لكل فئة من فئات العاملين بوسط المدينة خصائص معينة تلمحها فى مقهاهم كما تلحظها فى جباههم وتشققات أيديهم، وكأن المقهى يأبى إلا أن يشارك زبائنه همومهم وأفراحهم؛ فمقهى الفالوجا بشارع 62 يوليو- بمنطقة بولاق أبو العلا- يجمع شتات الحرفيين بورش المنطقة وأرباب المعاشات، وصاحبه الحاج أحمد همام يحفظ زبائن المقهى عن ظهر قلب، فهم نفس الأشخاص الذين بدأوا معه رحلة المقهى منذ إنشائه قبل 53 سنة. عماد -نادل المقهى- يختلف عن جرسونات الكافيهات التى تغزو منطقة وسط القاهرة، فثيابه الرثة، ورائحة التبغ المختلطة ببقايا الشاى والنعناع تميزه عن الآخرين، وهو يدور وسط الزبائن كالنحلة لا يهدأ ولا يكل، ومع أن كل ما فى المكان يدعو للحزن، فالحوائط القديمة التى بدأت التصدعات تأكل منها قشرة الطلاء الخارجى، ورواد المقهى الذين يتعاملون ب «الشكك»– بحسب عماد- أغناهم مديناً ب 031جنيها فقط، ومع كل هذا تجد عماد دائم الابتسام، يضحك لكل من يدخل المقهى لا شعوريا. ويقول عماد: إن كل زبائن المقهى "أغلب من الغلب"، ومع أنهم من أصحاب الصنعة، إلا أنه منذ قيام الثورة والحال معهم غير الحال، ومنهم من يعمل بضعة أيام فقط فى الشهر، ولقد حلم هؤلاء مع الرئيس محمد مرسى بمشروع ينهض بهم، لكنهم أفاقوا على وهم ووجدوا أنفسهم مكبلون بالديون، ويشعرون بالمرارة وكلهم ينطقون:" لقمة العيش اتسممت علينا". على الجانب المقابل، وبعد تقاطع شارع رمسيس مع شارع 62يوليو، وتسير عشرات الأمتار، لتنحرف يمينا فى ثانى ممرات 62 يوليو تجد مقهى "السد العالى" بمقاعده الخشبية القديمة، ومناضده الحديدية، ووجوه كالحة حفرت عليها يد الزمان تجاعيد ترسم الشقاء على الجباه والخدود، فهو أحد أشهر مقاهى " صنايعية الفاعل" بالمنطقة، سواء كانوا مبلطين أم مبيضى محارة أم بنائين، ويصبح "السد العالى" موطنا للقمة العيش فى الصباح، حيث يتجمع هؤلاء فى انتظار مقاولى الأعمال، أو أصحاب المرمات، وهم يقضون نصف النهار على المقهى للبحث عن العمل، ويقضون نصفه الآخر وطرفا من الليل للتسلية وتبادل الأحاديث حول ما أنجزوه من أعمال بالنهار. وفى المقابل يقبع مقهي «القصاص»، وهو أصغر كثيرا فى المساحة من مقهى «السد العالى»، لكنه يعتمد على الساحة الكبيرة فى الممر أمام المسجد المقابل له، وهو المكان المفضل لمرتادى محكمة دار القضاء العالى من الموظفين وأصحاب القضايا، وبه عدة كراس خشبية قديمة، وطقاطيق حديدية، واسمه على اسم صاحبها المعلم «القصاص» وهو واحد من أشهر القهوجية فى منطقة وسط البلد، حيث يمتد عمر المقهى لأكثر من 05 عاما. أما مقهى «تامر» الواقع خلف مسرح عبدالمنعم مدبولى بالأزبكية، فهو حديث نسبيا حيث لا يتجاوز عمره العشرين عاما، إلا أنه المكان المفضل للعمال والموظفين بشركات التبريد والتكييف بشارعى نجيب الريحانى والجمهورية، حيث يلتقى فيه هؤلاء ليلا بعد انقضاء أعمالهم، وتدور بينهم مباريات حامية الوطيس فى لعبة "الدومينو" ومن تكون له فيها الغلبة يظل طوال اليوم التالى يتفاخر على خصمه، وفى هذا المقهى يشتهر الثنائى ناصر أبو طوبة ورمضان السكرى، وهما زملاء عمل فى إحدى شركات التبريد والتكييف، يقضيان سهرتهما بعد العمل فى لعبة "الدومينو" الذى غالبا ما يدفع الخاسر فيها ثمن المشروبات. وفى الجهة المقابلة من مقهى «تامر» يقع أشهر مقهى لتجميع المتسولين، وهو المواجه لمسرح عبدالمنعم مدبولى، حيث يتجمع عنده الشحاذون والمتسولون الذين يطوفون شوارع وسط القاهرة، ويقومون بتوزيع أنفسهم على الشوارع كل يوم بتشكيل مختلف، ويكون تجمعهم بعد صلاة المغرب مباشرة، وهم يلتقون ثانية على نفس المقهى فى نهاية "السرحة" قبل منتصف الليل بقليل.