ما إن يبزغ ضوء الشمس حتى يفتح المقهى أبوابه. عامل يرش مياهاً على خلفية آيات من القرآن، تخرج من راديو معلق على رف قرب السقف. دقائق قليلة ويهل السائقون واحداً تلو الآخر، فقد اعتادوا منذ سنوات أن يتجمعوا فى هذا المكان. منذ 12 عاماً اعتاد «عادل الحلوانى» انتظار أول النهار ليجلس فى مقهى «ليالى القمر» الذى يحتضن سائقى السيارات الأجرة فى منطقة وسط البلد، حتى أُطلق عليه مجازاً «مقهى السائقين». اختيار المكان لم يأت من فراغ. فضل السائقون هذا المقهى لقربه من مقهى «نادى الفردوس» الذى يجلس فيه «عمال الباركيه»، لعل أحدهم يخرج لقضاء «مصلحة» فيصطحب معه سائقاً لنقل المعدات: «ما اعرفش أشتغل فى السوق أو أنزل زى السواقين فى الشارع». ومنذ تعرّف الرجل الستينى على رفاق مهنته فى المقهى أصبح يعتمد فى عمله على عمال الباركيه لنقل معداتهم، إلى جانب 3 سائقين آخرين، قبل أن ينافسهم أصحاب السيارات الملاكى الذين يقبلون نقل المعدات بنصف أجر سائق التاكسى، حتى أصبحوا 13 سائقاً يتزاحمون على العمال أنفسهم. المقهى بالنسبة ل«الأسطى أحمد» الشهير ب«عادل»، ليس مكاناً يقضى فيه أوقاتاً للعب الطاولة أو الدومينو، لكنه يشبه «الدكان» الذى يفتتحه البقال و«يرش المياه أمامه» ذاكراً اسم الله «عشان الرزق ييجى» ويستطيع قضاء احتياجات أسرته. «ليالى القمر» ليس الوحيد لسائقى الأجرة، هناك 3 مقاهٍ أخرى، أحدها فى مصر الجديدة إلى جوار مقهى عمال الباركيه، وآخر فى السيدة عائشة إلى جوار صنايعية الرخام، والأخير فى «الكيت كات». وبرغم تعدد مقاهى السائقين وتنافس أبناء المهنة بعد زيادة أعدادهم فى الفترة الأخيرة فإن ابتسامة الرضا لا تفارق «عادل» مهما اشتد الضيق، عاكساً بجملة واحدة رؤيته لكل ذلك: «ربنا الرزَّاق». وإذا أُغلق المقهى لأى سبب كما يحدث فى «رمضان» لا يجد «عادل» مكاناً آخر يُرزق منه، فيضطر وزملاؤه إلى الجلوس أمام المقهى وهو مغلق حتى يأتيهم عمال يريدون نقل معداتهم.