فيديو قصير تداوله مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعى يوم 24 فبراير الماضى فجّر الأزمة.. الفيديو لكلب شرس مربوط فى عمود حديدى بأحد الشوارع، وحوله عدد من الرجال يضربونه بالسيوف والسكاكين إلى أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، فيما يتجمع عدد كبير من المارة يشاهدون الحدث ويصورونه بتليفوناتهم المحمولة، وسط تهليل وصياح عدد كبير منهم. لم يكد الفيديو ينتشر على شبكة الإنترنت حتى قامت الدنيا ولم تقعد، راح الجميع يبحث عن أصل الفيديو، وقصة الكلب، ومكان الواقعة، ولم تمر بضع ساعات حتى كانت الشبكة العنكبوتية تضج بالتفاصيل: الواقعة حدثت فى شارع الأهرام بشبرا الخيمة، والكلب اسمه «ماكس»، وله صاحب، وصاحبه وقف يشاهد منظر ذبحه مع الأهالى. تتعدد التفاصيل إلى الدرجة التى دفعت المستخدمين لأن يدشنوا «هاشتاج» بعنوان «كلب شارع الأهرام» ليتبادلوا داخله كل المعلومات المتاحة عن واقعة الكلب، قبل أن تتلقف برامج التوك شو القصة وتفرد لها مساحة واسعة للمناقشة والتحليل، وفى المساء راحت القنوات الفضائية ترسم القصة، وتعيد تكوينها بمساعدة «صاحب الكلب» الذى توصلت إليه الفضائيات ومنحته المساحة ليروى الواقعة عبر المداخلات الهاتفية. حكى محمد سيد، الشهير ب«أوشا»، صاحب الكلب، القصة قائلاً إنها بدأت بمشاجرة مع أحد جيرانه ويدعى «أحمد»، بعد أن اصطدم الكلب بالأخير خلال لهوه ومناورته مع إحدى القطط بالشارع، ليقول ل«أوشا»: «لِم الكلب بتاعك دلوقتى هو وقع عليا الشاى أعمل إيه»، تطور الموقف بقيام «أحمد» بلكم «أوشا» على صدره ليتدخل الكلب مدافعاً عن صاحبه ومعتدياً على المهاجم، إلا أن الكمامة التى وضعها «أوشا» على فم الكلب أنقذت «أحمد» من الفتك به، ليتوعد «أحمد» بتأديب «أوشا»، وبعد أقل من ساعة واحدة عاد «أحمد» ومعه عدد من جيرانه وأصدقائه قرابة 40 شخصاً حاملين أنواعاً عدة من الأسلحة البيضاء تنوعت ما بين مطاوى وسيوف وخناجر، وفور رؤية «أوشا» للتجمهر قام بفك الكمامة من على وجه الكلب «ماكس» وأمره بمطاردتهم حتى يفض التجمهر وينقذ نفسه وأسرته من الفتك على يد خصومه، وبالفعل يتمكن الكلب «ماكس» من فض التجمعات المسلحة ويقوم ب«عض» عدد منهم، أحدهم أصيب فى خصيته، لتنتهى المشاجرة بفرار حاملى الأسلحة من الشارع، فيما ينصح الجيران «أوشا» بمغادرة المنطقة لحين هدوء الأوضاع، وعدم تحرير محاضر بالواقعة، ووعده بإنهاء المشكلة ودياً بعيداً عن تدخل الشرطة، ليستجيب «أوشا» ويغادر المنزل هو ووالدته والكلب «ماكس»، ويقطنوا بالقرب من مسكنهم فى أحد منازل أقاربهم الذى حاول التوسط مع الخصوم لإنهاء الخصومة والتوصل لحل يرضى الطرفين. يواصل «أوشا» الحكاية قائلاً إنه بعد أن ترك مسكنه وصلته أخبار بأن عدداً ممن أصيبوا فى المشاجرة يتوعدونه وكلبه، ويقول إن والدته لجأت لأحد كبار المنطقة وعضو سابق بمجلس الشعب للتوسط وإنهاء الخصومة، بعد قيام خصومه بتحرير محضر ضده يتهمونه فيه بالسرقة بالإكراه واستخدام الكلب فى ترويع المواطنين وسرقتهم، وواصلت والدته محاولتها لتهدئة الأمور وإنهاء الأزمة، وذهبت إلى والدة أحد المتضررين من الكلب لتعرض الدية أو تسديد نفقات العلاج دون أى استجابة لعرضها، ويضيف «أوشا» قائلاً إنه بعد شهر ونصف الشهر من الحادث عاد هو ووالدته إلى المنزل بعد هدوء الأوضاع نسبياً ليفاجأ خلال عودته من العمل فى اليوم التالى بزحام فى منتصف الشارع وفور اقترابه من الزحام وجد خصومه يتعدون بالضرب على شقيقته الكبيرة «حنان» محاولين إدخالها محل للمستلزمات الورقية مملوك لأحد الخصوم، ليتدخل ويتشاجر معهم ويتلقى ضربات فى وجهه أدت إلى كسر بعض أسنانه وتورم فى الوجه، ليقرر وقتها تحرير محضر بالواقعة ليصبح لدى كل طرف محضر ضد الآخر، ثم يترك هو ووالدته المنزل من جديد، وعاودت محاولتها لإنهاء الخصومة حتى قام أحد كبار المنطقة بعقد جلسة عرفية طالب فيها خصوم «أوشا»، من بينهم جزارون، بإحضار الكلب للتخلص منه إن كان «مسعوراً»، وانتهت الجلسة إلى تعهد «أوشا» بإحضار كلبه فى شارع الأهرام واختبار الكلب ما إذا كان «مسعوراً» أم لا، وإن ظهر أنه «مسعور» سيتم قلته، وإن بدا غير ذلك سيتم إطلاق سراحه ويتم ذبح «خروفين» أو «عجل» بدلاً منه، وطلب منهم أن يختبروه من خلال شخص غريب بأن يقوم ب«طبطبة» على ظهره، وبالفعل جاء الشخص ولم يتعرض له الكلب «ماكس» وأبدى تسامحه، لكنهم أصروا أن يختبروه ثانية وأمروه بربط الكلب فى أحد الأعمدة الحديدية الموجودة بالشارع، فاستجاب «أوشا» لطلبهم وطلب من صديقه ربط الكلب وبعدها ظهرت السكاكين وقاموا بطعنه وضربه وهو مقيد حتى سقط مقتولاً، فيما يقف «أوشا» عاجزاً عن إنقاذه، قائلاً: «أنا لو كنت دخلت كنت هموت، وأصحابى كانوا بيشدونى ويقولولى لو دخلت هتموت زيه». ويروى «أوشا» ما شعر به بعد رؤيته مقتل كلبه: «كنت حاسس إن الضرب ده بينزل على جسمى أنا مش الكلب، الكلب ده كان صاحبى، آكل وأشرب وأنام معاه سنة ونص قاعد ونايم معايا على سرير واحد»، مشيراً إلى أن خصومه غدروا به لأنهم أقنعوه بأنهم يختبرون الكلب، معبراً عن ندمه بعد الحادث لأنه وافق على إحضار الكلب لهم، وتابع قائلاً: «قلت لهم مرضيين كده يا رجالة، قالوا آه كده مرضيين.. رجالة شارع الأهرام خدوا حقهم». لم تنته القصة عند ذلك الحد، أشعلت مداخلات «أوشا» مع برامج التوك شو الموقف أكثر، احتل هاشتاج «كلب شارع الأهرام» صدارة موقع التواصل الاجتماعى «تويتر»، وأصبح الأكثر تداولاً ب1٫550 تغريدة، وذلك حسب إحصاء موقع «topsy» لحصر التغريدات التى يتم استخدام الهاشتاج بها، الجميع راحوا يطالبون بسرعة ضبط الجناة، ومحاسبتهم، صاحب ذلك إدانات من عدد كبير من مقدمى البرامج الذين أفردوا المساحات للقضية، خاصة بعد أن قرر عدد من العاملين فى مجال الرفق بالحيوان التقدم ببلاغات ضد المتهمين، حيث تقدم أحمد مدبولى عبداللطيف مدبولى، محامٍ حر، وكيلاً عن إيهاب مكرم عبدالملك، رئيس جمعية «الجايبر شايبر» للرفق بالحيوان، ومقرها 6 أكتوبر، ببلاغ للمقدم محمد سرحان، رئيس مباحث قسم شرطة أول شبرا الخيمة، واتهم الأشخاص الذين ظهروا فى مقطع الفيديو بتعذيب الكلب حتى الموت، مخالفين بذلك القوانين الحامية للحيوانات، وتمكن ضباط مباحث القسم من ضبط المتهمين فى 26 فبراير، أى بعد يومين من تداول الفيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعى، وبعد يوم من البلاغ المقدم، وبمواجهتهم اعترفوا بما نُسب إليهم، وتحرر عن ذلك المحضر رقم 4310 جنح قسم أول شبرا الخيمة لسنة 2015، وتم إحالتهم إلى النيابة، حيث أمر مصطفى المتناوى، رئيس نيابة قسم أول شبرا الخيمة، بحبس المتهمين 4 أيام على ذمة التحقيق، ووجهت النيابة للمتهمين تهم قتل حيوان عمد، حيث إن قتل حيوان عمد فى قانون العقوبات جنحة، ووجهت لهم تهمة البلطجة وحيازة سلاح أبيض وإثارة الرعب فى نفوس المواطنين، كما طلبت النيابة ال«سى دى» الذى يتضمن الواقعة من المباحث. وفتحت نيابة قسم أول شبرا الخيمة تحقيقاً موسعاً فى الواقعة، بعد أن تم القبض على المتهمين بقتل الكلب، وهم محمد حمدى محمد فرغلى، وشهرته «محمد بسة»، جزار، وعمرو إبراهيم عطا إبراهيم، وشهرته «عمرو الجزار»، 28 عاماً، المحكوم عليه فى 2 قضية «خيانة أمانة وتبديد» وحكم عليه غيابياً بسنتين، والسابق اتهامه فى القضية رقم 21546 جنح قسم أول شبرا الخيمة لسنة 2005، وأحمد عزت عبدالحميد عبدالمعطى، حاصل على دبلوم صنايع، السابق اتهامه فى 3 قضايا، آخرها القضية رقم 6036 جنايات قسم أول شبرا الخيمة لسنة 2012 «قتل»، وأمرت النيابة برئاسة مصطفى المتناوى، رئيس النيابة، بحبسهم 4 أيام بتهمة مخالفة القوانين المنظمة لعملية ذبح الحيوانات والتخلص منها. وزاد اهتمام وسائل الإعلام بقصة الكلب «ماكس» خلال الفترات التى لاحقت مقتله وإذاعة فيديو قتله، وأعلن نشطاء من خلال المحطات الفضائية عبر مداخلات عن تدشين وقفات للتنديد بممارسة أعمال العنف ضد الحيوانات، حيث أعلنت دينا ذو الفقار، الناشطة فى مجال حقوق الحيوان، عن تنظيم وقفة احتجاجية للتنديد بممارسة العنف ضد الحيوانات بميدان الجزيرة بالأوبرا، وأوضحت أنها تقدمت ببلاغ فى قسم شبرا الخيمة ضد مرتكبى واقعة ذبح كلب الأهرام. وأوضحت أن ممارسى العنف اليوم هم مجرمو الغد، لافتة إلى أن الشاب الذى ذبح الكلب سبق له أن ذبح حماراً، ودعت وسائل الإعلام ومؤسسات الدولة لعدم إذاعة مشاهد ذبح الكلب رفقاً بالأطفال، وأكدت أن القانون يعاقب بالحبس، وغرامة 50 جنيهاً، لمن يقتل حيواناً دون وجه حق، مطالبة بتطبيق المادة 86 من قانون الإرهاب على كل من يعذب الحيوانات. وبالفعل نظم عدد من المحتجين على مقتل الكلب «ماكس» وقفة احتجاجية صامتة، السبت 28 فبراير، أمام دار الأوبرا المصرية للتنديد بقتل «ماكس» وسط مطالبة بوجود قانون لحماية الحيوانات، ورفع المتظاهرون مجموعة من الصور لقتلة الكلب «ماكس» وكتبوا أسفلها «سفاحين»، كما رفعوا لافتات كتبوا عليها: «قتلة ماكس هم داعش المستقبل»، و«نطالب بقرار جمهورى بحقوق الحيوانات»، وفى اليوم نفسه، وأمام كوبرى قصر النيل، نظم عدد من الشباب وقفة احتجاجية للمطالبة بحق الكلب «ماكس» رافعين لافتات «ماكس دفع تمن وفائه لصاحبه»، و«ماكس مش أول ضحية». كما استنكر الشيخ مظهر شاهين، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، مشاهد الفيديو، وقال عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»: «أحياناً يكون الكلب أرقى خلقاً وشهامة من صاحبه، قلما تجد كلباً يخون صاحبه، فى حين أن كثيراً من الرجال خانوا كلابهم»، وتابع: «أبلغنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن امرأة دخلت النار فى هرة -قطة- حبستها حتى ماتت فلا هى أطعمتها ولا هى تركتها تأكل من خشاش الأرض، وأن رجلاً دخل الجنة فى كلب سقاه، الراحمون يرحمهم الرحمن». وكما أتاحت الفضائيات الفرصة ل«أوشا» لكى يحكى حكاية كلبه، أعطت الفرصة أيضاً لأهالى المتهمين كى يدافعوا عن أنفسهم، فاستضاف برنامج «العاشرة مساء» لمقدمه وائل الإبراشى، أهالى المتهمين، وراح يناقشهم ويهاجمهم ويهاجم أبناءهم، وخصص وقتاً طويلاً للمداخلات الهاتفية التى راح أصحابها بدورهم يهاجمون أهالى المتهمين، وبعد شد وجذب بين كل الأطراف انسحب الضيوف من البرنامج معترضين على طريقة إدارته، وعلى السماح للمتصلين بمهاجمتهم دون أن يسمعوا دفاعهم. ثم نشرت الصحف التى أبدت اهتماماً كبيراً بالواقعة خبراً بمعاقبة صاحب الكلب وخاله نادر محمد يحيى بالسجن المؤبد لكل منهما بتهمة السرقة بالإكراه، باستخدام حيوان شرس، «كلب»، هو نفسه الكلب المذبوح، وظهر فيما بعد أن صاحبى الكلب اعتادا على استخدام كلبهما فى التحرش ومعاكسة الفتيات بالقليوبية، وتهديد الضحايا أثناء سرقتهم بالإكراه. وفى 4 مارس الماضى حجزت محكمة جنح شبرا الخيمة، برئاسة المستشار معتز الحناوى، قضية ذبح الكلب «ماكس» إلى جلسة 11 من نفس الشهر، للنطق بالحكم واستمرار حبس المتهمين، وبدأت الجلسة بمرافعة النيابة العامة التى طالبت بتوقيع أقصى عقوبة على المتهمين، واستمعت إلى المدعين بالحق المدنى، وشن دفاع المتهمين هجوماً حاداً على الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى، واعتبرهما العامل الأساسى فى تضخيم الموضوع، فى حين أن هناك عشرات القتلى من البشر يجرى قتلهم دون أن ينطق أحد، أو يتقدم آخر ببلاغ، كما حدث فى قضية الكلب «ماكس»، متهكماً بقوله: «الجنازة حارة والميت كلب»، متابعاً قوله: «علينا أن ننظر إلى القضايا المهمة التى تهدد المجتمع، وأمن مصر واقتصادها، بدلاً من الانشغال بموضوع تافه»، كما عقدت المحكمة جلستها وسط إجراءات أمنية مشددة، أشرف عليها اللواء محمود يسرى، مدير أمن القليوبية، وتمت الاستعانة بعدد كبير من سيارات الشرطة وقوات الأمن المركزى وخبراء المفرقعات والسيارات المصفحة التى انتشرت فى الشوارع المحيطة بالمحكمة، وشهدت القاعة حالة من الشد والجذب بين دفاع المتهمين، ومندوبى جمعيات الرفق بالحيوان، ونجحت قوات الشرطة فى السيطرة عليها. وفى 11 مارس، قضت محكمة جنح شبرا الخيمة، برئاسة المستشار معتز الحناوى، بالسجن 3 سنوات مع الشغل والنفاذ للمتهمين بتعذيب وذبح الكلب «ماكس» بشبرا الخيمة حضورياً، وغيابياً على مالك الكلب، وألزمت المحامين بمصاريف الدعوى ورفض الدعوى المدنية، وكان المستشار عمرو سامى، المحامى العام لنيابات جنوبالقليوبية، أمر بإحالة المتهمين: محمد حمدى محمد وعمرو إبراهيم عطا وأحمد عزت عبدالحميد، إضافة إلى أحد أصحاب الكلب ويدعى نادر محمد يحيى «هارب من المحاكمة» فى واقعة تعذيب الكلب إلى محكمة الجنح. وعقدت الجلسة التى استغرقت 10 دقائق وسط إجراءات أمنية مشددة، ووجود أمنى مكثف تحت قيادة اللواء مصطفى حجاب، مساعد مدير أمن القليوبية، وبمشاركة المقدمين حسن مكاوى، معاون الضبط بقسم أول شبرا الخيمة، ومحمد سرحان، رئيس مباحث قسم أول شبرا الخيمة، كما تم وضع بوابة إلكترونية لكشف المعادن والمتفجرات، وخضع كل الموجودين بالمحكمة والمترددين على المبانى لعمليات تفتيش واسعة للتأكد من عدم إدخال أى أسلحة أو ممنوعات، ورفض القاضى السماح بتصويرها لكل وسائل الإعلام، كما طلب إخراج الصحفيين، والإبقاء على المحامين فقط، وإيداع المتهمين فى القفص وإثبات حضورهم، واستهل صدور القرار بطلب الحضور عدم التعليق على الحكم، وتلا القاضى الحكم وسط انهيار تام من المتهمين وذويهم الذين لم يتوقعوا أن يصدر حكم مشدد فى الواقعة. وعقب النطق بالحكم، انتابت أهالى المتهمين حالة من الغضب، وتجمهروا أمام المحكمة، مرددين هتافات: «ظلم.. حرام.. مش هنمشى»، فى المقابل فرضت أجهزة الأمن كردوناً أمنياً حول المحكمة لتهدئة المواطنين والسيطرة على الموقف.