فيها، لكن أخرج من المستشفى إزاى وابنى خارج مصر بيشتغل بره يعنى أخرج أعمل إيه؟». صمت للحظات دمعت عيناه ثم قال: «نفسى أعيش مع ابنى وإخواتى وأحس إنى جوه عيلة، لكن نظرة الناس صعبة، أنا خرجت قبل كده أكتر من 6 مرات من المستشفى ودخلتها تانى، كنت كل مرة أدخل المستشفى أقعد سنة بره مع إخواتى وآجى هنا شهرين بس لكن الحمد لله على كل شىء دلوقتى أنا حابب العيشة فى المستشفى أكتر من بره».