بالتأكيد قد لا تحبذ قراءة ما سأكتبه فى السطور التالية، فلن أنعى الراحلة العظيمة كما ذهب الجميع، وسألتزم تفصيلة مهنية بمزيد من الشرح والتوضيح والإفصاح تخصنا نحن الصحفيين والإعلاميين، فنفى هناك وتأكيد قاطع بكذب خبر الوفاة مع تسرع آخر وفق منطق عدوى «الويب» أصابت الجميع بالارتباك، فقد تجرى وراء العاجل فينقصم ظهرك بالنفى كما حدث مع إحدى الصحف الزميلة التى نفت بقطعية مفرطة كما ورد على لسان مفيد فوزى وسميرة عبدالعزيز، فى حين ذهبت أخرى بدأت بإعلان الخبر تبحث عن محلل من خارج الحدود المصرية لتقول: «الوكالة الفرنسية تؤكد انفرادنا..»، وكأن هذه الوكالة يتنزّل عليها وحى السماء، بالرغم من أن محرر الخبر لصالحها هو مصرى يعيش فى شوارع القاهرة. إذن، ظلت وسائل الإعلام المصرية تتأرجح بين النفى والإثبات لمدة جاوزت الساعة قبل نشر تفاصيل على بوابة «الوطن» من مصادر قريبة منها عن وفاتها فى الساعة الخامسة مساء ومعها تفاصيل عن لحظاتها الأخيرة، فى حين تسابق الجميع قبلها بإذاعة الخبر بسياسة القطيع دون اتباع الإجراءات المهنية اللازمة للتوثق من الخبر، خاصة أننا نتعامل مع وفاة فنانة كبيرة تحمل تاريخاً وتقديراً من الشعب المصرى والعربى أيضاً. نبأ الوفاة أعادنا إلى مربع الأزمة المهنية التى نمر بها فى صحافتنا، خاصة الإلكترونية منها، فإعلان خبر صحيح متأخراً أفضل كثيراً من خبر منفى تذهب معه المصداقية والثقة إلى أبد الآبدين. الجمهور يتعلم مع الوقت، ويبنى درجات الثقة فى المنتج الصحفى والإعلامى على تجارب سابقة، وفى لحظات التردد سيجرى وراء الوسيلة الأكثر صدقاً حسب معياره حتى ولو كان من مرتادى ومروّجى أكاذيب مواقع التواصل الاجتماعى أو شطحاتها. فى إحدى القنوات قالت المذيعة الشهيرة: «أنفى هذا الخبر جملة وتفصيلاً»، وبدأ مذيع آخر حلقته بالتشكيك فى الأنباء، ثم أمسك العصا من المنتصف، ثم بالغ كعادته.. فانتهى إلى لا شىء، فبدا المشهد وكأنهما يبحثان عن «مشاركات السوشيال ميديا» وليس قول الحقيقة، ولم يسع أى منهما إلى أن يقول إن هناك أنباء عن وفاة فاتن حمامة لكننا لم نستطع التحقق. إنها أزمة كاشفة عن مستوى الأداء الإعلامى وإلزامية حماية حق المشاهد والمتلقى من ممارسات لا بد أن يحاسب عليها ناشرها أو قائلها على هواء الفضائيات أو صفحات الجريدة، للقارئ والمشاهد حقوق ينساها الإعلام ويظن أن اعتذاراً على الهواء أو خبراً يُحذف من على الصفحة الرئيسية لموقع إلكترونى كفيل بنسيان الأمر وإخفاء الخطأ الذى أعتبره خطيئة، ويظل الأمل لهذا القارئ المظلوم أو المشاهد المجنى عليه أن يجد متصفحاً فضائحياً ينشر الخطأ أو الخطيئة فتصبح الفضيحة ب«بجلاجل» والجرسة ب«حناجل» على رأى الفنان عادل أمام. الوضوح سبيل، والمعايير المهنية واضحة، فالتحقق معيار الصادقين، والنشر مسئولية للمهنيين، وإذا كنا نبحث عن حقوقنا فعلينا أن نبحث أيضاً عن حقوق المتلقين. الانفراد يصنع الاسم، أما الثقة فتصنع القيمة والاسم أيضاً، فإذا سعيت إلى شهوة السبق دون حكمة ستُدفن وسط ركام منابر الإثارة ومواخير الكلمة. ولهذا ولذاك فإن المواثيق المهنية والقانون كفيلة بحماية المجتمع من ناشر كاذب أو مذيع جاهل أو منبر إثارة أو منفرد بلا عقل، نحتاج سريعاً للانضباط ومعه المهنية حتى لا يقع المجتمع فريسة لتسابق لن تتطور به مهنة ولن يتقدم معه مجتمع!!