مرة أخرى أردِّدها بصوت مسموع بينى وبينى، وأنا أفتح عينَىّ اللتين أجهدهما السفر طوال الليل، حتى عُدْت إلى بيتى الدافئ هذا الصباح، «ما حياتنا إلا طريق»، نعم، فكل طريق فى الأساس هو مسافة بين نقطتين، تضعان البداية والنهاية ما بين واقعنا وأهدافنا. علّمونا يوماً أن أقصر مسافة بين نقطتين هى الخط المستقيم، وقدر ما يتضح لنا هذا الخط نرى الطريق المستقيم يا صديقى الطيب ونتعرّفه. وهذا الطريق ثلاثة أنواع، أحدها الطريق بمعناه المادى المجرَّد، وهو دربك الذى تسير عليه ككتلة مادية من مكان إلى مكان، وهو بالتأكيد ليس بموضوعنا الذى سأناقشه معك الآن. سأُطِلّ معك على الطريقين الآخَرَين يا صديقى، وهما محور حياة كل منا على اختلافنا وتوافُقنا، فقد شغلا بالى زمناً ليس بقليل. فهناك حتماً جوائز تُهدِيها لنا الحياة على طريق التجربة والألم والوحدة، فاسمح لى قبل أن نُطِلّ على الطريقين الآخَرَين بأن أشاركك شيئاً تَعلَّمتُه وغيَّر كثيراً فى حياتى نتيجةَ مواقفَ كثيرةٍ جمعتنى مع رجل الأعمال الملياردير الفلسطينى الشهير الذى حول حياته من لاجئ لا يملك من الدنيا هو وعائلته سوى أن كلًّا منهم لا يزال حيًّا إلى جوار الآخرين، إلى أحد أغنى أغنياء المنطقة العربية. هذه المواقف أفهمتنى ما قاله لى يوماً من أنه يقدِّر جدًّا شيئاً يُسَمَّى «نعمة المعاناة». مع الأيام أدركت حقًّا كيف يُولَد الإبداع والنجاح والفكر من رحم المعاناة، فمَن عانى حقًّا هو من استطاع أن يشقّ طريقه حتى النهاية بصبر وقوة دون يأس، حتى الفوز، فقد لازمه دوماً الحافز والرغبة فى تغيير واقع لم يكُن يوماً بيديه. تعلمت يا صديقى أنك أنت أيضاً تستطيع أن تعرف كيف تُمسِك بالقلم وأنت بكامل إصرارك، لتضع هدفك فى هيئة نقطة، وتتعلم جيداً كيف ترسم الخط لتصنع لنفسك طريقاً إليها، فلن يعجز عن ذلك من يريده. حينها ستقف حتماً على مشارف أحد الطريقين الآخَرَين، اللذين سيختلفان باختلاف الهدف. كيف هذا؟ وما الطريقان إذن؟ سأخبرك يا صديقى. طريق منهما سيصل بك إلى «شىء»، أيًّا كان هذا «الشىء»، سواء مادياً أو معنوياً، كالنجاح فى امتحان أو الوصول إلى منصب أو درجة علمية أو مرتبة اجتماعية، فهو فى النهاية شىء يمثِّل ما لذّ وطاب من الأحلام التى نهدف إليها جميعاً، وعليك عندما تقف يا عزيزى على بداية هذا الطريق أن تعلم أنه طريقك وحدك، ولن يشاركك فيه سوى القدر، وكل ما ومَن سيمرّ عليك فيه فهو زائل لا محالة بعد أن يؤدى دوره، فاجعل هدفك دائماً نقطة النهاية، ولا تتوقف أو تستسلم حتى ترى نجاحك ويستنشق قلبُك المجد الذى صنعْتَه، حينها ستفتخر بنفسك وستدرك نعمة الألم والمعاناة التى أوصلتك إليه. هذا يا صديقى طريقك الأول، فخطِّط له جيداً، هو طريقك دون سواك. أما إن كان الطريق سيصل بك إلى «شخص»، فهو طريق مشترك فى اتجاهين متقابلَين على الخطّ نفسه، لتصلا عليه إلى نقطة التقاء، وعلى هذا «الشخص» أيضاً أن يمضى فى الطريق نفسه باتجاهك قدر ما يستطيع، وعليك أن تحذر أن تمشى الطريق كاملاً وحدك لتصل أنت إليه، لأنه، باختصار شديد، إن لم يفعل ذلك فمعناه أنه ليست لديه الرغبة فيك بالمقابل، فارحم نفسك إذن من المعاناة وأغمض عينيك عنه، فهو ليس نقطتك الثانية، ولم يكُن بالهدف الصحيح، وتَذكَّر يا عزيزى أنه ليس عدلاً أن تُجهِد مشاعرك وأيامك من أجل من لا يرغب فيك. نعم، أنا قلت لك من قبل أن تجازف ما دام هدفك يستحقّ، لكننى أيضاً أرجوك أن تقيِّم هدفك من وقت إلى آخَر، فإن كان من أهداف طريق «الشىء» فلا تتوقف حتى تصل إليه، ما دمت مؤمناً أنه يستحقّ المعاناة وأنك تستحقّ الحصول عليه. أما إن كان من أهداف طريق «الشخص»، فعليك أن تتعلم متى تتوقّف وكيف تتوقف، وإن تألَّمْت، فعليك أن تواجه نفسك بكامل الحقيقة، وعليك يا صديقى أن تصبغ حياتك بالواقعية، فهو لون سيُرِيح عينيك وقلبك معاً، واجعل من ألمك لتركهم مِمْحاةً لتُزِيلَ هذه النقطة تماماً من أهداف حياتك، وأمسك قلمك من جديد وارسم نقطة أخرى تستحقّ، وعدِّل باتجاهها مسارك نحو من سيشاركك الطريق، فهو وحده يستحقّ معاناتك من أجله. راجع نفسك الآن يا صديقى الطيب، فهذا الطريق لن يصنعه أو يمشيه أو يغيِّره سواك، فلا تخدع نفسك ولا تضيِّع وقتك، واعلم أنك دائماً تستطيع.