رغم اتفاق عام بين المتخصصين فى الفكر الدينى على أننا فى حاجة ماسة إلى تجديد الخطاب والفكر الدينى لكى يكون معاصراً ومناسباً للواقع الذى نعيشه، ورغم أن الأمة تعانى أشد المعاناة من سيطرة وهيمنة الفكر المتطرف الذى شكل خطراً ليس فقط على غير المسلمين ولكن أيضاً المسلمون كانوا هم أول الضحايا وأكثرهم نزفاً للدماء، رغم هذا فإن عملية التجديد فى ذاتها دخلت فى أزمة كبرى، كان أهم مشاهدها الموقف من إسلام البحيرى وهو باحث متخصص وحاصل على الدكتوراه فى المجال الذى يبحث فيه، وهى أيضاً الأزمة التى تجلت فى كتابات الدكتور فرج فودة الذى قتل والدكتور نصر حامد أبوزيد عندما انهالت دعاوى التكفير له ووصلت إلى حد إقامة دعوى تفريق بينه وبين زوجته مما أدى إلى هجرته إلى هولندا مغترباً عن وطنه، بسبب هذه القضية التى رفعت عليه واستندت إلى أنه أصبح مرتداً بكتاباته هذه. والآن البلاغات قدمت إلى النيابة العامة -حسب ما نشر- فى إسلام البحيرى وأيضاً بذات الدعاوى ضد نصر أبوزيد رغم أن كليهما انطلق فى بحوثه من الإيمان بالإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان، وأنهما أرادا تخليص المعتقدات مما أدخل عليها من تفاسير أو نصوص لا تتفق والقرآن الكريم، والهدف والغاية هو التجديد للخطاب الدينى والفكر الدينى لاسيما أن الكثير من القضايا الخلافية تتعلق بتعدد التفاسير والتأويل، وهو أمر مباح حتى فى العصور الأولى للإسلام وهناك العديد من القواعد التى أرساها المفكرون والفقهاء الأوائل مثل «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح»، والمصالح المرسلة، وغيرها من القواعد التى تشكل الأساس الذى تقوم عليه المدارس الفقهية، بل إن الاختلاف صحى ومفيد وهناك مقولة بشأن اختلاف المذاهب أن فى اختلافهم رحمة. الاختلاف صحى واختلاف الرؤى والفهم للنصوص لاختلاف الواقع الزمنى والجغرافى مطلوب، لذلك ظهر عندنا الكثير من التفاسير الدينية للقرآن، والمذاهب الدينية سواء السنية منها أو الشيعية، هذا التنوع والتعدد يكشف عن حقيقة أن الفقهاء كانوا يختلفون، فالفقه ليس قواعد جامدة وإلا لما تمكن المسلمون من إنتاج ضخم من القواعد القانونية بشأن تنظيم الحياة القانونية والتجارية والمدنية. ليس من بين المجددين من يريد إلا الخير للدين والإسلام والمسلمين وتغير الصورة النمطية لدى الآخر عن الإسلام ويعتبرونه أنه دين يحض على الإرهاب والقتل واستئصال الآخر، رغم أن هذا بعيد كل البعد عن حقيقة التسامح فى الإسلام وقيمه الإنسانية والحضارية، والتجديد ليس عملية حديثة إنما هى قديمة قدم الفقه الدينى، فمن المدارس الفكرية كانت هناك مدرسة العقل ويمثلها فرقة إسلامية مهمة وهى تقوم بالأساس على تقديم العقل على النقل وما يتطلبه ذلك من عملية نقد الفكر والفقه. وهناك نصوص مهمة تركناها وأخذنا بأقوال متعصبة ومتزمتة مثل الموقف من الأقليات الدينية، ولو عدنا مثلاً إلى صحيفة المدينة وهى الوثيقة التى أعلنها الرسول الكريم عند دخوله المدينة كرسالة طمأنة للأقليّات الدينية وكان أغلبهم من اليهود وكان يعدد القبائل ثم يختم بأن لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وهى تعد أول وثيقة لحماية الأقليات الدينية قبل مواثيق حقوق الإنسان الحديثة، بينما نرى الآن ما يتم من قتل واعتداء على المؤسسات الدينية للمسيحيين على يد تنظيمات «داعش» فى سوريا والعراق وليبيا. تجديد الخطاب الدينى الإسلامى مهمة وضرورة ليس فقط للمستقبل وقيم التعايش السلمى إنما أيضاً لحماية المسلمين أنفسهم، فالإسلاموفوبيا (الخوف من الإسلام والمسلمين) تتصاعد فى الغرب والمجتمعات غير المسلمة وأغلب المسلمين فى خطر الآن.