السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أنا مِن أشدّ المعجبين بالموقع الجميل.. وبجد ربنا يوفّق القائمين على الموقع، ويكون في ميزان حسناتهم. أنا شاب عندي 18 سنة، باصلّي ولله الحمد، وعلى قدر كويس من التديّن، وفيه ناس بتقول لأولادهم ياخدوني قدوة. مشكلتي هي إني -اعذروني في اللفظ- شهواني جداً ما بيني وبين نفسي، وعلى علاقة محرّمة مع بنت أصغر مني بسنة.. البنت دي أعرفها من سنتين، وإحنا مِن بلد واحدة. أنا كلّمتها في التليفون لغاية ما حبّتني مِن كلامي من غير ماتعرف أنا مين؛ بس كانت بتشكّ في صوتي؛ لأني كنت باهزر مع عمها كتير قبل كده خالص؛ فهي فاكرة صوتي.. المهم حسّستها إني بحبها والبنت بقت بتعشقني فعلاً؛ لحد ما طلبت منها تيجي لي البيت، طبعاً رفضت في الأوّل كتير؛ بس بعد كده جت طبعاً، والموضوع اتطوّر. أنا حاسس بالذنب، وكذا مرة أعمل معاها مشكلة متعمِّد، وأحاول أبعد؛ بس هي حاولت تنتحر كذا مرة، وبعد كده تصعب عليّ وأرجع.. ورفضت عرسان كتير، وهي على فكرة بنت جميلة بس أنا مش بحبها. أنا بحب واحدة زميلتي مِن سنة، والبنت زميلتي دي على قدر كبير من الاحترام والأخلاق، وكلامنا قليل في الموبايل، وأنا كلمت أهلي عليها وأهلي موافقين إني أخطبها. أنا زعلان ومتألم من بعض الحاجات: أولاً غضب ربنا، ثانياً زعل البنت اللي بحبها، ثالثاً اللي عملته واللي سببته للبنت اللي تربطني بيها العلاقة المحرمة، ومش عارف أبعد عنها إزاي.. كل ما أبعد فترة كبيرة هي بتكلّمني، وتبعت رسايل؛ بس أنا مش باردّ؛ لحد لما الغريزة الجنسية تقرص عليّ فباكلّم البنت دي. أنا والله متألّم مِن كلامي ده؛ لأن ربنا سترني كتير جداً جداً في مواقف ماكنتش أتصوّر إن ربنا هيسترني فيها؛ لكن أنا مش عارف بجد أقول إيه، ربنا سترني وأنا معروف في وسط الناس كلها إني محترم وبيحبّوني وخدوم للناس، وطيب، وزي ما بيقولوا بيمشي جنب الحيط. بالله عليكم يا جماعة تشوفوا لي حل مناسب بالله عليكم.. الله يسترني ويستر بنات المسلمين، ويستر الجميع. maz.maza صديقي العزيز.. قرأت مشكلتك وأحسست بمعاناتك؛ فأنت حقاً تعاني، ربما حين يقرأ البعض رسالتك يتخيّل أنك شاب فاسد تلهو وتفعل ما تشاء حسب هواك، ويتساءل أين المعاناة؟ لكنني أعرف كم تعاني، وأُدرك حجم ما يحتمله قلبك مِن ألم وهمّ وغمّ، وإحساس بالعجز، وانقسام يبن الفضيلة والرذيلة، وتفرّق بين اتباع الشهوة وبين الاستقامة.. حتماً تشعر أنك منافق، تواجه الناس بشخصية؛ بينما أنت حينما تخلو تنتهك الحرمات وتتعدّى على ما حرّمه الله.. وهذا كفيل بأن يقتلك مِن الداخل ألف مرّة ومرة. ومشكلتك يا صديقي لها أسباب، وعليك أن تستوعب جيداً ما سأقوله لك: أنت فتى صغير في الثامنة عشرة مِن عمرك، وهي مرحلة عاتية صعبة، يمرّ فيها الشاب بأصعب فترات حياته مِن تخبّط واهتزاز الثقة، وارتفاع الرغبة، وشدّة الميل للجنس الآخر، كما تغلف الحيرة والتشتت حياته وتعيث في نفسه؛ فلا هو طفل ولا هو رجل، لا هو صغير ولا هو كبير، وفي الوقت نفسه توضع على عاتقه متطلّبات جسيمة مِن تحديد مستقبله وتحقيق التميّز الدراسي، ويلقى من إلحاح الأهل وضغطهم ما يفوق قدرته. كما أن الشاب في هذه السن يكون -غالباً- مُعرِضاً عن أسرته، يشعر بمشاعر صراع خفي وندّية مع أهله، ويكون مجتمع الأصدقاء هو المجتمع البديل، الذي يستوعب كل طاقته ويلقي فيه بنفسه، ويسير مع تيار الأصدقاء أياً كانوا.. كما أنك يا صديقي -مما قصصته- عظّمت قدر الناس ونظراتهم إليك وهوّنت من نظرة الله وقدرته عليك.. وخدعك شيطانك بأن جعل مراقبة الناس لك أهم عندك من مراقبة الله، وإلا لماذا تكون قوياً بين الناس، ضعيفاً حين لا يكون عليك رقيب إلا الله، وهو معنى عظيم سأُوضّحه لك في البداية؛ لأنني لمست من رسالتك شعوراً بريئاً ومسحة التزام، وحباً للطهارة.. فاعلم يا صديقي أن الله سبحانه وتعالى يرى مكاننا، ويسمع كلامنا، ويعرف كل خبايانا ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، هو معك الآن وأنت تقرأ هذه الكلمات، ويعلم فيمَ تُفكّر؛ ولكنه رحيم فلا يُحاسِبك على ما تُفكّر فيه؛ فهو القائل سبحانه: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}؛ فجعل سبحانه الجزاء على العمل، ويعلم ما تنوي أن تفعله؛ ولكنه يهملك حتى يرى إلى أين تتحرّك؛ فإن هممت بالمعصية فإنه لا يحاسبك عليها إلا إذا ارتكبتها فعلاً؛ فإذا لم تفعلها كتبها لك الله حسنة؛ لأنك صرفت نفسك عن معصية الله؛ لعلمك أنه يراك، ولخشيتك وخوفك منه، وهذه طاعة له. علمت الآن يا صديقي صفتين من أجلّ صفات الله، أنه عليم وأنه رحيم؛ فحين نخشى الناس حين يروننا نفعل الخطأ؛ فكيف لا نخشى الله سبحانه وهو يرانا، وهو سبحانه أجلّ من الناس وأعظم ولله المثل الأعلى.. {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ}. ولكن لماذا نقع جميعاً في هذا الفخّ الشيطاني؟ معظم الناس يكونون أمام الناس أفضل حالاً وأقوم سلوكاً منهم أمام الله؛ فلماذا؟ لأن قدْر الله وقوته وعظمته لم تمسّ قلوبهم، ولم تكن بالقوة التي تخيفهم منه حقاً، ولم تكن قلوبهم على درجة من السمو والرقي الذي يجعلها ترى الحقيقة الغائبة، حين ارتكبوا المعاصي والذنوب وأوغلوا في طريق الغي إلى أبعد من حدّ السلامة حرمهم الله البصيرة وأغمض أعينهم عن أن يروه، وهو القائل سبحانه: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}، وهو سبحانه القائل: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}، وهو القائل: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}، وفي الفريق الآخر نجد بالمقابل قوله تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}، و {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ}، {أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}؛ فالله يكافئ الذي يتبع سبيله بالهدى ونور الحق، ويجازي الذي يحيد عن طريق الحق ويتبع غير سبيل المؤمنين بأن يختم على قلبه ويجعل على سمعه وبصره غشاوة.. أي أنه لا يرى الله ولا يحس بعظمته وقدرته وقوته إلا من أهّل نفسه لاستقبال النور والحق، وصفّى قلبه ليسعد بمعرفة ربه. اسمع معي هذه الآية: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}، ما أعظم الله وأجلّه وأعلاه عن كل شريك، إذا عرفت أن الأرض والسماوات ملك يمينه. سبحانه فهو القادر بلا حدود؛ فهل تغضبه؟ وهل تملك أن تبارزه بالمعاصي ولا تهتمّ أنه يراك وأنت تفعل ما لا يرضى عنه؟ هل تجرؤ أن تتحدّى ربك؟ هل لك قوة على عقابه في اللحظة التي تعصاه فيها وهو يراك؟ ألا تتخيّل معي مشهداً كهذا؛ أن يقدّر أن ينزل عقابه عليك في نفس اللحظة التي تكون فيها مع هذه الشيطانة الصغيرة، ماذا ستفعل؟ وكيف ستتصرّف؟ وإلى أين ستصير حياتك بعدها؟ أليس الله قادراً على ذلك؟ بل قادر على كل شيء؟ قادر على أن يفضحك بين الناس؟ والله ما الفضيحة بأشد خطراً من مجرد غضبه عليك، وطرده لك من رحمته. هذه هي الصفة الأولى التي تكلمنا عنها وهي قدرته عليك؛ فماذا عن رحمته بك؟ تقول إن الله ستر عليك في مواقف ما كنت تتخيل أن يسترها عليك، ونجاك مراراً حين كنت على وشك الافتضاح... ألا يعني ذلك شيئاً؟ ألا يستحق كل هذا منك شيئا بالمقابل؟ هل تكون كاللئيم الذي يقابل الإحسان بالإساءة وتتمادى في غيك مع أن الله يسترك ويعفو عنك؟ هل تقابل رحمته بك بالتمادي في إغضابه ومبارزته بالمعاصي؟ هل تكون بهذا القدر من النكران مع ربك؟ ليس أنت.. وليس من يملك مثل قلبك من يتصرف بهذه الدناءة مع من أحسن إليه عمره كله، ولست بالغبي الذي يغفل عن هذه الإشارة أنه سبحانه ستَرَك كثيراً وأمهلك كثيراً؛ ولكن حتى ترجع، وترك لك الباب مفتوحاً؛ فربما تعود عما أنت فيه؛ فهل تتمادى حتى تستنفد كل فرصك؟ أخشى أن أكون قد أطلت عليك؛ ولكن أتعصي ربك وتُشقي نفسك وتتعب أعصابك وتشعر بهذه الحيرة والانقسام؟ من أجل ماذا؟ من أجل شهوة لا تستمر لحظة حتى تسبب لك المرارة والألم من بعدها. إنك تدفع من استقرار نفسك وراحة بالك على هذه الرغبة أكثر مما تستمتع بها، وكما قيل: "ما تكاد شهوات الدنيا تنقضي حتى تكدّرها مرارتها". فهل تستحق نفسك كل ذلك؟ وهل ذهب عقلك حتى تفكر بهذا الشكل؟ لماذا تدمر نفسك؟ وماذا عليك لو صبرت واحتملت كما يفعل معظم الشباب؛ حتى تنال ما تريد في حلال الله ومباركة المجتمع في ستار من الحب والعفة.. لا تفرق كثيراً بين من يستمتع بالحرام ومن ينتظر الحلال؛ كلاهما ينال غايته وهدفه؛ ولكن أحدهما يكون آمناً مرضياً هنيء البال؛ بينما الآخر يكون خائفاً مرتبكاً مشتتاً مضطرباً يؤنّبه ضميره وتوبّخه نفسه ويوجعه قلبه؛ فلا يسعد، ولا يستمتع؛ لأن الحرام لا سعادة ولا متعة فيه يا صديقي، هكذا أراد الله. لتكن عاقلاً يا صديقي، ولتعلم أن نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل؛ فلتشغل وقتك وعقلك بما يفيدك؛ لأن الفراغ والشباب معا مفسدة أي مفسدة.. لا بد أن تجعل لنفسك قيمة ومشروع حياة تسعى إليه وتفكّر فيه، وتمضي قدماً في تحقيقه. لا بد ألا تعيش لنفسك فقط، بل أن تعيش لغيرك.. أن تبذل ما وهبك الله من علم وشباب وصحة في طرق تؤكد شكرك لنعمة الله، لا تحصر نفسك في دائرة ضيقة من الأنانية والذاتية وتتمحور حول نفسك فتتضاءل على قدر نفسك في الدنيا. تخيّر أصدقاءك يا صديقي ولا تصاحب من يذكّرك بالشيطان وبالمعاصي، ولتصاحب من يذكّرك بالله وينصحك في الخير ويحضّك على الطاعة، صاحب من يحبك بحق، ومن يخلص لك، ومن تهمه مصلحتك، من يحب لك الخير، ولتبتعد عن رفقاء السوء؛ فإنهم كنافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تشمّ منه ريحاً خبيثة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. اطرد الشيطان من حياتك وأنت تستطيع، ولا تترك أي أثر للماضي في ذاكرتك.. حارب المعصية بالطاعة، وواجه خواطر السوء بذكر الله، واملأ فراغ قلبك بالعمل النافع، واستعن بالدعاء فهو سلاح لا يخيب، واقترب من ربك واجعل الإيمان يلمس قلبك؛ فهو كفيل بأن يغسله من شهواته ويضبطه على طريق الحق والنور. أسأل الله لك أن يجمع قلبك على حبه، وأن يهديك إلى الرشاد، وأن يرزقك الصبر والسداد، إنه سبحانه سميع مجيب الدعاء.