حياتنا ما هى إلا طريق، وجميع الأسماء والأشياء التى تصطفّ على جانبيه تؤثّر فينا وتعلّمنا مع كل خطوة نخطوها عليه، أما نحن -ببساطة- فلسنا سوى مزيج من هذه العلامات، فهل تأمّلتَها يوماً؟ اعتدت أن أمسك الورقة والقلم لأكتب الأسماء الموجودة فى حياتى من وقت إلى آخر، عادةً أضع أرقاماً وإشاراتٍ تحدِّد شكل علاقتى بهم، بما يتناسب مع تقييمى لهم وبما يتناسب أيضاً مع شكل حياتى أنا شخصيّاً، فهاتان كفَّتا الميزان دائماً، أصل معهما راضية إلى نقطة الاتزان فى تعاملاتى الحياتية اليومية. لن أُخفيكَ سراً، فأنا أجد نفسى أحياناً كثيرة فى مواجهة علامات أخرى مزعجة، فعندما تنتصب أمام بعض الأسماء علامات استفهام أو تعجُّب أدرك تماماً أننى أمام شخص محيِّر، وأنا الآن لا أعرف كيف أتعامل معه، ولا أين أضعه فى حياتى، ولكنى تعلّمتُ مع التجربة أن أقترب ممّا أجهل حتى أرى، تعلّمت فنّ الاقتحام حتى أختصر الوقت على نفسى وقلبى، فنحن لم نعُد نمتلك رفاهية الوقت. وهذا ما وجدت.. كثيرون منهم يا صديقى تحتاج إلى عدسات مكبّرة حتى تكتشف تفاصيله، وآخرون نحتاج إلى تَعلُّم مهارة «استدعاء الكلام» حتى تُخرِج ما بداخلهم، أمّا هؤلاء الذين يختفون خلف وجوه أخرى فهم كثيرون، ويتعقّد معهم الأمر كثيراً. ليس لنا خيار إلا أن نعرفهم قبل أن نقيّمهم ونضعهم فى مواقعهم فى حياتنا، وهذا رائع جدّاً. ولكن قبل أن نبذل كل هذا المجهود أمامنا طريق آخر سيختصر علينا مراحل صناعة هذه المواقع: أن تضع نفسك مكانهم، لتبدأ الطريق إليك أولاً، أن تعرف نفسك على حقيقتها وتُظهرها أنت أيضاً للآخرين. هل تعرف نفسك حقّاً؟ فالطريق إلى معرفة من حولك هو ببساطة أن تعرف نفسك أولاً، أن تراها بوضوح بكل ما فيها، عارية من الأقنعة والمساحيق، أن تلتقيها وتتصالح معها لتقدمها بدورك للآخرين، لتختصر على نفسك وعليهم الزمان. هذه يا عزيزى أهمّ معرفة يمكن أن تحصل عليها فى حياتك، ستصنع لك ذاتاً فى مواجهة الدنيا والناس. ستصنع شخصك الحقيقى الذى تفتخر به وتحبه. هل تريد أن تعرف الطريق؟ دعنى أخبرك بما قاله لى شيخى الطيب ذات مساء: سألنى يوماً: هل تعرفين نفسك وتحبينها؟ قلت: نعم. قال: أيهم تحبين؟ استغربت سؤاله فقلت: علِّمنى إذن ماذا تقصد. قال: جسدك. قلت: ثم من؟ قال: قلبك. قلت: ثم من؟ قال: عقلك قلت: ثم من؟ قال: روحك يا صغيرتى، ولها العِزَّة لو تعلمين. نعم يا شيخى الطيب، ولترقد رُوحك فى سلام. فما أجمل أن تتصالح مع جسدك بكل تفاصيله، أن توقن أنه خُلِقَ لك وحدك، وأنه يميزك عمن سواك، أن تحبه كما هو، تقبل فطرته ذكراً كان أم أنثى، فلِكُلٍّ قَبَس مِن نور الله. لا تُرهِقه فى متاهات التجمُّل للآخرين، فأنت لست مساحيق تجميل ولا ماركات ألبِسَة، يكفيك البساطة والنظافة والبهجة، هى سرُّك مع نفسك، وهى طريقك إلى الآخرين الذين يصلحون لك حقّاً. أما قلبك يا عزيزى فيرى ما لن تراه عيناك، فامحُ عنه الغمام واتركه يتحدث إليك، استمع إليه جيداً، فهو لن يخدعك ما دمت تُرِيه الحياة بعيداً عن الكراهية والانتقام، ازرع فيه السعادة والحب؛ سيُرِيك الطريق كما يليق بإنسانيتك، وسيصرف عنك من لا يستحقّونك. أما عقلك فهو الناطق الرسمى باسمك فى الحياة، فعلّمه جيّداً قبل أن تمتحنه، علّمه أن يسأل ويستنبت الأجوبة بقدراته هو وبقناعاته الخاصة، احترم إمكانياته، استكشفه جيداً وافتح له الباب كى يصنع لك اسمك الخاص بمجهودك أنت، لا بتبعيتك لآراء وأحكام الآخرين. أمّا الرّوح، «صاحبة العزة» كما قال عنها شيخى الطيب، فهى هذا الظل النبيل بداخلك، دثِّرْها بالحب والإيمان، حرِّرها وستعلّمك كيف تعيش الحياة وكيف تنتقى الناس حولك، اتركها على فطرتها ولن تستدعى لك إلا مَن سيمنحك القوة والابتسام، فالأرواح على أشكالها تقع. حينها ستقطف نجاحك فى الحياة، وستدرك كَمْ جميلٌ أن تعرف نفسك وتتصالح معها، ستعرف يا صديقى ماذا تريد ومَن ترغب، ستمتلئ الفراغات مِن حولك وستتبدَّل علامات الاستفهام والتعجُّب سريعاً لترى نفسك والآخَرين. اعرف «أنا» جيداً، وأظهِره للآخَرين على حقيقته، حينها سترى بوضوح مَن على الجانب الآخَر من الطريق، وستتعلم كيف تحب نفسك، وستعرف جيداً مَن تختار لها رفيقاً.